IMLebanon

الحريري “بق البحصة”… ماذا بعد؟

كالعائد حديثا إلى الحرية بدا رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري في إطلالته الصحافية الأخيرة. ذلك أنه بق البحصة التي قضّت مضجعه على مدى السنوات الثلاث الأولى من عمر العهد. قالها الرئيس الحريري بالفم الملآن: “الحكومة المقبلة ستكون حكومة جبران باسيل”. موقف عالي السقف استدعى ردا رئاسيا سريعا اختار رئيس الجمهورية أن يجعله “عيدية”: “ليس الوزير باسيل من يؤلف الحكومة، مع أنه يحق له ذلك لأنه رئيس أكبر تكتل نيابي”، ما يعني أن الرئيس عون كما الفريق الدائر في فلكه طويا صفحة الشراكة مع الرئيس الحريري، والتسوية المبرمة معه انتهت رسمياً.

هذه القراءة، تؤكد مصادر سياسية مراقبة لـ “المركزية” أنها النتيجة المتوقعة والتي كان الوصول إليها واضحا منذ إنطلاق الثورة الشعبية في 17 تشرين الأول الفائت. إذ في وقت كان المتظاهرون على طول البلاد وعرضها يستهدفون بهتافاتهم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، كان الحريري يعطي كثيرا من إشارات التأييد “المشفرة”، للانتفاضة في مواجهة “السلطة السياسية”، علما أنه جزء لا يتجزأ منها، بدءا من مؤتمره الصحافي الشهير في 18 تشرين الأول، الذي بدا تمهيدا لخلعه العباءة الحكومية، وصولا إلى استقالته “المباغتة”، على حد وصف العونيين، والتي بدت بمثابة النقطة التي فاضت بها كأس السجالات المتتالية بين ركني العهد العوني.

غير أن المصادر تلفت في المقابل إلى أن “التيار” أكثر من الاشارات الايجابية في اتجاه الشريك الأزرق الذي انتظر طويلا قبل أن يحسم موقفه لجهة رفض العودة إلى السراي الحكومي إلا بشروطه، مشيرة إلى أن الوزير باسيل نفسه دعا الحريري إلى تسمية شخصية محسوبة عليه لتشكيل حكومة اختصاصيين كتلك التي يطالب بها الحراك الشعبي وذلك احتراما لموقعه الميثاقي. غير أنه عاد وانقلب على هذا الشرط، علما أن الرئيس عون خاض المعركة الرئاسية بكاملها على هذا الأساس تحديدا، وسار باسم الوزير السابق حسان دياب لتأليف الفريق الوزاري العتيد، بدعم من حزب الله وحركة أمل.

أمام هذه الصورة، تشدد المصادر على أن العبرة الأولى الواجب استخلاصها من الجولة الجديدة من كباش التيارين تتجاوز مصير التسوية الذي أصبح معروفاً، إلى رسم معالم جديدة للمشهد السياسي من حيث عودة الطرفين المعنيين إلى موقعيهما التقليديين، علما أن في المرحلة المقبلة سيتعين على الحريري إصلاح ذات البين مع حليفيه “السابقين” الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي حمّله الحريري بوضوح مسؤولية انسحابه من حلبة المعركة الحكومية ودفعه إلى تأييد ترشيح عون بعدما مده بجرعة دعم مسيحية قوية، لم يكن في إمكان “الممثل الأقوى للمكون السني” القفز فوقها، في وقت برز الخلاف الجديد مع المختارة حول عدم تسمية السفير نواف سلام لتأليف الحكومة.

وتختم المصادر مؤكدة أن الاضطراب بين التيارين سيترك من دون شك تداعياته على مسار التأليف، وإن كان المستقبل والتيار يقفان على طرفي نقيض إزاء المشاركة فيها. لكن ورقة الشارع السني تبقى مهمة، خصوصا أنها تبدو حتى اللحظة على الأقل تصب في صالح الرئيس الحريري، ما قد يفرض على العونيين مراجعة دقيقة لحسابااتهم، لما فيه مصلحة العهد أولا.