IMLebanon

البرلمان اللبناني «هرّب» الموازنة خلف «الجدران العازلة» 

 

عَكَسَتْ «جلسة الساعات الثلاث» التي عقدها مجلس النواب أمس، التحوّلات الهائلة التي شهدها لبنان في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
وجاءتْ وقائعُ الجلسةِ، التي انتهتْ لإقرار موازنة 2020، مدجَّجَةً بالمؤشراتِ البالغة الدلالات و«السوابق» التي لم يعْرفها لبنان في تاريخه، بما يكرّس دخولَه مرحلةً غير مألوفة يَتَشابَكُ فيها الإرباك السياسي للحكومة الجديدة مع «كرة النار» المالية – الاقتصادية المُتَدَحْرِجَة بلا هوادة على وقع «هدير» الشارع الذي لا يستكين.

وشقّتْ هذه المؤشراتُ طريقَها من قلْب ما يشبه «المنطقة الفراغية» بين مرحلتيْ حكومةٍ «رحلتْ» وأخرى «لم تصل» بعد (بكامل نصابها الدستوري)، وتحت ضغط الإصرار على إقرار موازنةِ «الشرّ الذي لا بدّ منه» والتي بدت أقرب إلى «موازنة تصريف الأعمال»، وفي ظلّ هَبّةِ «لا ثقة» من الشارع بوجه الحكومة والبرلمان.

وأَمْكَنَ اختصارُ تلك المؤشرات بالآتي:
* مشهديةِ رئيس الوزراء حسان دياب «وحيداً» في المَقاعد المخصصة لحكومته التي قطعتْ «نصف مسارها» الدستوري بصدور مراسيم تشكيلها ويبقى أن تكتمل «مواصفاتها» بنيْلها ثقة البرلمان وفق البيان الوزاري الذي ما زالت تعمل عليه.

وقد حملتْ هذه المشهدية بُعْدَيْن: الأوّل شكّل امتداداً لـ «الفتوى» الدستورية التي سمحت بـ «تغطية» سابقة مثول حكومة لم يمنحها البرلمان ثقته بعد أمامه لتكون بمثابة «الأم البديلة» لموازنةٍ بدأ مسار استيلادها مع حكومة الرئيس سعد الحريري الذي استقال بعد 12 يوماً من اندلاع الانتفاضة الشعبية واستُكمل في لجنة المال والموازنة النيابية.

ومن خلف «الغبار» الكثيف الذي أثير حول هذه المسألة، كرّس رئيس البرلمان نبيه بري «الإخراج الدستوري» لها على قاعدة أن ما يصحّ على حكومة تصريف أعمال مستقيلة ينطبق على حكومة تصريف أعمال وليدة من باب «التوسع الاضطراري» في هذا المفهوم، ليُلاقيه دياب بحيثياتٍ تنطلق من «استثنائية المرحلة» وترتكز على أنه «لا يمكن للحكومة استرداد الموازنة قبل نيْلها الثقة أو ان تعرقل موازنة أعدّتها الحكومة السابقة (…) ومن هنا تترك الأمر الى المجلس النيابي، مع احتفاظها بحق تقديم مشاريع قوانين لتعديلات في الموازنة، بعد نيْل الثقة».

أما البُعد الثاني فعَكَس، عبر صورة دياب بلا أيٍّ من وزرائه، محاولةً لـ «نفْض اليد» من موازنة 2020 واستطراداً من المسار الانهياري الذي تنحدر إليه البلاد مالياً عبر المضيّ بتحميله إلى الحكومة السابقة، وهو ما ظهّره بوضوح حرص «كتلة المستقبل» (يترأسها الحريري) على إكمال نصاب الجلسة (تتطلّب حضور 65 نائباً من 128 وبلغ عدد الحاضرين أمس 76) في ربع الساعة الأخير رغم إشارتها إلى عدم دستوريتها، بهدف انتزاع «تبنٍّ واضح» من رئيس الحكومة للموازنة في ما بدا محاولة متعمّدة لقطع «حبل السرة» بين الحريري والمرحلة المقبلة وتفادي تحويله «كيس رمل» يتلقى الضربات عن الحكومة الحالية رغم استقالته.

وقد ضغط نواب «المستقبل» ولا سيما بهية الحريري وسمير الجسر لـ «سحْب» كلمة التبني من فم دياب الذي وجد نفسه مضطراً لإعلان ذلك بقوله «لو كنتُ لا أتبنى الموازنة لَما كنتُ هنا اليوم».

* سابقةُ اختصار جلسات مناقشة مشروع الموازنة على «جولة يتيمة» في نصف يوم بعدما كان مقرَّراً أن تمتد حتى يوم غد، على وقع لعب بري دوراً ضاغطاً لاختصار الكلمات من 23 إلى 6 والإسراع في التصويت على بنود الموازنة التي أُقرّت بغالبية هزيلة ذات دلالات كبيرة اقتصرتْ على 49 نائباً ومعارضة 13 وامتناع 8 نواب. والنواب المؤيّدون كانوا من كتل «التيار الوطني الحر» «حزب الله» وحركة «امل» والحزب «السوري القومي الاجتماعي»، فيما صوّتت «كتلة المستقبل» ضدّ وامتنع نواب «اللقاء الديموقراطي». علماً أن الجلسة شهدت مقاطعةَ 49 نائباً أبرزهم كتلة «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب» ونواب مستقلون أو حتى من كتلٍ حضرت الجلسة.

ولم يتوان بري عن ردّ سبب الاستعجال إلى «أسباب أمنية»، متوجّهاً إلى النواب «لا تخرجوا من الجلسة، اذ سيصعب على نائب إن خرج أن يعود»، مضيفا «عملنا السبعة وذمّتها اليوم، ودخّلنا الجيش لقدرنا نعمل الجلسة».

* رغم نجاح السلطة في «حماية» الجلسة واستجرّت مواجهات على نقاط عدة، ولا سيما في «ساحة الشهداء» بين محتجين والقوى الأمنية التي تعرّضتْ لرشْق بالمفرقعات النارية والحجارة وردّت باستخدام الهراوات وحتى الحجارة في بعض الأحيان ما أدى إلى وقوع عدد من الجرحى قُدر عددهم بين 12 و30 (نُقل بين 8 و 11 إلى المستشفيات)، إلا أن النواب الذين حضروا إلى مقرّ البرلمان بدوا أسرى «جدار» من الخوف تجلّى في «تسلُّلهم» إلى ساحة النجمة إما بسيارات مموّهة واما «متخفّين» خشية مواجهة غضبة الشارع الذي كان يكمن لهم بالبيض والاتهامات «حرامية»، من دون أن تنجح «جدران العزل» العالية في إخماد خشية «ممثلي الشعب»… من الشعب.

وبعيد إقرار مشروع الموازنة التي أجمع الخبراء على أن أرقامها «وهمية»، حاول نوابٌ «إغراء» المنتفضين بالإضاءة على بنود تضمّنتْها وتلاقي المخاوف على القطاع المصرفي والودائع فيه ومنها رفْع الضمان على الودائع من 5 ملايين ليرة الى 75 مليون ليرة (بما يغطي نحو 85 في المئة من اللبنانيين) وتعليق التعقبات بحق المتعثّرين في القروض المدعومة (السكنية والصناعية والزراعية وغيرها حتى نهاية يونيو) وتمديد مهلة الاعفاءات على الغرامات ستة أشهر.