IMLebanon

اللبناني “يَتشرّب” المازوت كـ”المورفين”؟!

كتبت سمر فضول في صحيفة الجمهورية:

«كالمورفين» يتشرّب اللبناني الأزمة تلو الأخرى، وجديد الأزمات تلك المرتبطة بقطاع النفط، وتحديداً المازوت، ففي حين بدأت الأزمة مطلع فصل الشتاء، حيث فقدت المادة في غالبية المناطق الجبليّة، ها هي الأزمة اليوم «تتفشّى» لتطاول قطاعات حيوية كالمدارس والمستشفيات.

حتّى تاريخه، لم يسجّل فقدان مادة المازوت في الأسواق، لكنّ الحصول عليها بات أشبه بالبحث عن «إبرة في كومة من القشّ». التقنين توسّع، الكميّات لا تسلّم كاملة، وما يسلّم أسعاره متفاوتة، فما الذي يحصل تحديداً؟

يشكو فادي، وهو أحد أصحاب محطات المحروقات في ساحل المتن الشمالي، من فقدان مادة المازوت لأنّ «الاستحواذ عليها يتطلّب جهداً كبيراً ومالاً إضافياً»، لأنّ الشركة التي يتعامل معها تزوّده كمية محددة مرة في الاسبوع وهي «لا تغطّي الطلب، وبالتالي نحتاج الى كميات اضافية، فنلجأ الى محطات وشركات أخرى عبر وسطاء لتأمين المازوت ولكن بأسعار مرتفعة».

يؤكد فادي انّ السوق السوداء «ماشيي وعلى عَينك يا تاجر»، لافتاً الى انّ بعض المحطات يعمد الى شراء حصص من بعض النافذين في وزارة الطاقة ويبيعها للمحطات الاخرى، ما يشكّل مصدراً مهماً للاستحصال على المازوت.

حدود الأزمة لا تنتهي هنا، فقدان المازوت بات يؤثر على يوميات المواطن ويهدد أكثر من قطاع، وَسط إجماعٍ على أنّ الأيّام المقبلة ستشهد تقنيناً إضافياً قد يعزّز من سلطة «السوق السوداء» على المادة. ويحدّثنا في هذا الإطار مدير المشتريات في إحدى المدارس الخاصة، فيقول: «إنّ المدرسة لا تتحمّل أي انقطاع في الكهرباء، خصوصاً في ساعات الدوام، لدينا طلاب من ذوي الإحتياجات الخاصة في حاجة الى الصعود والنزول من صفوفهم في المصعد، إضافة الى أمور أساسية تتعلّق بالبرامج والكومبيوترات التي يجب ألّا تنطفئ أبداً، فنضطر إلى إبقاء مولّداتنا الكهربائية قيد التشغيل، خصوصاً أنّ التقنين بلغ نحو 20 ساعة يومياً».

ويشدد على أنّ «المشكلة الأساس هي في الحصول على المازوت، الذي أصبح كالعملة الصعبة، نطلب كمية فنحصل على ربعها وفي أحسن الحالات على ثلثها. أضف إلى أنّ الفواتير ترتفع بارتفاع سعر صرف الدولار، وهذا ما بات يشكّل عبئاً على موازنة المدرسة».

الأزمة تؤرق أيضاً القطاع الإستشفائي، فيشير نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون إلى تَمكّن المستشفيات من تأمين مادة المازوت حتى تاريخه، ولم تسجّل حالات انقطاع في أيّ من المستشفيات، لكنّه يلفت في المقابل الى أنهم لا يحصلون سوى على ثلث الكمية التي يطلبونها، ويعطي مثالاً: «نطلب 10000 ليتر، فنتسلّم 3000، وقبل أن تنتهي الكمية يؤمّنون لنا قسماً آخر، وهكذا دواليك. كنّا نتسلّم مرة في الأسبوع أو كل 10 أيّام، أمّا اليوم فنتسلّم مرتين أو ثلاثة أسبوعياً، الكميات تصلنا تباعاً و»عَالقَد».

ويضع مدير المنشآت النفطية سركيس حليس الكرة في ملعب مصرف لبنان، فيقول: «المشكلة حصلت حين فتح مصرف لبنان اعتمادات بقيمة 85 في المئة بالليرة اللبنانية و15 في المئة بالدولار، في نهاية أيلول الماضي، فقد كنّا في المنشآت نمتلك مبلغاً معيناً مَكّنَنا من تأمين قيمة الـ 15 في المئة لمدّة معيّنة بالعملة الخضراء، وبعنا المادة للناس بالليرة اللبنانية على أمل أن تنتهي الأزمة سريعاً. لكنّ ما حصل أننا وصلنا الى منتصف كانون الثاني ونفدت منّا الدولارات، فطلبنا من مصرف لبنان أن يؤمّن لنا الـ 15 في المئة المتبقيّة بالدولار، فتصبح تغطيته شاملة للمبلغ، إلّا أنه رفض، وسَاوانا بالتجّار، فراسلناه لنعرف كيف تسير الآلية لنحصل على الدولار ونؤمّن الـ 15 في المئة المتبقية، كون مالنا هو مال عام ولا يمكننا وضعه الّا في مصرف لبنان، فلم يأتنا الجواب.

فاضطررتُ لفتح الإعتمادات ولأن أقبض كما نشتري: 85 في المئة ثمن كل «سيترن» نبيعه بالليرة اللبنانية و15 في المئة من ثمنه بالدولار، فاضطرّ الموزعون بالتالي الى شراء الدولار من السوق بسعر مرتفع». ويختم «المشكلة ليست في التوزيع إنما في تأمين الدولار».

ويؤكّد ممثّل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا الأمر نفسه، فيقول: «المازوت متوافر ولا يوجد أي مشكلة، فالبضاعة تصل في البواخر عبر البحر، ووزارة الطاقة متعاونة خصوصاً بشخص وزيرها ريمون غجر الذي أبدى استعداده للمساعدة». لافتاً إلى أنّ «المشكلة الأساسية هي في موضوع الـ 15 في المئة دولار، فسعر الصفيحة أصبح يكلّف الموزّعين أكثر، ما يؤدي إلى ارتفاع سعرها على أصحاب المحطات».

ووسط دوّامة المنشآت و»كارتيل» المحطات، مزاريب عدّة يمكن لـ»مستغلّي الأزمات» الإستفادة منها، خصوصاً أنّ التنظيم غائب عن هذا القطاع الذي شهد على مدى سنوات «طَفرة» في عدد المحطّات، واحتكاراً لسوق العرض والطلب مارسه أصحابها الذين يستغلّون فترات محددة من السنة لِلّعب في العرض والطلب، وتأمين هامش أكبر للربح على حساب المواطن.