IMLebanon

الكمّامات كالدولار تخضع لسعر الصرف

كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:

الى أزماتنا المتنامية تأتي لتضاف أزمة وصول الكورونا إلينا ضيفاً معززاً مكرماً قادماً من مدينة قم الإيرانية. وكأصحاب واجب وضيافة سارعنا للقيام بما يلزم لاستقبال الضيف الثقيل. تهافتنا على الصيدليات بشكل غير مسبوق لطلب كل ما يمتّ للنظافة والوقاية والتعقيم بصلة. نظّفنا جيوبنا من ليرات باقية للحصول على ما يقينا من الفيروس المشؤوم الذي بات يسرح ويمرح سعيداً في ربوعنا، بعد أن تركت له الدولة حرية التنقل كونه آتياً من بلد شقيق له علينا أفضال كثيرة.

في الصيدليات بات الوضع جنونياً بعد الإعلان عن أول حالة كورونا في لبنان، الناس صفوف كلهم يريدون الحصول على الأقنعة والكمامات التي تحمي من الفيروس. فجأة ارتفعت اسعارها، لم تدوبل او “تتربل” بل صارت مضروبة بأربعة وأكثر احياناً. قفزت من أربع كمامات عادية بألف الى ألف ليرة للكمامة الواحدة أما سعر العلب فبات يخضع لسعر صرف يتفاوت بين يوم وآخر.

بعض الصيدليات نفد منها المخزون منذ ما يقارب الأسبوع وذلك لأن الكميات التي كانت تخزنها قليلة، فهذا صنف غير مطلوب في العادة وما كان موجوداً عندها نفد بسرعة من السوق، مع بداية الحديث عن الكورونا وقبل وصوله الى لبنان. أما الصيدليات الباقية فقد باعت كميات جنونية من الكمامات، بمجرد أن أطل وزير الصحة على الشاشة في مؤتمره الصحافي ليعلن عن الإصابة الأولى. وعن سبب أزمة الكمامات تقول إحدى الصيدلانيات أنها سمعت خبراً غير مؤكد مفاده أن لبنان قد باع طناً من الكمامات الى الخارج، إذ لا قانون يمنع التجار من ذلك والعقل التجاري اللبناني حسب حساباته وضرب ضربته قبل وصول الكورونا. و إذ نتحفظ على صحة الخبر لا نستغربه، فمن أدمن المتاجرة بمستقبل الناس ومصيرهم لن يستحيل عليه المتاجرة بصحتهم وأرواحهم.

سوق سوداء

سوق الكمامات بات أسود كسوق الدولار، العرض أقل من الطلب والأسعار بورصة. المستوردون والموزعون صاروا كالصرافين يتحكمون بالسوق ووزارة الصحة غائبة عن المراقبة في الوقت الراهن. لكن في تصريحٍ لوكالة الأناضول، أفاد نقيب الصيادلة غسان الأمين، أن تناقص الكمامات من الصيدليات سببه تهافت المواطن اللبناني على شرائها بشكل كبير، عقب إعلان وزارة الصحة، الجمعة، عن أّول حالة كورونا في البلاد. وأكد أن أكثر من 70 في المئة من الصيدليات في لبنان مزوّدة بالكمامات، وما يُشاع عن وجود أزمة بها “غير دقيق”.

ولكن من جانبها تؤكد إحدى الصيدلانيات ان السلعة مفقودة، وإذ يطلب الصيدلي من مورّده كمية معينة يأتيه الجواب: “بأمّنلك علبتين تلاتة مش أكتر”. وقد يأتي يوم نأمل ألا يكون قريباً، تنتقل فيه الكمامات على جنح الظلام بين يد وأخرى كممنوعات يبيعها التجار في الخفاء لمدمنين يائسين.

بعض الصيدليات تعلّمت من المصارف درساً فقوننت بيع الأقنعة والكمامات ولم تعد تبيع بالعلب بل بالقطعة، وحصة الفرد الواحد لا تتخطى الست. “وما حدا أحسن من حدا”، فمن يقبل بـ 100 دولار بالأسبوع لا يحق له ان ينق إذا حصل على قناع واحد في اليوم. لا شك أن الكمامات قليلة وانتاجها عالمياً لا يلبي الطلب، فالدولة الصينية أول المنتجين لها تتبع أنظمة صارمة بشأن تصديرها، بعد أن استهلك الصينيون معظم انتاجهم البالغ 15 مليون قطعة يومياً واضطر حتى مصنعو السيارات الى تخصيص خطوط انتاج لصناعة كمامات صحية بأعداد كبيرة لتوفير الكميات المطلوبة منها. كما عمدت إحدى الشركات الفيتنامية الى صنع كمامات من ورق التواليت بغية تحقيق أرباح سريعة، في ظل تكاثر الطلب على هذه السلعة الحيوية في بلدان العالم.

والكمامات أنواع فمنها الورقية العادية التي تسمح بدخول عدد من الجراثيم عبرها، كما تشرح لنا الصيدلانية ريتا خليل، ومنها التي تحبس الهواء داخلها وتعرف باسم N95 وهي الأكثر فاعلية لأنها تمنع أي تواصل مباشر مع الهواء الخارجي، وهي التي تستعملها الطواقم الطبية وطواقم المطارات في العالم، أي الأشخاص الذين هم على تماس مباشر مع مصابين مؤكدين أو محتملين. وهذه أغلى بالطبع من الكمامات العادية وقد وصل سعرها الى 8000 ليرة للقطعة الواحدة، وغالباً ما يطلبها اللبنانيون ويسألون عنها لا سيما الأمهات اللواتي يتمسكن بشرائها للعائلة. وقد بات هذا الصنف اليوم عزيز جداً وشبه مفقود، حتى أن الصين العظيمة قد منعت استعمال هذه الاقنعة من قبل غير العاملين في القطاع الصحي. أما ما عدا ذلك من وسائل وقاية وتغطية للوجه فلا فاعلية حقيقة له، حتى وإن انتشر فيديو ضاحك يشرح فيه أحدهم كيفية استبدال الكمامة بالسترينغ…

عدة المواجهة كلها من كمامات وwipes وديتول وجيل لتعقيم اليدين شهدت ارتفاعاً غير مسبوق في الأسعار، ويكفي ان نعرف ان عبوة الجيل المعقم انتقلت بشكل صاروخي من 3000 الى 4500، حتى نتأكد من براعة اللبناني في استغلال كل الظروف لصالح الربح المادي.

الإنفلونزا أسوأ من الكورونا

ولكن هل تعتبر الكمامة سبيل الوقاية الوحيد من الكورونا؟ د. ربيع هليط الاختصاصي في الأمراض الجرثومية والمعدية وطبيب الأمراض الداخلية يقول إن لا داعي للهلع والكورونا ليس فيروسا فتاكاً أكثر من سواه، ففي حالات الإنفلونزا يكون خطر الموت أكبر بكثير. إن حالات الوفاة التي شهدناها جراء الكورونا كانت في معظمها عند أشخاص كبار في السن تجاوزوا السبعين، أما عند من يتمتعون بصحة جيدة فغالباً ما تكون الأعراض عابرة مثل أعراض أي grippe آخر. لا شك أن الكمامة مفيدة ولكن لا ضرورة لتحول الأمر الى حالة من الهلع، ولسنا مضطرين بالتأكيد الى وضع الكمامات طوال الوقت وكأننا قابعون في انتظار الكورونا. وحدهم الأطباء وأفراد الطواقم الصحية والعاملون في المستشفيات بحاجة الى استخدام الكمامات بشكل دائم، مع نظارات خاصة على شكل قناع يحمي العينين أيضاً. أما الأشخاص العاديون فيمكنهم اللجوء إلى الكمامات كنوع من الوقاية، إن كانوا على تماس مع اشخاص يعانون من عوارض مرضية، مثل ارتفاع في الحرارة أو سعال وألم في الرأس وهي قد تكون عوارض الانفلونزا الموسمية.

الكمامة مفيدة إذا ولكن تبقى طرق الوقاية الأخرى ضرورية مثل غسل اليدين بانتظام وتجنّب تمريرها على الأنف والعينين، تفادي التجمعات الكبيرة كالحفلات الموسيقية والتظاهرات حيث تكون أعداد الناس كثيرة، لا سيما واأن الفيروس ينتقل بالنفس مباشرة بين الناس. وعلى الأخص تجنب تقبيل المصابين وكل الذين يعانون من أعراض مرضية ظاهرة، وتفادي احتضانهم ومواساتهم والاكتفاء بالاستعلام عن حالهم من بعيد.

أما حول قلق الأمهات على صغارهن وهل يجب فرض الكمامة في المدارس، يقول د. هليط إن “من المتعارف عليه حين يكون هناك انتشار لعدوى ما فغالباً ما ينصح بإقفال المدارس لعدة أيام وإبقاء الأولاد في البيت. ولكن الغريب في أمر الكورونا والذي لم يجد له الأطباء والباحثون سبباً بعد، هو أن الأطفال لم تحدث عندهم مضاعفات خطرة نتيجة الإصابة بالفيروس، ولم تسجل أية حالة وفاة بين المصابين من عمر الصفر الى تسع سنوات لذا لا يجب على الأهل الاستسلام للخوف في هذا المجال”. وينهي د. هليط كلامه قائلا: “نحن لا نملك ثقافة استخدام الكمامات، فحتى الأنفلونزا العادية بحاجة لأن نستخدم الكمامة لتحاشيها إذا كنا نتعامل مع شخص مصاب، لذا من الضرورة التأكيد على أهميتها عبر التوعية من قبل الأجهزة الصحية ووسائل الإعلام، وعلى ضرورة استخدامها في التجمعات الكبرى”.

إتيكيت الكمامة

في البلدان الآسيوية يعتبر مشهداً عادياً رؤية الناس في الشوارع يتنقلون واضعين الكمامات على أنوفهم وأفواههم. عندنا الأفواه مكمومة لكن الدولة لم تصل بعد الى الأنوف، فما زلنا قادرين على اشتمام الروائح البشعة وتنشق الهواء الملوث. وكمامات اليوم التي نلهث وراءها لتقينا من الكورونا سبق أن تمرّنا على استعمال مثيلات لها في أيام الثورة. فقد سبقت الغازات المسيلة للدموع الفيروس إلى أرضنا، وفتكت بالمتظاهرين والإعلاميين وحتى برجال الأمن وصارت الأقنعة الواقية ملاذاً لهؤلاء يحميهم من تنشق الغازات الضارة.وإذا كانت كمامات الكورونا بسيطة ومصنوعة من الورق، فالاقنعة الواقية من الغاز أكثر تعقيداً وندرة، فهي تحتوي على فلاتر تمنع وصول الغاز الى الرئتين ويتراوح سعرها وفق نوعيتها ومصدرها بين 100 و 150 دولاراً للقناع الواحد، وغالبا ما يتم اقتناؤها من قبل الأجهزة المتخصصة فقط كالعسكر والدفاع المدني وقوات اليونيفيل. ولكنها في لبنان تحولت الى سلعة شعبية كالحجارة التي يرميها المتظاهرون على قوات الأمن. تلبننت ودخلت سوق التراشق الإعلامي والاتهامات المتبادلة، فما عاد أحد يسأل عن سبب المغالاة في استخدام قنابل الغاز المسيلة للدموع، بل بات السؤال كيف يدفع المتظاهرون سعر أقنعتهم الواقية من غاز الدولة؟ أما كان بإمكانهم الاكتفاء كثوار هونغ كونغ بالأقنعة الورقية والكمامات الصحية ليتقوا عصفورين بحجر واحد: غاز الدولة وكورونا الصين؟

وبالعودة الى اليوم ماذا عن الآنسات والسيدات اللواتي لا يتخلّين عن الأناقة والروج حتى في أحلك الأوقات؟ أية كمامة سيخترن وكيف سينسّقنها مع الملابس؟ هل سنشهد قريباً موجة بوستات لصور الجميلات بالكمامة؟

وبعد أن طرح وزير الصحة ضرورة استخدام إتيكيت السعال مع وصول الكورونا إلينا، صار لزاماً علينا أن نسأل أهل الاختصاص عن إتيكيت العطسة و” النفة” و”السعلة”؟ وإتيكيت “العبطة” والمصافحة والزيارة؟ هل صار التبويس ممنوعاً في زمن الكورونا؟