IMLebanon

الطعن بالموازنة… والمجلس الدستوري

كتب الخبير الدستوري سعيد مالك في “الجمهورية”:

نصّت المادة /87/ من الدستور «أنّ حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تُعْرَض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة، وسيوضع قانون خاص لتشكيل ديوان المحاسبات».

وقد جاء في قرار المجلس الدستوري رقم 5 / 2017 تاريخ 22/9/2017 أنّ الواردات والنفقات الحقيقية تتطلّب إجراء قطع حساب في نهاية كل سنة مالية، كما أنّ انتظام مالية الدولة العامة، وخضوع السلطة الإجرائية لرقابة السلطة الإشتراعية في مجال الجباية والإنفاق، يقضيان معرفة حقيقيّة للواردات والنفقات عن طريق قطع الحساب.

وخَلُص القرار المذكور (5 / 2017) على أنّ عدم إقرار موازنة عامة سنوية للدولة، وعدم وضع قطع حساب لكل سنة يُشكّلان انتهاكاً فاضحاً للدستور.

منذ ما يزيد عن الشهر، أقرّ مجلس النوّاب موازنة عام /2020/ وتحديداً بتاريخ 27/1/2020، ووقّعها رئيس المجلس النيابي ووزير المال ورئيس الحكومة، وأُحيلت إلى رئاسة الجمهورية للتوقيع والنشر.

إمتنع رئيس الجمهورية عن توقيع قانون الموازنة، مُستعملاً حقّه الدستوري المنصوص عنه في المادة /57/ من الدستور. وبالتالي، ومع انقضاء مهلة الشهر دون إصدار القانون أو إعادته، يُعتبر القانون نافذاً حُكْماً ووُجِب نشره.

واستناداً لما تقدّم، نُشر قانون الموازنة حُكماً، ومعه فُتحت مهلة الطعن بالقانون المذكور أمام المجلس الدستوري.

علماً أنّ مهلة الطعن بعدم دستورية أي قانون، مُحدّدة بخمسة عشر يوماً تَلي النشر في الجريدة الرسمية. (المادة /19/ من قانون إنشاء المجلس الدستوري رقم 250 / 93) معطوفة على المادة رقم /31/ من النظام الداخلي للمجلس الدستوري رقم 243 / 2000.

ومَنْ يَحقّ لهم الطعن مُحدّدين بالمادة /19/ من الدستور معطوفة على المادة /19/ من القانون 250 / 93 والمادة /30/ من القانون 243 / 2000 وهُم: رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النوّاب ورئيس مجلس الوزراء وعشرة أعضاء من مجلس النوّاب، إضافةً إلى رؤساء الطوائف فيما يتعلّق حصراً بالأحوال الشخصية وبـ…

مما يُفيد، أنه من المُمكِن أن نَشْهَد على طعن بقانون موازنة عام /2020/ لعلّة عدم الدستورية، لمُخالفته أحكام المادة /87/ من الدستور.

فالمجلس الدستوري أكّد وفي قراره رقم 5 / 2017 تاريخ 22/9/2017 أنّ عدم إقرار قطع حساب لكل سنة يُشكّل انتهاكاً فاضحاً للدستور.

كذلك نصّت المادة /118/ من النظام الداخلي لمجلس النوّاب تاريخ 18/10/1994 على ما حرفيّته: «يُصدّق المجلس أوّلاً على قانون قطع الحساب، ثُمّ على موازنة النفقات، ثُمّ قانون الموازنة، وفي النهاية على موازنة الواردات».

وبالتالي، وبالمبدأ، انّ عدم تصديق مجلس النوّاب على قانون قطع الحساب لعام /2018/ وما سبق، يمنع نشر موازنة عام /2020/ عملاً بأحكام المادة /87/ من الدستور، ويُعرّض قانون موازنة عام /2020/ للطعن أمام المجلس الدستوري.

لكن المجلس الدستوري وفي قراره رقم 2 / 2018 تاريخ 14/5/2018 إعتبر أنه لا يجوز أن يَحول عدم التصديق على قانون قطع الحساب، دون وضع موازنة عامة، نظراً لأهمّية الموازنة العامة التي لا غِنى لدولة عنها. وأضاف القرار «أنّ انتظام المالية العامة في الدولة هو ركيزة الانتظام العام ذي القيمة الدستورية، وهو لا يتحقّق إلّا في إطار الموازنة العامة».

وخَلُص إلى اعتبار أنّ قطع الحساب إعتُمد من أجل الموازنة، ولم تُعتَمَدْ الموازنة من أجل قطع الحساب.

وبالتالي، ردّ المجلس الدستوري الطعن المُقدّم في القانون رقم /79/ تاريخ 18/4/2018 (قانون موازنة /2018/).

لكنّه أوصى، وفي حيثيّات قراره المذكور، أنه ونظراً للأهمّية الإستثنائية التي أوْلاها الدستور للموازنة، أجاز المجلس الدستوري نشر الموازنة في غياب قطع الحساب لسنوات عدّة، شرط أن يَجري سريعاً وبدون تباطؤ إلى وضع قطع حساب، لعَوْدة المالية العامة إلى الإنتظام، لوَضع حدّ لتَسيُّب المال العام، ولظبط الواردات والنفقات.

وبالخلاصة، أجاز المجلس الدستوري نشر الموازنة (قانون موازنة /2018/) في غياب قطع الحساب، على سبيل الإستثناء، وليس على سبيل القاعدة. لكن الطبقة السياسية فسّرت هذا التساهل المُبرّر، بأنه اجتهاد ممكن الركون إليه مُستقبَلاً.

فالمجلس الدستوري ساعد في ولادة موازنة عام /2018/ إنتظاماً للمالية العامة لا أكثر ولا أقلّ. ولا يجوز للمجلس الدستوري الحالي الاستناد إلى هذا الإجتهاد، حتى لا تتحوّل القاعدة إلى استثناء، والاستثناء إلى قاعدة.