IMLebanon

خطة الإنقاذ الحكومية في لبنان إلى صياغة مختلفة بعد تحوّل مسودتها «لقيطة»

 

سريعاً، افتقدتْ خطةُ الإنقاذ الاقتصادي التي تعكف الحكومةُ اللبنانيةُ على صوغ نسختها النهائية إلى مَن يدعمها، عقب الرفْض السياسي والاقتصادي الواسع لها، من مُوالين ومعارضين وحتى من المرجعيات الدينية، على خلفية إلقائها أحمال الأزمة المالية المستعصية للدولة على أكتاف عشرات آلاف المودعين الخاضعين أصلاً لمنظومةِ قيودٍ مُشَدَّدَةٍ في إدارة مدّخراتهم ولتقنينٍ قاس للغاية في الحصول على السيولة النقدية، وصولاً الى انقطاع تزويدهم بالدولار الورَقي (البنكنوت).

ومع تَحَوُّلِ مسودّة الخطة إلى «لقيطة» في حضن شركة «لازارد» بوصْفها الاستشاري الدولي للحكومة، يعود المَشْهَدُ الى المربّع الأول لتُواجِه الدولةُ مجدداً جدليةَ الفرصةِ الفريدة المتاحة لاختراق جدار الأزمة العاتية من خلال طرْق بوابة صندوق النقد الدولي وعبر استعمال مضاعفة حقوق السحب الخاصة التي يمكن أن تؤمّن ضخّ سيولةٍ خارجية ملحّة بالعملات الصعبة، وبما يراوح بين 10 و 12 مليار دولار.

ويبدو أن الحكومة التي سرّبت المسودة، فوجئت بتطرُّف ردود الفعل المُنْتَقِدة والرافضة لبنودٍ محوريّة وردتْ فيها، وإلى درجةِ تَقَصُّد وزراء فيها التنصّل من أي مضمونٍ يخصّ المودعين في البنوك. وهي تتجه، وفق معلومات توافرت لـ «الراي» إلى معاودة تقييم الاقتراحات الخاصة بسدّ الفجوة المالية التي قَدَّرَتْها بنحو 83 مليار دولار، حيث يُرجّح استئنافُ «الاستئناسِ» بآراء حاكميّة البنك المركزي وجمعية المصارف للمعاونة في صوْغ آلياتٍ جديدة، بعد شبه تغييبهما وتحميلهما كامل المسؤوولية والأعباء في الخطة المُسَرَّبَة.

ويقول رئيس لجنة الرقابة على المصارف (المُنْتَهِية ولايتُه القانونية نهاية الشهر الماضي) سمير حمود لـ «الراي»: «غريبٌ أن ترِد من الحكومة اقتراحاتٌ تعتبرها للمعالجة، في حين أنها تهْدم البنيانَ الذي افتخر به لبنان طوال 100 عام. فالأزمة حقيقةً هي في المالية العامة، والحلّ يبدأ بتَوازُن هذه المالية. وصحيحٌ أن حجم الدين العام كبير، لكن الضغط على المالية يأتي من كلفة هذا الدين وليس من حجمه. ولذا فإن الحل يأتي من خلال طلب الحكومة من مصرفها المركزي أن يقترح حلولاً بالتعاون مع البنوك التجارية لتحجيم خدمة الدين، بما يتناسب مع هدف تَوازُن موازنة الدولة».

وفي رأي حمود أنه «فقط عند تَوازُن المالية العامة وتَوَقُّف الدولة عن الاستدانة تبدأ مرحلةُ إعادةِ الثقةِ بالدولة ومعها تبدأ مرحلة معالجة الدين العام، ومعهما يشعر كل مواطن ومؤسسة بأن الدولة احترمتْ تواقيعَها وسُمْعَتَها ومصلحة مؤسساتها النقدية والمصرفية والاقتصادية، بدل أن تكون الدولة هي ذاتها وبسبب عدم احترام تواقيعها تُمْعِنُ في الإساءة إلى مصرفها المركزي وحاكميته وجهازها المصرفي وتقول إنها تهدف إلى النهوض بالاقتصاد سَنَداً الى الإضرار بالسمعة وإمكانيةٍ مالية معْدومة».

ويشير إلى أن «الودائعَ الآن محبوسة، وكلّ ما يَصْدُرُ في إطار تنظيمِ دفْعها أو دفْع الجديد منها هو غير قانوني. والأمر يتطلّب قانوناً ينظّم تحريرها ضمن برنامجٍ واضح. وأيُّ برنامَجٍ لا يُكتب له النجاح إلا إذا انتظم ميزانُ المدفوعات، وهذا غير ممكنٍ ما لم تَسْتَعِدْ الدولةُ ومؤسساتُها ثقةَ الخارج، وهذا متعذّر أيضاً، إلا إذا توقّفتْ الدولةُ عن الترويج لوضْع اليدِ على أموال المودعين».

وتنحو في الاتجاه عيْنه مضامين الرسالة الفورية التي وجّهها الاستشاري الأميركي لجمعية المصارف «هوليكان لوكي» رداً على مسودّة الخطة التي ساهمتْ شركة «لازارد» بإعدادها بصفتها المستشار الأجنبي للحكومة، حيث عبّرتْ «عن خيبةِ أملٍ كبيرة حيال المقاربة الحكومية لعملية الإصلاح، وخصوصاً لجهة التوجّه الى اعتمادِ استراتيجيةٍ قوامُها تحميلُ القطاعِ المصرفي مسؤولية الأزمة المالية، وبالتالي الفرْض على المودعين اللبنانيين العبء المالي لحلّ المشكلة المالية».

وتنبّه رسالةُ «هوليكان لوكي» التي تتوافق مع آراء غالبية المصرفيين اللبنانيين وجمعيتهم إلى «أن قطاعاً مصرفياً متعافياً يمثّل عنصراً أساسياً في أي خطةِ إنعاشٍ اقتصادي، لأنه كان ويبقى دائماً المَصْدر الوحيد لتمويل الاقتصاد الحقيقي. وحالياً، تبلغ مطلوباتُ المصارفِ من القطاع الخاص اللبناني ما مجموعه 46 مليار دولار (تساوي 100 في المئة من إجمالي الناتج المحلي). وتُمَثِّلُ المصارفُ اللبنانيةُ الطرفَ الرئيسي الذي يحمل سندات»اليوروبوندز«، وهو شأنٌ يتعيّن على الحكومة وعلى لبنان ككلّ أن يستفيدا منه لصوْغِ خطةٍ إصلاحيةٍ تتمتع بالصدقية، وتستطيع حلّ مشكلة الدين مع الحفاظ على سلامة القطاع المصرفي، وخصوصاً الحفاظ على أموال المودعين».