IMLebanon

الحكومة انتقلت إلى الهجوم السياسي

 

«هروباً إلى الأمام دُر». هكذا بدا وضْعُ الحكومة اللبنانية التي انبرتْ أمس إلى ما يشبه الهجوم السياسي ضدّ خصومها والذي بدا على طريقة «الغطاء الناري» لإزاحة الأنظار عن الإرباكات التي أصابت جوهر «مهمّتها الأم» المتمثلة في تعبيد الطريق أمام خطة إنقاذ تضع البلاد على سكة الصعود من الهاوية المالية فاقم مخاطرَها فيروس «كورونا» بتداعياته الاقتصادية المتدحرجة.

وشكّلتْ الاندفاعةُ المتناغمةُ لكل من رئيسيْ الجمهورية ميشال عون والحكومة حسان دياب في مستهلّ جلسة مجلس الوزراء أمس والتي حملتْ تصويباً ضمنياً عنيفاً على أطراف غير مُشارِكين في الحكومة وأبرزهم رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، مؤشراً قوياً لاستشعارِ قوى السلطة بالأضرار التي ترتّبت على ما رافَقَ الكشفَ عن مسودّة خطة الإصلاح الحكومية ومحاولة تمويه بعض الاقتراحات المتعلقة بإعادة هيكلة الدين العام ومعالجة الخسائر المالية المقدَّرة بـ 83 مليار دولار، وأبرزها الـ haircut التي «ضُبط» تقرير شركة «لازارد» متلبّساً بها، قبل أن يجري ارتدادُ قوى الحُكْم على هذا الخيار بعد «الانقضاض»عليه أولاً من أفرقاء من داخل البيت الحكومي وفي مقدّمهم رئيس البرلمان نبيه الذي فاخر بـ «دفْنه» وكان السبّاق لـ «الترحّم عليه» وثانياً من خصومها كافة.

وبدا من الصعب أمس استشرافُ تداعياتِ انتقالِ الحكومة إلى الموقع الهجومي على مجمل الواقع السياسي، في الوقت الذي يمْضي عدّاد «كورونا» في تسجيل إصابات جديدة ولكن بوتيرة مضبوطة حملت في 24 ساعة 5 حالات رفعتْ العدد الإجمالي إلى 663، في موازاة انفلاش النتائج الاقتصادية والاجتماعية المخيفة للانهيار المالي – الاقتصادي والتي زادها وطأةً استمرار السقوط الدراماتيكي للعملة الوطنية أمام الدولار الذي تجاوز سعر صرفه أمس 3 آلاف ليرة تاركاً الأسواق أمام انفلاتٍ فوضوي في الأسعار أحيا نبض «ثورة 17 أكتوبر» عبر تحركاتٍ في اتجاه وزارة الاقتصاد وذلك بعد انكفاءٍ أوحى بـ… «انطفائها».

وإذ اعتُبر سير مجلس الوزراء بطلب عون فتح اعتماد اضافي في موازنة 2020 بقيمة 450 مليار ليرة لدفع مستحقات المستشفيات الخاصة التي قرعت ناقوس خطر الإقفال خطوةً ايجابية على طريق احتواء جانبٍ من ارتدادات «كورونا»، فقد خطف الكلام السياسي لكل من رئيسيْ الجمهورية والحكومة الأضواء، حيث أكد عون «أن بعض السياسيين الذي ينتقد عمل الدولة ومؤسساتها، هو مِن الذين فتكوا بالدولة على مر السنوات، وارتكبوا المخالفات المالية وغير المالية، حتى تراكم الدين العام للدولة ليتجاوز 92 مليار دولار. وها هو هذا البعض يحاسبنا على ما ارتكبه من ممارسات»، معلناً «لا يجوز بعد اليوم السكوت على التجني المتصاعد».

أما رئيس الحكومة، الذي أكمل «على الموجة» نفسها في كلمة وجّهها إلى اللبنانيين مساءً، فأوضح «أن التأخير بتوزيع المساعدات المالية للعائلات المحتاجة، سببه كشْف ارتكابات وحسابات انتخابية في بعض اللوائح القديمة، ولا أعلم إن كان هذا الأمر هو سبب الحملة الشعواء على الحكومة في هذه الأيام، وعلى كل حال، نحن مشغولون بحماية الناس، وليس لدينا وقت للسجالات السياسية ولا لحملات الابتزاز».

وفيما لفت الى ان ورشة نقاش خطة الاصلاح التي أطلقتها الحكومة بإدارة وزارة الإعلام، من المفترض أن ينتهي النقاش حولها مطلع الأسبوع المقبل، على أمل صوغ مشروع الخطة بعد التعديلات لعرضها على مجلس الوزراء الأسبوع المقبل، أكد في دردشة مع الصحافيين الأجواءَ التي تحدثت عن محاولات للوصول إلى haircut مقنّعاً إذ قال «لم نأت على ذكر هيركات في كل ما صدر عنا ولن يخسر أحد ودائعه، لكن متى يحصلون عليها؟ فهذا يتوقف على خطة إعادة الهيكلة وكلنا نعرف»البير وغطاه«فالأموال تبخّرت منذ أشهر وقبل وصولنا الى الحكم ولم تخرج كل الأموال خارج البلد»، موضحاً رداً على سؤال حول «اعطاء سندات للمودعين: هذا خيار من ضمن خيارات أخرى وربما يجد المودعون في هذا الأمر حلاً مفيداً لهم»، ومشيراً إلى أنه «من ضمن خطة الاصلاح يمكن أن نعيد تحريك الاقتصاد وأن نأتي بالـfresh money من الخارج أكان من صندوق النقد الدولي أو سيدر أو من دول صديقة».

وفي موازاة ذلك، انشغلت بيروت بتطور نادر لم يعرفه لبنان إلا في زمن الحرب الأهلية ويتمثّل في «النزوح الاضطراري» للبرلمان الى خارج مقره في ساحة النجمة لزوم ملاقاة إجراءات التحوّط في «زمن كورونا» وما تفرضه قواعد التباعد الصحي، وذلك لمناسبة الجلسة العامة التي دعا الرئيس بري الى عقدها في قصر الاونيسكو في 21 و22 و23 الجاري.

وبررت مصادر مطلعة هذا التطور عبر «وكالة الأنباء المركزية» بأن «ثمة مشاريع قوانين ملحة مفترض بالسلطة التشريعية اقرارها لمواكبة السلطة التنفيذية في عملها»، وأن «قواعد التباعد الصحي التي حددتْها منظمة الصحة العالمية غير ممكن تطبيقها في القاعة العامة للمجلس على عكس القاعات الفسيحة في الاونيسكو»، الى جانب عوامل تقنية حالت دون تجهيز «القاعة العامة بالأجهزة والمعدات اللازمة للمحاكاة عن بُعد».

وذّكرت المصادر بأنها «ليست المرة الأولى ينعقد فيها مجلس النواب خارج مبناه في ساحة النجمة، بل خلال الأحداث نقل مقره الى ما يعرف بقصر منصور والمبنى الزجاجي في المتحف، كما أنه انعقد في ثكنة شكري غانم في الفياضية لدى انتخابه رئيس الجمهورية الياس الهراوي (العام 1989)».