IMLebanon

بين “القرنة”… والقرنة! (بقلم رولا حداد)

في 20 أيلول 2000 أطلق المطارنة الموارنة بقيادة بطريرك الاستقلال الثاني المثلث الرحمات مار نصرالله بطرس صفير نداءهم التاريخي الذي أسس لإخراج جيش الاحتلال السوري وأجهزة استخباراته من لبنان. بعد النداء الشهير تجمّع حول بكركي وبقيادتها ممثلة بالمثلث الرحمة المطران يوسف بشارة في ما عُرف بـ”لقاء قرنة شهوان”، والذي ضمّ كل القوى والشخصيات السيادية المسيحية، قبل أن تتوسّع اللقاءات في البريستول اعتباراً من العام 2004 لتتشكل جبهة وطنية متماسكة ساهمت لاحقاً وبعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بما عُرف بـ”انتفاضة الاستقلال” أو “ثورة الأرز”. والجميع يعلم أنه لولا قيادة البطريرك صفير يومذاك، ولولا الدور الذي لعبه “لقاء قرنة شهوان”، ولولا التلاقي المسيحي- الإسلامي في لقاء البريستول لما كان تحقق الاستقلال الثاني.

ثمة أوجه شبه كثيرة اليوم. فلبنان يحتاج حتماً إلى معركة استعادة السيادة المنقوصة بفعل سلاح “حزب الله” والهيمنة الإيرانية عبر الحزب على القرار اللبناني، وهذا ما دعا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى مطالبة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالعمل لفك الحصار عن الشرعية، في إشارة واضحة المعالم لا تحتاج إلى تأويل أو تفسير. الإشكالية اليوم تكمن في أن لبنان بات أسيراً لمواجهة إقليمية ويدفع أبناؤه ثمناً لها من استقرارهم المالي والاقتصادي ولقمة عيشهم، كما أن الهيمنة على مفاصل الدولة والمؤسسات والقرارات السيادية والدستورية والسياسية باتت تهدد أسس النظام البرلماني الديمقراطي وما أرساه دستور الطائف وخصوصاً لناحية تكريس للمناصفة.

الأسئلة الكبرى المطروحة اليوم: هل ثمة “قرنة شهوان” جديدة تواكب النداء الجديد للبطريرك الراعي؟ أين القوى المسيحية الواجب عليها التضامن فيما بينها وحول بكركي وسيدها لتسانده في المعركة المصيرية التي ستحدد وجه لبنان؟ لماذا لم تتداعَ القوى المسيحية لاجتماع طارئ بعد العظتين الأخيرتين للبطريرك الراعي وهل تكفي زيارات وفود وشخصيات متفرقة مسيحية وغير مسيحية؟ وكيف يمكن تحفيز الداخل اللبناني لمواكبة البطريرك الراعي عوض التشكيك الضمني بجدية كلامه؟

والأهم ماذا عن طرح سيد بكركي لمبدأ حياد لبنان؟ ولماذا يحمل طرحه إلى الكرسي الرسولي أولاً؟ وهل يمكن أن ينطلق منه في جولة خارجية تشمل تحديداً واشنطن إضافة إلى العواصم الأوروبية الفاعلة والمؤثرة؟

قد يكون أسوأ ما يعاني منه لبنان اليوم أن القوى السيادية مشتتة إلى أقصى الحدود، بدءاً بالقوى المسيحية المشرذمة، أحزاباً وشخصيات، مروراً بالحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل. أما الكارثة الحقيقية فهي أن معظم هذه القوى استسلمت بشكل أو بآخر أمام “حزب الله”، أو على الأقل قرّرت عدم مواجهته سياسياً. هذه القوى باتت تتنصّل من مسؤولياتها في المواجهة وتردد في صالوناتها أنه “إذا أراد الخارج حلّ مشكلة سلاح “حزب الله” والهيمنة الإيرانية فبإمكانه أن يفعل ولماذا نتحمل نحن تبعات المواجهة”!

تتناسى القوى السيادية المذكورة أن بطريرك الاستقلال الثاني تصدّى لجيش الاحتلال السوري وأجهزة مخابراته وأزلامه اللبنانيين يوم راهن البعض أن يجعلوا العشب ينمو على درج بكركي. وتتناسى أن الكنيسة المارونية و”قرنة شهوان” قاتلت بسلاح الموقف أكثر من 40 ألف جندي سوري كانوا يحتلون لبنان بدباباتهم وأسلحتهم وهزمتهم. واليوم ليس مطلوباً أن يقاتل أي طرف “حزب الله” عسكرياً لا سمح الله، بل أن يتصدوا له بالموقف السياسي الشجاع لوضع حد لسطوة السلاح والهيمنة الإيرانية على لبنان الذي يواجه خطراً وجودياً على هويته وتركيبته المتنوعة ونظام الحريات فيه. ولعل أسوأ ما يمكن أن يحصل هو أن تنتقل القوى المفترض أنها سيادية من “قرنة شهوان” إلى “القرنة السياسية” أي إلى الزاوية السياسية بفعل العجز والتخاذل والارتهان وعدم الجرأة على المواجهة…