IMLebanon

مرفأ بيروت.. فساد إداري واختراق لسلطة الدولة

كتب أنديرا مطر في جريدة القبس:

على خطين متوازيين تدار الأعمال في مرفأ بيروت، فساد إداري ناجم عن اعتباره منشأة غير خاضعة تماماً لإدارة الدولة، وهيمنة أمنية فرضتها ميليشيات قوى الأمر الواقع. وكلتا الحالتين جعلت المرفأ – على الرغم من أهميته الاستراتيجية والاقتصادية للدولة – صندوقاً أسود، سيمر وقت طويل لمعرفة ما الذي يحويه. وبينما تجري السلطات تحقيقاتها، أجرى الصحافي الاستقصائي رياض قبيسي تحقيقاته أيضاً حول الفساد في المرفأ، وأشار إلى أن كارثة الانفجار تظهر «حالة الترهل والفساد في جسم الجمارك، إحدى أبرز الجهات المسؤولة عن المرفأ، لكنها ليست الوحيدة».

ولفت إلى أن المطلوب هو التواصل مع الجهات المتخصصة للسؤال عن أصول حفظ مادة «نترات الأمونيوم» التي تسببت بالحادثة وكيفية تخزينها. وفي مؤتمر صحافي عقده في المرفأ في سبتمبر 2019، اعتبر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أن الحملات على المرفأ بعضها سياسي وبعضها لتحسين الوضع، لافتاً الى أن «المشكلة الأساسية ليست في الإدارة، بل في الجمرك والتهريب». وانصب تركيز الدولة على الجانب المادي المهدور من فساد المرفأ، من دون التطرق الى الجانب الأمني. لا علاقة للجمارك لكن أحد الموظفين الرسميين في المرفأ، الذي نجا من الانفجار، استغرب التصويب على إدارة الجمارك وتحميلها مسؤولية الإهمال والتقصير، موضحاً أن «مهامها تنحصر في استيفاء الرسوم، وفي حالات كثيرة لا تعاين البضاعة».

ويضيف أن «هيئة إدارة واستثمار مرفأ بيروت هي التي يخضع لها المرفأ من الناحية اللوجستية، وصلاحيتها شبه مطلقة، وهي إدارة مستقلة عن الجمارك، خاضعة لسلطة وصاية وزارة الأشغال، بينما يتولى المسؤولية الأمنية عن المرفأ جهاز أمن المرفأ التابع لمخابرات الجيش والأمن العام، ولا شيء يحصل داخل المرفأ من دون علمهما».

ويلفت المصدر الى أن «المخازن والبضائع الواقعة ضمن حرم مرفأ بيروت تخضع لواقع استثنائي يميزها عن بقية المكاتب الحدودية، حيث إن جزءاً من السلطة السيادية للدولة قد سلم إلى هيئة إدارة واستثمار مرفأ بيروت، متمثل بالتخزين والحراسة. الجمارك لا تقوم بتحريك مستوعب أو شحنة أو أي من البضائع من مكانها، وهي لا تمتلك أو تشرف على المعدات المخصصة لذلك، بل تطلب ذلك من الهيئة بواسطة».

وعما إذا كان يعلم بوجود مواد متفجرة، قال المصدر إنه لم يكن لديه أدنى فكرة عما يمكن أن يحتويه العنبر 12، وانه «كان يمكن أن نُقتل في أي لحظة». سرقة الأمونيوم ويشير المصدر إلى أنه «في حال صحت الأخبار عن سرقة نترات الأمونيوم فلا يمكن أن تجري خلال الدوام؛ لأن هناك آلاف العمال والموظفين المتعددي الانتماءات السياسية، كما أن أبواب العنابر كلها مجهزة بكاميرات»، لكنه غير متأكد من وجود كاميرا على العنبر الذي انفجر. ويوضح أن «البضاعة التي سببت الكارثة هي من نوع البضائع التي ورد منها آلاف الأطنان بموجب مئات المعاملات، وليست من النوع المستهجن وجوده بالمطلق. ولا يمكن للجمارك أو يحق لها قانوناً أن تقيّد من حركتها، علماً أن أياً من موظفي السلك الإداري في الجمارك – بمن فيهم مديرها العام – لم يتلق يوماً تدريباً أو دروساً عسكرية أو تقنية تمكّنه من معرفة مدى الخطورة التي تتصف بها هذه المادة، ومقدار وكيفية قياس هذه الخطورة مقارنة مع مخاطر مواد أخرى كالبنزين أو المفرقعات».

لا أطر تشريعية في دراسة صادرة عن المديرية العامة للدراسات والمعلومات في مجلس النواب في ديسمبر 2019، جاء أن «اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت تدير تعاملاتها المالية خارج أي أطر تشريعية، كما أن اللجنة لم تُودع وزارة المالية أي حسابات أو تقارير سنوية منذ أعوام عدة». وقدّرت الدراسة الإيرادات السنوية لمرفأ بيروت بنحو 240 مليون دولار يتم تحويل ما يقارب 40 مليون دولار منها إلى الخزينة العامة، في حين يتم إنفاق المبالغ المتبقية تحت بنود تشغيل وصيانة الميناء. ويقدر الوزير السابق فادي عبود، الذي تابع على مدى سنوات ملف مرفأ بيروت، أنه «في حال تحصّلت الدولة على كل مداخيل المرفأ، فستكون الحصيلة دخول مليار و100 مليون دولار إلى الخزينة، التي لا يُحصّل منها حالياً سوى الفتات».

الجانب الأخطر إن البضاعة المخزنة في العنبر رقم 12 لم ترد في الأصل إلى مرفأ بيروت، بل مرت به، لأسباب تحيط بها ملابسات كثيرة. وتبقى نقطة الفصل في تحديد من أمر بتفريغها وبالسلطة المسؤولة عن استقبالها (وزارة الأشغال العامة أو هيئة إدارة واستثمار مرفأ بيروت) عالمَين أو كان يفترض بهم العلم بأنها ستتحول إلى بضاعة عالقة لزمن طويل. في الآونة الأخيرة، درجت نظرية أن «حزب الله يغطي الفساد مقابل تغطية الآخرين لسلاحه». ورغم صحة هذه المقولة جزئياً، فإن مصدراً نيابياً معارضاً يرى فيها محاولة لتبرئة الحزب من الفساد الأخطر والأشمل الذي قاد البلاد إلى الحضيض، الذي كانت آخر تجلياته انفجار بيروت، الذي سيكشف من يدير هذه البلاد ومن يمثّل واجهة له، وفق المصدر عينه. وكانت تقارير استخباراتية غربية أشارت إلى استخدام حزب الله للمرفأ لنقل الأسلحة الإيرانية وتهريب المخدرات، وإدخال الكثير من البضائع لتجار من بيئته، من دون تمرير هذه البضائع على اللجان المعنية لفحص جودتها ومدى مطابقتها للمواصفات، ولا على الجمارك لدفع الضرائب.

ووفق تحليل نشره معهد بروكنغز، سيسأل اللبنانيون إن كان لامتيازات حزب الله في المرفأ دور في الانفجار أم لا، وكيف تهرّب المتورطون في تخزين «نيترات الأمونيوم» في العنبر رقم 12 من التدقيق والمحاسبة لسنوات طويلة. وأوضح التحليل الذي كتبه جيفري فيلتمان أن المعلومات الأولية حتى الآن تشير إلى أن المسؤولية ترتبط بشكل وثيق بإهمال غير مسبوق يصل إلى «حد الإجرام» من قبل مسؤولين. لكن مرفأ بيروت، يرتبط بشكل مباشر بشبكة حزب الله وأنشطته الاقتصادية، وهو ما جعل اللبنانيين يتداولون نظريات تربط ما حصل مع أنشطة الحزب المزعزعة للاستقرار.

شدياق: التحقيق يغيِّب المسؤولية السياسية مسار التحقيقات حالياً يذهب باتجاه التقصير الإداري والإهمال ومن يتحمّل مسؤولية التقصير ومن أرسل المذكرات التي تنبّه الى خطورة المواد المخزنة ومن أهملها. وكل ذلك تغطية على الجريمة الأكبر -وفق الصحافي عماد شدياق. ويضيف: « المطلوب تحديد المسؤولية السياسية ودور حزب الله في المرفأ، والجهة التي رفضت تركيب كاميرات مراقبة في محيط العنبر رقم 12». «لا كاميرات على العنبر رقم 12» مصدر لـ القبس: السر في عِبارة «تعطّل السكانر» حاولت القبس التقصي عن سير العمل في المرفأ من موظفٍ واظب على الحضور يومياً إلى المرفأ على مدى أكثر من 20 عاماً، ضمن عمله كمعقّب معاملات. يقول الموظف – الذي رفض الإفصاح عن اسمه – حول خريطة العمل في المرفأ: «هناك كلمة متعارف عليها في المرفأ، حين نسمع تعطل السكانر الذي تمر من تحته الحاويات لمعاينة ما بداخلها، يعرف جميع العاملين في المرفأ أن جهة ما لها علاقة بالبضائع الواردة. سلاح أو شيء آخر»، مشبّهاً الأمر بالخطوط العسكرية التي يمر عبرها حزب الله إلى سوريا. ويتابع الموظف أن العنبرين رقمي 12 و5 المتلاصقين تقريباً، والقريبين جداً من صوامع القمح، ونُسفا في الانفجار «معروف لمن السيطرة عليهما، ولا أحد من موظفي المرفأ وإدارييه يتدخّل في الأمر. وكل العنابر متاحة لإدخال البضائع وإخراجها باستثناء هذين العنبرين. لا أحد يقرب صوبهما، ولا يشهدان حركة عادية. ولا كاميرات على العنبر رقم 12».

وتابع الشاهد: «وفق نظام العمل في المرفأ لأبواب العنابر قفلان: واحد مع الجمارك والآخر مع إدارة المرفأ، وحين يتقرر فتح عنبر ما يحضر موظفان من الإدارتين. بشكل عام، ينتهي دوام العمل في المرفأ الساعة 2 أو 3 بعد الظهر. الرواية الرسمية تتحدث عن فجوة في أحد جدران العنبر 12 كان يجري العمل على إصلاحها. العمل على سد الفجوة يعني أن هناك من كان يدخل ويخرج على الرغم من إقفال العنبر. أما ماذا كان يحدث بعد انتهاء دوام الموظفين، ومن كان يسمح له بالدخول والخروج وماذا كان يفعل في الداخل فهذا لا نعرفه». مرفأ صيدا يستقبل أول باخرتَي قمح في إطار خطة التكامل بين المرافئ، التي تم وضعها لتأمين انتظام حركة الملاحة التجارية، بعد كارثة انفجار مرفأ العاصمة، وصلت إلى مرفأ صيدا الجديد أول باخرتَي قمح، محوَّلتين من مرفأ بيروت المدمر. الباخرة الأولى ترفع العلم الروسي، قادمة من تنزانيا، وعلى متنها قرابة 4 آلاف طن من القمح، والباخرة الثانية ترفع العلم هندوراس، قادمة من كرواتيا، وعلى متنها نحو 7500 طن من القمح. وكان وزيرا الأشغال العامة والنقل ميشال نجار والصناعة عماد حب الله تفقّدا قبل أيام مرفأي صيدا القديم والجديد للاطلاع على جهوزيتهما لاستقبال قسم من البواخر التجارية الآتية إلى مرفأ بيروت والتي يجري تحويلها الى مرافئ طرابلس وصيدا وصور.

وأنجزت مرحلتان في مرفأ صيدا الجديد، ويستوعب حالياً بواخر متوسطة الحجم في حوض بعمق 10 أمتار وعلى رصيف بطول 275 متراً، علماً بأن هناك مرحلة ثالثة من مشروع المرفأ يرتبط استئناف العمل فيها برصد الاعتمادات اللازمة. من جهة ثانية، اسفرت الجهود أمس عن تشغيل رافعتين عملاقتين في مرفأ بيروت لاستكمال خدمة سفينة كانت موجودة على الرصيف 16 التابع للمحطة. كما أن هذه الجهود ستستمر، وصولاً إلى تشغيل تدريجي لمحطة المستوعبات، اعتبارا من الاسبوع المقبل، وبالتالي تسليم السلع والبضائع إلى أصحابها، بهدف تأمين الأمن الغذائي للمواطنين.

حقائق وأرقام

● يمتد المرفأ على مساحة 1.2 مليون متر مربع.

● يتألف من 4 أحواض مساحتها 660 ألف متر مربع، ويتراوح عمقها ما بين 20 و24 متراً.

● توفر هذه الأحواض 16 رصيفاً بطول إجمالي يبلغ 5155 متراً، لكن العمل لا يتم عليها جميعها.

● نحو 70 في المئة من حركة التبادل التجاري بين لبنان ودول العالم تتم عبر المرفأ.

● يقدر متوسط عدد البواخر التي تدخل مرفأ بيروت بـ 170 باخرة شهرياً، تفرغ نحو 700 ألف طن وتشحن نحو 70 ألف طن.

● يقدر متوسط عدد المستوعبات المفرغة بـ 23 ألف مستوعب شهرياً.