IMLebanon

لماذا تجاهل ماكرون القرارات الدولية وهل قصد استفزاز احد؟

سيقال الكثير عن حجم المبادرة الفرنسية التي قادها الرئيس ايمانويل ماكرون في بيروت بعد ان غادر المنطقة في اعقاب الزيارة الثانية الى المنطقة والتي قادته في نهايتها الى العراق. والى ان يعود في زيارته الثالثة الى بيروت قبل نهاية العام الحالي  لن يتوقف البحث في جوانب منها فهي ولدت لتحاكي المرحلة القصيرة التي سبقت وتلي تشكيل الحكومة العتيدة وصولا الى بيانها الوزاري والى مهامها الإدارية والمالية والإصلاحية.

وبعيدا من التكهنات التي تحدد عمرها من اليوم توضح مصادر سياسية ودبلوماسية لـ “المركزية” ان ليس طبيعيا ان يتجاهل اللبنانيون ما قالت به المبادرة عن يومياتنا. فهي ستعيش معنا يوما بعد يوم وان صاحبها لن يهملها، والى الفريق الذي ساعده في التحضير لها قبل اطلاقها والمستمر في مهمته وسيجمع آخرين لتوفير الرعاية والاهتمام المطلوبين، فـ “الهيبة ” الفرنسية التي رافقت ولادتها تحتاج الى عملية انعاش يومية لا يجب ان تتوقف. جميع المعنيين بها سيواصلون جهودهم ومنهم مستشار الإليزيه للشؤون الخارجية ايمانويل بون ورئيس جهاز الاستخبارات الفرنسية برنارد ايمييه الذي امضى الكثير من سنوات حياته الدبلوماسية في لبنان وله فيها اكثر من جيل من الأصدقاء. واي نقص يمكن ان يشعر به هذا الثنائي سيملأه بالتأكيد المكلف بادارة مشاريع مؤتمر سيدر السفير بيار دوكان الذي كلف المضي بمهمته لمواكبة المرحلة المقبلة التي تحدثت عنها المبادرة.

من هذه المنطلقات، بدأت تطرح بعض الأسئلة، منها ما يتصل بالشكل واخرى في المضمون والباقي يتصل بالتوقعات حول مدى وكيفية تجاوب الفرقاء اللبنانيين مع ما قالت به المبادرة عدا عن أخرى متصلة بالرعاية والحضانة الدولية التي قد يتلاقى بعضها مع مضمون ما قالت به او تتناقض معها. فالجميع يدرك ان ماكرون لم يجترح حلا جديدا ولم يفاجىء اللبنانيين والعالم باي خطوة، سبق ان تحدثت عنها مبادرات أخرى للعواصم المهتمة بالملف اللبناني ومن اوراق عمل اعدها اللبنانيون وجمعت معظم ما قالت به من افكار ومقترحات تحقق حولها حد ادنى من اجماع داخلي واقليمي ودولي وبقي الخلاف محصورا بأولوية خطوة على أخرى لا أكثر ولا أقل.

في الشكل كثرت التساؤلات حول ما يمكن انجازه في ساعات امضاها الرئيس ماكرون في بيروت عبر نصفها تقريبا في نشاطات مكملة لها، فكان الجواب ان الزيارة لا تقاس بما امضاه الرئيس الضيف على الأراضي اللبنانية وان احتسبت الجهود التي بذلت من قبل وما سيليها يمكن التقدير لجهة ما كلفته من جهود بذلتها فرق متخصصة في الكثير من المهام الإقتصادية والسياسية والمالية والدبلوماسية لتوليدها وحمايتها.

اما في المضمون فلا يمكن الإحاطة بالكثير من الأسئلة والملاحظات المحتملة ، منها  الجدي ومنها الشكلي. فلا يمكن تجاهل الجرأة التي تجلى بها ماكرون عندما صارح اللبنانيين بما طلبه من زعمائهم في الإجتماعات الموسعة والضيقة في آن. لم يجترح شيئا جديدا، ولم يطلق في الخارج ما أخفاه في الداخل. ما قاله في لقائه مع ممثلي الأحزاب اللبنانية مثلا عبر عنه في مؤتمره الصحافي بالنص الحرفي ربما لبعض المواقف والملاحظات.

وعليه، بقيت الإشارة ضرورية الى فهم اسباب تجاهله لبعض المقترحات التي تؤرق اطرافا لبنانيين يعتقدون ان كثيرا مما هو مطروح لا يمكن البت به من اليوم في ظل عدم التكافؤ في موازين القوى في الداخل. بعضه يحتاج الى اجواء من الإستقرار ترفع فيها سطوة السلاح غير الشرعي عن اللبنانيين والى وجود دولة ومؤسسات قادرة على تطبيق القانون بمعايير موحدة على جميع اللبنانيين ما يستلزم جهدا كبيرا لتوليد قناعة داخلية بأن اللبنانيين جميعا متساوون امام القانون وانه ليس بقدرة احد الافلات من العقاب ولا بد من حماية مصالح اللبنانيين وضمان حقوقهم المتساوية في الانماء المتوازن فلا تبقى جزر امنية متفلتة من كل مظاهر الدولة ومؤسساتها واخرى تحصى انفاسهم فيها. وليس من حدود ومعابر مضبوطة لا يمكن خرقها او استغلالها للإساءة الى موارد الخزينة الشحيحة كما لجهة اعادة ترميم العلاقات بين لبنان واصدقائه في الغرب وعند العرب والدول والمؤسسات المانحة.

وان اعتقد البعض ان مفتاح الدخول الى هذه المرحلة يفرض الدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة لتوليد سلطة يرتاح لها الشعب اللبناني بعدما فقد ثقته بها، فان ذلك لم تعطه المبادرة اولوية. وان كانت هناك دعوات صادقة الى مزيد من الشفافية في التعاطي مع حاجات اللبنانيين الذين ارهقهم الوضع النقدي والاقتصادي فقيل لهم ان الموارد المالية مفقودة واحياء الدولة يعيدها اليهم. وان الأولوية لما يعيد الامل باستعادة ما يصبون اليه من امن واستقرار اجتماعي واقتصادي هو المطلوب  بالتزامن مع الأمني إن لم يكن قبله.

الى ذلك، كان فاقعا ان يتجاهل الرئيس الفرنسي الحديث عن تطبيق القرارات الدولية بدءا بالقرارات الكبرى كالـ 1559 والـ 1701 قبل الحديث عن كيفية تنفيذ قرارات المحكمة الخاصة بلبنان وتسليم المتهم سليم عياش باغتيال الرئيس رفيق الحريري اليها. وهي امور ظهر انها مؤجلة الى حين استعادة التوازن المفقود بين الدولة والدويلة، وما تفرضه من ضمان للتوازنات الداخلية المختلة. تجاهل ماكرون هذه المعطيات في الزيارة،لكن مما لا شك فيه انها ستكون مطروحة في المرحلة التالية، وما لم تنفذ المرحلة التمهيدية  الأولى لا امل بالإنقاذ وعندها يمكن الحديث عن آليات لمرحلة أخرى مختلفة تماما وليس من الصعب تحديد معالمها من اليوم فعناوينها معروفة واقلها المزيد من الفوضى وانحلال الدولة ومؤسساتها ليعيش اللبنانيون في بلد “كل من ايدو إلو” والنموذج متوفر في بعض المربعات الأمنية المخفية منها والظاهرة الى العيان ولا حاجة للاشارة اليها.