IMLebanon

بو عاصي: لا يستقيم مجتمع يترنح بين القابعين في الفقر وحديثي النعمة

سأل عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب بيار بو عاصي “أين نحن في العالم العربي من دولة القانون والمؤسسات والحكم الرشيد وحقوق الانسان المقدسة، وفيها مجتمعة عناصر مناعة للمجتمع؟”

وقال بمداخلة في مؤتمر البرلمانيين العرب حول السكان والتنمية عبر الانترنت بالشراكة مع البرلمان الياباني: “ان كنا نلتقي اليوم عبر الانترنت فذلك بسبب صعوبات السفر الناتجة عن جائحة كوفيد 19، ومن المعروف ان المرض حين يضرب جسما صحيحا يضعفه ولكنه حينما يضرب جسما مريضا يعرضه للهلاك. والجسم العربي جسم ضعيف واسباب ضعفه كثيرة. اول اسباب هذا الضعف غياب الديمقراطية والتمثيل الصحيح للمواطنين وتطلعاتهم، فتغدو السلطة السياسية منسلخة عن واقع مجتمعها”.

وتوقف بو عاصي عند مكامن الضعف في الاقتصادات العربية معتبرا انها “هشة ينقصها التنوع وهي تتكل على الزراعة والتجارة وبعض الصناعات التقليدية المتراجعة، اما في عدد من الدول النفطية فنشهد صناعات بتروكيميائية وفي هذه الحال تطغى تلك الصناعات على كافة مصادر الدخل الاخرى”.

وقال: “بينما نرى غيابا شبه تام لصناعات التكنولوجيات الحديثة التي توفر فرص عمل كبيرة لا سيما للشباب وتتسم بقيمة مضافة عالية ونسبة تلويث للبيئة متدنية ولكنها تحتاج الى بحث علمي جدي وقدرة تنافسية في الاسواق العالمية. الجسم الاقتصادي العربي تنقصه المناعة ويتأثر بشدة نتيجة المتغيرات والاهتزازات مما ينعكس سلبا على الاستقرار الاجتماعي”.

وقارب بو عاصي الشرخ الاجتماعي وصعوبة التنمية، معتبرا انه “تعددت الاسباب والشرخ الاجتماعي واحد وهو يبقى احد أهم الحواجز على طريق التنمية”، مشدداعلى ان “احد الاسباب الرئيسية لهذا الشرخ هو الفساد. الكسب غير المشروع وتحديدا من قبل السلطات السياسية، مباشرة او بالتواطؤ مع عالم الأعمال، ينتج فالقا بين مكونات المجتمع يصعب ردمه. لا يستقيم مجتمع يترنح بين القابعين في الفقر وحديثي النعمة والفقراء الجدد”.

ولفت الى ان “بعض الدول العربية تلجأ الى سياسات دعم الاسر الاكثر فقرا، ولكنها تتوقف عند الضعف الحقيقي في سياسات التنمية المستدامة والهادفة الى اخراج الفقراء من فقرهم عوض الاكتفاء بتأمين المساعدات الغذائية لهم، على اهميتها”.

وتابع: “برامج دعم الاسر الاكثر فقرا تؤمن الاحتياجات الآنية للمواطن المحتاج ولكنها لا تسمح له بالخروج من حالة الفقر إن لم تؤمن له مهنة كريمة يعتاش منها وفرص عمل”.

وتناول بو عاصي التحديات الاجتماعية غير الاقتصادية وخصوصا انطلاقا من خبرته حين تبوأ وزارة الشؤون الاجتماعية بين نهاية العام 2016 والعام 2018، معربا عن ادراكه “لحجم التحديات الاجتماعية غير الاقتصادية ولو انه غالبا ما تكون الامور مترابطة: الايتام، النساء المعنفات، المسنون، ذوو الاحتياجات الخاصة، المدمنون”.

واستطرد قائلا: “غالبا ما يتداخل في هذه المواضيع الانسانية الكبرى السياسي مع الديني مع الاجتماعي وقلما كان هذا المزيج ايجابيا لمصلحة هذه الفئات الضعيفة. فكم من حاجز يرتفع حين يبدأ الكلام عن الصحة الجنسية او الصحة الانجابية قبل معرفة المضمون أو حتى الاطلاع عليه؟ كم من دولة عربية حاولت وفشلت في منع زواج القاصرات؟ كم من مجتمع قمع النساء المعنفات ومنع عنهن الحماية القانونية؟ هل نستطيع فعلا الحديث عن السكان والتنمية في ظل هذا الواقع وهل من امل بتطور مجتمع لا يقدس الانسان وحقوقه وخاصة الفئات المهمشة، ايا كان السبب؟”.

وعرض بو عاصي “لاشكالية ضعف الموازنات المخصصة للشأن الاجتماعي في الدول العربية التي غالبا ما تراوحت بين 1 و 2% من الموازنة العامة، في حين قد تتخطى الـ 10% في الدول الاوروبية”.

وقال: “الاهتمام بالشأن الاجتماعي حصيلة ثقافة مجتمع ولكن يلزمه كي يبلغ الاداء المنشود سياسة دولة وبرامج مرحلية متكاملة تتطلب رصد موازنات واعتمادات كافية لتحقيقها. قلما توفر ذلك في الدول العربية حيث يقتصر الموضوع على الكلام والانشاء وإن وصل يوما الى تحديد قواعد بيانات واحصائيات، وهي مهمة، غالبا ما يتوقف عندها”.

وشدد على ان “الاشكاليات الاجتماعية تتقاطع بين الدول العربية ولكن حلولها والامكانيات المتاحة تتفاوت بين دولة واخرى”.

أضاف: “بما أن الحاجة الاجتماعية حاجة انسانية ثابتة، لا بد للسياسات العامة من مقاربتها من زاوية انسانية وثقافية واقتصادية وسياسية. يبقى تبادل الخبرات والتجارب بين مختلف الدول الاعضاء امرا مهما إن كان على المستوى التشريعي أو التنفيذي. فلا بد من زيارات ميدانية متبادلة للاطلاع على المؤسسات الاجتماعية الرائدة وفهم طريقة عملها واستنتاج اسباب نجاحها ليصار الى الاستيحاء منها مع احترام خصوصيات كل دولة”.

وشدّد بوعاصي على ان “الصعوبات الكثيرة والنجاحات القليلة في المجال الاجتماعي في الدول العربية يجب الا تثنينا عن السعي الدائم للوقوف الى جانب الحلقات الاضعف في مجتمعاتنا، بل بالعكس هي الحافز للسعي الجاد لاستنباط الحلول والسياسات الناجعة”.