IMLebanon

الأزمة اللبنانية تقترب من “الخط الساخن”

يُلاقي لبنان، المسكون بفائضٍ من اليأسِ السياسي والبؤسِ المالي – الاقتصادي، الأسابيعَ الفاصلةَ عن الانتخابات الرئاسية الأميركية بربْط الأحزمةِ وكأن الأسوأ لم يَقَعْ بعْد في بلادٍ يَحْكُمُها الهذيانُ وتَفْتَرِسُها الأزماتُ ويَفْتُكُ بها «كورونا» ويقضّ مَضْجَعَها انسدادُ الأفقِ، وتنزلقُ إلى تخومِ الدولة الفاشلة بعدما أعلنتْ إفلاسَها المالي ودمّر «بيروتشيما» نصف عاصمتها وتَكاتَفتْ طبقتُها السياسية على إجهاضِ محاولة فكّ عُزْلَتِها عبر المبادرة الفرنسية.

فبيروت المصابة بـ «الدُوار» السياسي تَمْضي بلا حكومةٍ مع العدّ التنازلي لواحدةٍ من أكثر الانتخابات الأميركية إثارةً، لانعكاس نتائجها على المنطقة وفي مقدّمها لبنان، ساحة المنازلة القاسية بين واشنطن وطهران تبعاً لما يشكّله «حزب الله» من ذراعٍ طويلة للمشروع الإيراني في الإقليم اللاهب وضواحيه.

ويَرْبُط لبنان أكثر من موعدٍ في أجندته، على وهج الاستعدادات لفتْح صندوق الاقتراع لاختيار سيد «البيت الأبيض»… حرَكةٌ مرتقبةٌ تُنْذِر بأن تكون «بلا بَرَكة» على مسار تشكيل الحكومة الجديدة، بدءُ المفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية بمشاركةٍ أميركية ورعايةٍ أممية لترسيم الحدود البحرية في 14 أكتوبر الجاري، واحتمال تَجَدُّدِ تظاهرات 17 اكتوبر.

وفي حين اختبر لبنان أمس أوّل نسخةٍ موسّعةٍ من استراتيجية احتواء «كورونا» بالعزْل المناطقي الذي سيشمل حتى مطلع الأسبوع المقبل 111 بلدة، وسط سباقٍ محموم بين الإجراءات المتأخّرة لكبْح جماح «كوفيد -19» وبين عدّاد الإصابات التي تحقّق وثباتٍ قياسيةً متواليةً (سجّل السبت 1321 إصابة و12 وفاة) على وقْع استغاثةِ القطاع الصحي الذي اقتربتْ أسرّتُه المخصصة لهذا الوباء من «الخط الأحمر»، بقي المشهدُ الداخلي على حاله من الدوران في غرفة الانتظار القاتل لـ«ترياقٍ» خارجي يستولد حكومةً صار كل يوم إضافي في روزنامة تأخُّر تأليفها يضعها في شِباك تعقيداتٍ إقليمية – دولية متناسلة وباتت تتشابك كـ «خيوط العنكبوت» على مدى قوسٍ من خطوط النار وخطوط الغاز والنفط.

وإذ كانت أوساطٌ مطلعة تعتبر أن ثمة رهاناً مبالَغاً فيه على ما قد تُنْتِجه الخلوة في الجو بين رئيسيْ الجمهورية ميشال عون والبرلمان نبيه بري في طريقهما إلى الكويت لتقديم التعزية بالأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد (ومعهما رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب) لجهة فتْح الباب أمام خطوات متسارعة في الملف الحكومي في ضوء الترابط الذي بات قائماً بين التكليف والتأليف، بدأت الكواليسُ السياسيةُ تضجّ بأسئلةٍ حول الصَدْمَةِ التي من شأنها أن تكسر المأزق وتستدرج الداخل والخارج إلى الإفراج عن الحكومة الجديدة ولو في أعقاب الانتخاباتِ الأميركية في الثالث من نوفمبر المقبل.

فبعد انتكاسةِ المبادرةِ الفرنسيةِ باعتذارِ الرئيس المكلف مصطفى أديب وتَحَوُّلها أشبه بـ «ورقة توت» يَسْتخدمها مَن عطّلوا «مُحاولتَها الأولى» للتمويه على «سلّة أهدافهم» التي لم تتبدّل، يسود انطباعٌ بأن الأزمةَ الشاملة في لبنان تتجه إلى سيناريوهاتٍ «تتنافسُ» في مَنْسوبِ سودويّتها في ظلّ انطباعٍ بأن مفعولَ إخراج ورقة التفاوض مع إسرائيل حول الترسيم البحري من جيْبِ الثنائي الشيعي «حزب الله» – بري، وتحديداً لجهة رسْم أول طرف «خط بارد» مع واشنطن تقف طهران على طرفه الآخَر، لن يكون كفيلاً بجعل الولايات المتحدة (خصوصاً بحال فوز الرئيس دونالد ترامب) «ترْمي في البحر» ما راكمتْه من ضغوط الحدّ الأقصى على الحزب من ضمن المكاسرة مع إيران لإعادتها إلى… إيران.

وعلى وقْع استبعاد أي تنازلاتٍ فرنسية في سياق المحاولة الثانية التي أمْهل الرئيس ايمانويل ماكرون نفسه واللبنانيين حتى ما بعد الانتخابات الأميركية لتَحْمِل حكومةَ مستقلّين لا تسمّيهم القوى السياسية وتضع قطار الإصلاحات على السكة، لأن من شأن مثل هذا التراجُع جعْلَ الحكومة الجديدة تولد ميتة بفعل الشروط الأميركية وانكفاء العرب عنها، ارتسمت علامات استفهامٍ حول إذا كان فتْح كوة في الجدار المقفل لن يتم إلّا «على الساخن»، سواء كان على شكل أحداث أمنية أو بفعل الفوضى التي ستتدحْرج حين يبدأ رفْع الدعم عن سلع استراتيجية.

وإذ يستند أصحاب هذه المخاوف إلى أن «حزب الله» لن «يستسلم» ويسلّم خصومه حكومةً بشروطهم التي تعني انتزاعَ «أنيابه» النيابية (الغالبية البرلمانية) وتغليب معيار التوازنات الدولية على الأوزان الداخلية المختلة لمصلحته والسماح بضرْب «استحكاماتٍ» سياسية بناها طوال مرحلة ما بعد 2005 خصوصاً وتسهيل تفكيك قوس النفوذ الإيراني المترامي عبر الحلقة اللبنانية، يعتبرون أن أطراف الداخل يصعب أن يتراجعوا إلى مربّع حكومة تكنو – سياسية يجري التسويق لها إعلامياً ويشكّل شرط نجاحها أن تمتلئ المقاعد السياسية الستة بقوى متعددة اللون تكسر طابع اللون الواحد الذي تألفت على أساسه حكومة دياب وأكملتْ العزلةَ حول لبنان، ناهيك عن أن سيناريو «حكومتيْ ماكرون (14 اختصاصياً) وحزب الله (السياسيون الـ6)» تحت سقف واحد لا تُسقِط الأفخاخ التي أطاحت بمهمة أديب وتحديداً لجهة التوازنات في حكومة الاختصاصيين ووزارة المال (يتمسك بها الثنائي الشيعي) التي نسفت مبدأ المداورة، ومَن يسمّي الوزراء.

وفيما يسود ترقب لِما ستحمله الساعات المقبلة وما سيتبلور بعد عودة عون وبري ودياب من الكويت، وعلى وقع تحرُّكٍ سُجّل لأهالي ضحايا الانفجار الهيروشيمي في مرفأ بيروت (دخل أمس شهره الثالث) متسائلين عن مصير التحقيقات ومطالبين بكشف نتائجها، مضى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في مواقف السقف الأعلى، منتقداً «إمعان النافذين بإفشال تأليف حكومةٍ تتولّى إدارة شؤون البلاد بعدما نجحوا في إرغامِ رئيس الحكومةِ المكلّف على الاعتذار رغم المبادرة الصديقة التي بادر بها مشكوراً الرئيس الفرنسي».