IMLebanon

سرّ استعجال واشنطن وضغط باريس لتشكيل الحكومة

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي الكويتية”:

…عيْناً على استشاراتِ التكليف التي ما زال موعدُها «صامداً» غداً، وعيْناً أخرى على قطارِ التأليف الذي سينطلق فور تسمية زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري ترؤسَ حكومةِ مَهمةٍ مزدوجة، لملمةُ حُطامِ الواقع المالي – الاقتصادي واحتواء فواجعه الاجتماعية، وإخراج العاصمة اللبنانية من تحت ركام تفجير 4 آب الهيروشيمي في المرفأ.

هكذا كانت بيروت، عشية الخميس الذي يشي بأنه سيشهد حصول الاستشارات النيابية المُلْزمة للتكليف على عكْس مصير موعدها الأول الذي «طار» في ربع الساعة الأخير بقرارٍ من الرئيس ميشال عون، الذي اعتبر أن تسمية الحريري ستكون مشوبة بعيب غياب الميثاقية المسيحية ووجود «عمى» حيال «ألف باء» مرحلة التأليف.

ورغم إبقاء أوساطٍ سياسية على بعض الحَذَر حيال الجزم القاطع بأن الاستشارات لن تُرجأ مجدداً وسط اكتفاءِ أجواء قريبة من القصر الجمهوري بتأكيد أنها قائمة في موعدها «ما لم يحصل ما ليس بالحسبان»، فإن مصادر أخرى كانت تُعايِنُ الساعات الفاصلة عن يوم غد من باب ما قد تَحْمله أو لا من اتصالاتٍ من شأنها أن تنعكس على ما بعد التسميةِ المحسومة للحريري إما تخفيفاً من «الأوزان الثقيلة» المحمولة من مرحلة التكليف و«ندوبها» خصوصاً على صعيد العلاقة المقطوعة بين زعيم «المستقبل» وزعيم «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، أو تكريساً لجعْل التشكيل ساحةَ «انتقامٍ» أو بالحدّ الأدنى «ردّ الاعتبار» لصهر الرئيس اللبناني بتقاطُعٍ مع حساباتِ «حزب الله» في تقييد الحريري وهوامش تأثيره في المساريْن السياسي والاقتصادي.

وفي موازاة تَرَقُّب كشْف «حزب الله» ورقته المتعلقة بالتكليف غداً والتي يُبْقيها مستورةً وإن تحت سقف أنه سيؤمّن النصاب الكافي لتسميةٍ «منزوعة الألغام» والإشكاليات، إلى جانب المدى الذي سيبلغه تكتّل باسيل في «استفزاز» الحريري عبر «حركةٍ مُجرَّبة» وسبق أن «خرّبت» تكليف الرئيس رفيق الحريري قبل 22 عاماً (تجيير أصواته لرئيس الجمهورية)، فإن المصادر لاحظتْ ضغطاً تَصاعُدياً أميركياً – فرنسياً باتجاه الإفراج عن الاستشارات غداً عبّر عنه بالتوازي تطوران:

* اتصال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بعون وسط مفارقةِ أن وحدَه البيان الذي صدر عن واشنطن كشف أنه تطرّق إلى الملف الحكومي حيث أكد بومبيو ضرورة «تشكيل حكومة تكون ملتزمة وقادرة على ‏تطبيق الإصلاحات التي يمكن أن تؤدي إلى فرص اقتصادية وحكْم أفضل ووضْعِ حدٍّ ‏للفساد المستشري».

* والثاني انتقاد الخارجية الفرنسية التأخير «بتشكيل حكومة ذات مهمات محدّدة قادرة على تنفيذ ‏الإصلاحات رغم الالتزامات التي أكدتها القوى اللبنانية كافة التي ‏تقع عليها وحدها المسؤولية عن هذه العرقلة المطوّلة»، مكررة «على المسؤولين ان يتخذوا خيار النهوض بدَل الشلل والفوضى».

وإذ كان الحضّ الأميركي على الإسراع بالتشكيل يُربط برغبة واشنطن بوجود حكومة «مكتملة المواصفات» تُلاقي مفاوضات الترسيم البحري مع اسرائيل، وتَجاهُل القصر الجمهوري الشقّ الحكومي من اتصال بومبيو بعدم رغبة عون في إظهار أن الاستشارات – 2 بموعدها لن تكون نتيجة ضغطِ واشنطن، فإن الدخولَ الفرنسي على الخط على طريقة «الإنذار الأخير» بدا بدوره تعبيراً عن حاجة باريس إلى الحكومة – أمس قبل اليوم – لتَلقُّف مؤتمر مساعدة لبنان الذي تعقده الشهر المقبل، كما لإنقاذ مبادرتها.

وعلى وقع هذا المناخ، لم يكن عابراً التظْهيرُ الأوضح للخلفيات الدولية – الإقليمية لدفْعِ عجلة تكليف الحريري الذي صار «الحصانَ» المانِع للسقوط المدوّي للمسعى الفرنسي وتالياً لانهيار الجسر الأخير لإفلات البلاد من المصير الجهنّمي. وجاء هذا التظهير على لسان رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع في معرض تفسيره خلفيات امتناع حزبه عن تسمية حليفه الحريري، اذ أعلن أن الديبلوماسي الأميركي ديفيد شينكر أوضح خلال لقاءاته في بيروت «أن من الأفضل وجود حكومةٍ، واليوم الاسم المطروح هو الحريري ولذا من الأفضل السير به كي يتم تشكيلها، فيما الموقف السعودي معروف وهم يمتنعون عن إعطاء رأيٍ بأي مسألة لبنانيّة، فإذا تم تكليف الحريري وتمكّن من تشكيل حكومةٍ بالشكل المطلوب وتنفيذ إصلاحاتٍ سيحاولون المساعدة قدر الإمكان، ولكن إذا لم يتم تكليفه فهذه ليست مشكلة كبيرة بالنسبة لهم». وإذا كانت هذه المعطيات تعزّز وفق الأوساط نفسها الترجيحات بعقد الاستشارات غداً ولو على طريقة «تَجَرُّع السم» تفادياً لأثمان باهظة سيتحمّلها الفريق الذي سـ«يتجرأ» على التأجيل مجدداً، فإنّ سباقاً محموماً يُنذر بأن ينطلق بين محرّكات دولية سيزداد ضغطُها لانتزاع تأليفٍ سريع لا يبدّد مفاعيلَ تسمية الحريري بحاضنةٍ خارجية، وبين الأفخاخ الداخلية الموروثة من مرحلة التكليف و«مَعاركها» الصامتة وبمكبرات الصوت.

وإذ شكّل الكشفُ عن زيارة قام بها الحريري لرئيس البرلمان نبيه بري مساء الاثنين، معطى سيُضاف بالتأكيد إلى عملية «تصفية الحسابات» بين زعيم «المستقبل» وفريق عون (ما لم يدخل في الدقائق الخمس الأخيرة في أي تأجيلٍ جديد للاستشارات) الذي يأخذ على الحريري أنه لم «يعُد» إلى رئيس الجمهورية عقب جولته «الاستكشافية» عشية خميس التكليف الأسبوع الماضي ولا فَتَحَ الخط مع باسيل، فإن الأوساط ترى أن التأليف سيكون محكوماً بحسابات متضاربة بين الأطراف الرئيسية وليس أقلّها نظرة «حزب الله» الى توازنات الحكومة وبيانها الوزاري وبرنامجها الإصلاحي، وتَعاطي باسيل معها على أنها ستكون المعيار لاختبار «خسارته كل شيء» أو لا، باعتبار أن عودة الحريري من خارج أي تَفاهُماتٍ معه هي نكسةٌ في ذاتها ناهيك عن أن أي فشل في «تعويض» ذلك متكئاً على أن «حزب الله» لن يتخلى عنه مرتين، ستجعله يسلّم باكراً «نقاط استحكامٍ» سياسية أساسية في استحقاق الانتخابات الرئاسية المقبلة.