IMLebanon

لبنان أمام أسبوع “كشْف الأوراق” في مسار تأليف الحكومة

«… هذه المَرة غير». عبارةٌ تتردّد في كواليسِ عملية تأليف الحكومةِ الجديدةِ في لبنان المحكومةِ بدعْمٍ فرنسي – أميركي للرئيس المكلف سعد الحريري وبـ «إعطاءِ فرصةٍ» عربياً، في موازاة مماشاةٍ داخلية لـ «الرياح» تماهياً مع وقائع جديدة في المنطقة يُراد مجاراةُ تموّجاتِها السريعة ومحاولةُ إمرار «الإعصار» المالي – الاقتصادي الذي يكمن لـ «بلاد الأرز» بحال لم تنجح سريعاً في التقاط «حبل النجاة» الخارجي بشروطه الإصلاحية الصريحة والسياسية المضمرة.

ويدخل لبنان اليوم أسبوعاً سيكون حاسِماً على صعيد اختبار النياتِ وحقيقةِ المناخات التي سادتْ منذ تكليف الرئيس سعد الحريري (الخميس) تشكيلَ حكومةٍ يقع على عاتقها ترجمةُ جدول الأعمال الذي تضمّنتْه المبادرة الفرنسية لإصلاحاتٍ بنيوية وهيكلية لا مفرّ منها لبلوغ اتفاقٍ مع صندوق النقد الدولي، وترى واشنطن أنها ستُلاقي «كمّاشةَ» خَنْق «حزب الله» بالعقوبات في ضوء اعتبارها أن الفساد في لبنان أحد أبواب «تمكين» الحزب سياسياً ومالياً بوصْفه الذراع الأبرز لمشروع التمدّد الإيراني.

 

ومع بلوغ المشاورات بالملف الحكومي مرحلةَ كشْف الأوراق الحقيقية ابتداء من اليوم، بعدما ساد أمس أن توافقاً شبه نهائي حصل على أن تكون الحكومة من 20 وزيراً، يتعزّز اقتناعُ أوساطٍ مطلعةٍ في بيروت بأنّ مهمة زعيم «تيار المستقبل» هذه المَرّة تبدو محاطةٍ بقوةِ جاذبيةٍ كفيلةٍ بأن تشدّ مختلف اللاعبين المحليين، وإن كلاً لحساباته، إلى قواعد تأليفٍ بهوامش خياراتٍ ضيّقة يديرها الحريري بدرايةٍ صار بعض الأطراف يقرّ بها خلف الأبواب الموصدة.

وفي رأي هذه الأوساط أنه في ضوء إعطاء فرنسا – الولايات المتحدة «الضوءَ الأخضر» لحكومةٍ برئاسة الحريري الذي بدا بترشيحِ نفسه وكأنه ينفّذ «إنزالاً» سياسياً يَصْعُبُ تَصَوُّرُ أنه بلا «مظلّةٍ» عربية ولو بالحدّ الأدنى، فإن زعيم «المستقبل» الذي يُدْرك تماماً «حدودَ اللعبةِ» التي تتمحور كلّها حول «تأهيل» البلد للاستفادة من «أوكسجين» مالي لا يمكن بلوغُه خارج «ممرّ» صندوق النقد وشروط المجتمع الدولي، يتصرّف في التأليف على طريقةِ أنه بات حاجةً داخليةً وأن تخريب مهمّته بالمشاغبات أو بـ«محاولات الإطاحة» سيفتح فعلياً أبواب جهنّم على البلد الذي يتقلّب على جمْر أزمته الشاملة.

وإذا كانت الحاضنة الدولية لمسار التأليف واضحة المعالم بشروطها وحيثياتها، فإن الأوساط نفسها دعت إلى تَرَقُّب المدى الذي سيبلغه «حزب الله» في مداراة الحريري الذي يتكتّم حتى الآن على تفاصيل الصيغة التي يعمل عليها، رغم مُلاحظةِ أن «الكلمة – المفتاح» التي تغيب عن كل كلامه، على قلّته منذ تكليفه، حول «حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين» هي «المستقلّين»، وهو ما يُبنى عليه لاستشراف مساعٍ ستتمحور بالنتيجة على تشكيلةٍ من أصحاب اختصاص وكفاءة تكون للقوى السياسية كلمة في تسميتهم، سواء عبر آلية يكون للرئيس المكلف حق «الفيتو» فيها على الأسماء المقترَحة أو العكس.

وتشير الأوساط نفسها إلى أن «حزب الله» المأزوم في ضوء وقائع الإقليم وتحوّلاته العميقة، وإن غير المهزوم بالتأكيد، يجد مصلحةً في قيام حكومةٍ لن تكون في ظلّ الحضور – أياً كان شكله – لحلفائه فيها «تسبح في فضاءٍ» بلا أي تَحَكُّم بها، ولكن من دون أن يُعرف حتى الساعة إذا كان تَساهُله بعدم تسمية سياسيين أو حزبيين بل اختصاصيين لتمثيل المكوّن الشيعي (مع الرئيس نبيه بري) بعد ضمان أن تبقى حقيبة المال مع هذا المكوّن، سينسحب على مجمل ملف التشكيل وتوزيع الحقائب أيضاً.

ولم يكن عابراً في تقدير هذه الأوساط صدور بيانين في أقل من 24 ساعة عن القصر الجمهوري بعد زيارة الحريري للرئيس ميشال عون، تضمّنا نفياً لكل التسريبات التي نَسبت إلى أجواء القصر أنّ الرئيس المكلف تفاهَم مع الأفرقاء السياسيين وتَفاعَل مع طلباتهم وأنه لم يرفض وجود أسماء تكنو- سياسية في الحكومة، وأنّ القوى السياسية ستسمّي وزراءها وأنّ مبدأ المداورة سقط وأن الحصة الشيعية تتضمن إلى المال وزارة الصحة ما يفضي إلى احتفاظ «التيار الوطني الحر» (حزب عون) بالطاقة، وأن تواصلاً يحصل على توزيع الحصة المسيحية وتَقاسُمها بين الطاشناق و«القومي» والمردة و«التيار الحر» ورئيس الجمهورية.

وفي رأي الأوساط عيْنها، فإن نفي القصر الجمهوري هذه التسربيات التي قابَلَها الحريري علناً بصمت مُطْبَق، رغم الانطباع بأنها شكّلت محاولةً لتكبيل انطلاقة عملية التأليف بالشروط، لم يَخْرج عن مسارٍ تَراجُعي بات يحكم أداء الائتلاف الحاكم في ضوء استشعاره بالأثمان التي ستترتب على أي إفشال متعمّد ومبكّر لمهمة الحريري، وسط توقّفها عند مضي واشنطن بلا هوادة بالضغط على «حزب الله» وهو ما عبّر عنه كلام وزير الخارجية مايك بومبيو الذي شبّه الحزب بتنظيمَيْ «داعش» و«القاعدة» في معرض ترحيبه بتزايد عدد الدول التي تحظر أنشطته على أراضيها وتصنفه «منظمة إرهابية».

وفي موازاة ذلك، وفي ما بدا تَفاعُلاً لتكليفِ الحريري دون تسميته من الكتلتين المسيحيتين الأبرز (التيار الحر والقوات اللبنانية)، برز موقف متقدّم حمل أكثر من رسالة للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي شجّع الحريري و«معه الشعب المنتظِر الفرَج، والثورة الإيجابية العابرة للطوائف والأحزاب والمناطق، ومعه الكنيسة المؤتمنة على خير كل إنسان، ومنكوبو نصف العاصمة المدمرة من انفجار المرفأ، وأكثرية أهلها الساحقة من المسيحيين»، على «تخطي شروط الفئات السياسية وشروطهم المضادة، وتجنّب مستنقع المصالح والمحاصصة وشهية السياسيين والطائفيين، في ما الشعب منهم براء»، متوجهاً إليه: «التزم فقط بنود الدستور والميثاق، ومستلزمات الإنقاذ، وقاعدة التوازن في المداورة الشاملة واختيار أصحاب الكفاية والأهلية والولاء للوطن، حيث تقترن المعرفة بالخبرة، والاختصاص بالاستقلالية السياسية. احذر الاتفاقات الثنائية السرية والوعود، فإنها تحمل في طياتها بذور خلافات ونزاعات. ولا تضع وراء ظهرك المسيحيين، تذكّر ما كان يردّد المغفور له والدك: البلد لا يمشي من دون المسيحيين».