IMLebanon

تشكيلٌ “صامِت”… حماية للإيجابيات أو إخفاء للتعقيدات؟

على طريقة شارلي شابلن في الأفلام الصامتة، يُحْبَك ملف تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان بقُطبه المَخْفية و«أبوابه السرية» التي فَتَحتْ الطريقَ أمام عودة زعيم «تيار المستقبل» إلى رئاسة الوزراء و«التبدّد السحري» لمناخاتِ «الويل والثبور» التي سادت عشية تكليفه لمصلحةِ جوٍّ من «التواضع» يحْكم حتى الساعة أداء الائتلاف الحاكم (يقوده «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»).

ومع انطلاق أسبوعٍ مفصلي في عملية تشكيل الحكومة، بقي الجميعُ تحت تأثيرِ موجةِ تفاؤلٍ تراوح التقديراتُ حيالها بين أنها «فقّاعة هوائية فارغة» وبين كونها ترتكزُ على وقائع جدية تبرّر التوقعات باستيلادٍ في غضون أيام لتشكيلةٍ يتم انتزاعُها من فم التعقيدات الداخلية والتناقضات الإقليمية – الدولية، وسط صمتٍ غير مألوف يحْكم مفاوضات التأليف التي يحصرها الحريري علناً مع «شريكة الدستوري» رئيس الجمهورية ميشال عون، وهو الصمت الذي يُقابَل بتفسيرٍ مزدوج:

* إما أنه يعكس إيجابيةً فعليةً جرتْ مُراكَمتُها على «النيات الحسنة» التي أعلنت بعيد التكليف، وتتم «حمايتها» بجدارٍ من الكتمان الحديدي خشية كشْفها على إمكانات «التفخيخ» قبل اكتمال «حياكة السجادة الحكومية».

* وإما أنه يؤشّر إلى صعوباتٍ تعترض مسار التأليف ويحرص الجميع على عدم تظهيرها تفادياً لتحوُّل الأطراف المعنيين بها أسرى سقوفهم المعلَنة التي ستتطلّب وقتاً – لا يملكه لبنان الذي يسابِق الانهيار الكبير – لتوفير سلالم «للنزول عن الشجر»، وسط انطباعٍ مازال قائماً بأن غالبية القوى تنطلق في تعاطيها مع الملف الحكومي سواء من عدم الرغبة أو عدم القدرة على الوقوف بوجه «القاطرة» الفرنسية – الأميركية لحكومةٍ من الاختصاصيين غير الحزبيين تضع البلاد على سكة تنفيذ إصلاحاتٍ تمهّد للإفراج عن الدعم المالي الدولي المرتبط أيضاً ببروز مؤشراتٍ لتراجُع تأثير «حزب الله» في السلطة التنفيذية ومجمل مفاصل الواقع اللبناني.

وإذا كان حجم الحكومة لن يكون عقدةً في ضوء مرونة يُبْديها الحريري حيال تشكيلةٍ ستكون بين 20 و24 وزيراً بعدما كان الرئيس المكلّف يفضّلها من 14، وفي حين يبرز إقرارٌ في الكواليس بأن الواقعية ستوصل إلى صيغةٍ «على طريقة الموناليزا» تسمّي بموجبها الأطراف السياسية الوزراء الاختصاصيين من غير السياسيين و«المجرّبين» (من أصحاب الخبرة) بما يُشْعِر الجميع بأن اللوحة الحكومية تبتسم لهم، فإن أوساطاً سياسية تحاذر الإفراطَ بالتفاؤل حيال إمكان ولادة الحكومة هذا الأسبوع، خصوصاً في ضوء عدم وجود أجوبة حاسمة حيال مسألة أساسية هي توزيع الحقائب وإذا كان عون سيقبل بمبدأ المداورة ما لم يشمل حقيبة المال التي سلّم بها الرئيس المكلف للمكوّن الشيعي، ناهيك عن عدم وضوح الرؤية بإزاء ما جرى تداوُله عن أن زعيم «المستقبل» سيسعى لتفادي مثل هذا المطبّ عبر إرساء تدويرٍ للحقائب (ما خلا المالية) يبدأ من حصّته خصوصاً الداخلية (لطالما طالبَ بها التيار الحر – فريق عون) والاتصالات.

وبمعزلٍ عن الأخذ والردّ الذي لا بدّ منه لاكتمال الرسم التشبيهي للحكومة في شكلها وهويّتها وتوازناتها، فإن عامليْن أساسييْن لا يغيبان عن مطبخ إنضاج التشكيلة فوق «نارِ» الحال الجهنمية التي قد تنزلق إليها الأوضاع الداخلية والدفْع الكبير للخارج لقيام حكومةٍ تحدّ من خطر السقوط في الفوضى والتفكك:

العامل الأوّل، أن مسار التشكيل يتحرّك بمنأى عن موعد الانتخابات الأميركية التي يصعب ربْط الاستحقاق اللبناني بنتائجها التي لن تُرخي بتأثيراتها الفعلية على المنطقة قبل بضعة أشهر، إضافة إلى أن لا فوارق جوهريةً بين موقفيْ الجمهوريين والديموقراطيين حيال لبنان و«حزب الله».

والعامل الثاني يتجلى في سرعة انحسار الضوضاء السياسية وتَحَلّي أطراف اللعبة في الداخل ببراغماتيةٍ تجعل إمرار الحكومة مسألةَ وقتٍ.

وفي معاينةٍ أوساط واسعة الاطلاع لهذه الواقعية، أَمْكَنَ رَسْمُ الخلاصاتِ الآتية:

* الحريري الراغب في العودة إلى رئاسة الحكومة حظي بدعمٍ فرنسي إضافة لعدم ممانعةٍ أميركية – خليجية ربْطاً بالموقف الراسخ حيال الحاجةِ إلى تقليص نفوذ «حزب الله» والحدّ من تأثيره في الخيارات الحكومية.

* «حزب الله» المضطرّ لـ«التواضع» لأسباب ما فوق محلية، يتفادى الصِدام في الداخل واستفزاز الخارج وتالياً لن يتمثّل في الحكومة بوزيرٍ من الحزب إنما باختصاصي «مع ربطة عنق» يمكنه القيام بتجربة ناجحة في الحقيبة التي تُسند إليه.

* عون، صاحب مصلحة أساسية في تشكيل الحكومة لتلافي الانتقال من تعثُّر إلى تعثّر مع قرب عبور ولايته (6 سنوات) إلى ثلثها الثالث خصوصاً أن البلاد تترنّح فوق فوهة انفجارٍ اجتماعي كبير.

* رئيس «التيار الحر» جبران باسيل يُحاذِر البقاء خارج حكومةٍ، وإن عبر اختصاصيين، قد تعمّر لاستحقاقاتٍ مفصلية (مثل الانتخابات الرئاسية والنيابية)، وهو الذي سبق لعون أن طَرحه «خليفته» والذي يُعتبر من أبرز المرشحين للرئاسة.

وفي حين تستقبل بيروت غداً وفداً روسياً برئاسة ميخائيل ميزينتساف رئيس المركز القومي لإدارة الدفاع ويضم شخصيات على تماس مع الملف السوري ويُرجّح ألا تغيب عن محادثاته الأوضاع السياسية في لبنان خصوصاً في ضوء إرجاء الزيارة التي كان ينوي القيام بها وزير الخارجية سيرغي لافروف، لم تُعقد الجلسة الثانية من مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في موعدها أمس، لأسباب «تقنية»، وسط تقارير ربطت إرجاءها لـ48 ساعة بحاجة الوسيط الأميركي السفير جون دورشر إلى بعض الوقت لوصول معدات تقنية تسمح له بإتمام المهمة المكلّف بها.