IMLebanon

5 أبواب للتغيير

كتب شارل جبور في “الجمهورية”:

لم تتمكن الانتفاضة الشعبية، بمعزل عن الأسباب، من أن تفرض إيقاعها في الشارع وتدفع السلطة بكل أشكالها ومستوياتها إلى الاستقالة والرحيل، ما يعني أنه يفترض التفكير بوسائل أخرى من أجل بلوغ هذا الهدف، لأنّ الستاتيكو الراهن أصبح يشكّل مقتلاً للبنان.

تراهن السلطة على تكيُّف الناس مع الأزمة المالية، وتستبعد احتمال الانزلاق إلى الفوضى الاجتماعية من زاوية انّ الانهيار سيبقى بشكل أو بآخر ضمن الحدود الحالية، ولا تخشى من انهيارات كارثية مرتقبة وغير متوقعة، وتُجري كل حساباتها على أساس قدرتها على ضبط الوضع والسيطرة عليه عن طريق المعالجة بالقطّارة بانتظار الظروف التي تتيح لها تحسين الأمور من دون أن تتأذى سلطوياً.

وتعتبر السلطة انها تجاوزت قطوع الشارع بدليل الحكومة التي تتشكّل من القوى نفسها بمعزل عمّا إذا كان الوزير يطلّ على الناس ببدلة سياسية أم اختصاصية، وتريد ان تستردّ ما فقدته في السنة والنصف الأخيرة من اهتزاز في شعبيّتها وصورتها، وتَتكِئ على مساعدة فرنسية تُبقي البلد بالحد الأدنى على قيد الحياة، كما على تَوجّه دولي بعدم ترك لبنان لمصيره ومساعدته كي لا يغرق في الفوضى والحرب.

وتخوض القوى الحاكمة مواجهة على 5 جبهات أساسية: الاحتفاظ بمواقعها السلطوية، استبعاد اي تغيير خارجي يؤثر على وضعيتها، إحتواء الشارع وردود فعله، التمديد لمجلس النواب سوى في حال تغيير قانون الانتخاب، والاستعداد للاستحقاق الرئاسي. ولكن إلى أي حد ستتمكن من إبقاء الوضع تحت سيطرتها في ظل أزمة خانقة في الداخل وتحولات في الخارج؟

وتستفيد الأكثرية الحاكمة اليوم من عاملين أساسيين: العامل الأول هو تراجع الانتفاضة الشعبية إلى حد الاختفاء عن الوجود ولو انّ التمَلمُل الشعبي لا يوصف ولكن التعبير عنه في الشارع توقّف. والعامل الثاني يَكمُن في مواصلة «المستقبل» و»الإشتراكي» في تغطية هذه الأكثرية، بدلاً من تركها تتخبّط في أبرز نقطة ضعف تواجهها وهي الأزمة المالية غير القابلة للحلّ إلّا من خلال تغيير السياسات الوطنية والمالية، الأمر الذي لا يمكن ان يتحقق عن طريق الفريق الحاكم الذي يريد الاستمرار في السياسات نفسها وإلّا يكون كَمَن ينقلب على نفسه، فيما العمق العربي والغربي الذي شكّل مُتنفساً تاريخياً للبنان لن يبدِّل في نظرته السلبية حيال الأوضاع في لبنان إلّا بعد ان يلمس تغييراً جوهرياً في الممارسة السياسية، والدليل انه منذ تكليف الرئيس سعد الحريري إلى اليوم هناك انكفاء خليجي لافت وغربي متوقع بعد إجهاض المبادرة الفرنسية وانشغال باريس بأحداثها الأمنية وواشنطن بانتخاباتها الرئاسية.

ومن المتوقع ان يستمر الستاتيكو الراهن، والمتمثِّل في إمساك الأكثرية الحاكمة بمفاصل القرار، إلى حين بروز معطيات جديدة على 5 مستويات أساسية:

المستوى الأول: يكمن في السياسات الخارجية، فإذا واصَلت واشنطن محاصرتها لإيران وأذرعها من جهة، ودَفعها باتجاه مزيد من التسويات العربية-الإسرائيلية من جهة أخرى، فهذا يعني انّ طهران ستضطر إلى الجلوس حول طاولة المفاوضات لإنهاء الملف الصراعي مع واشنطن. وبالتالي، في حال حصل ذلك، فسيكون لبنان أمام تسوية تاريخية لوضعه، هذه التسوية التي كان يأمل ان تتحقق مع اتفاق الطائف لولا الانقلاب عليه من أجل إبقاء لبنان ساحة متقدمة للنفوذ الإيراني.

المستوى الثاني: في حال لم تتمكن الحكومة العتيدة من معالجة الأزمة المالية وواصَلَ التأزُّم فصوله، فسيكون لبنان أمام انهيار حتمي وفوضى اجتماعية تُدخل البلد في مرحلة مختلفة وفصل جديد من التأزُّم يصعب التحكّم بمساره وما يمكن أن يؤول إليه.

المستوى الثالث: يتمثّل بالانتخابات النيابية التي تشكل المدخل لإعادة إنتاج السلطة وتغيير الأكثرية الحاكمة، ومن الواضح انّ الانتخابات المبكرة لن تحصل بسبب رفض هذه الأكثرية بفِعل خشيتها من النتيجة التي لن تصبّ في مصلحتها مع التحوّل في مزاج الرأي العام، ولكن الخشية الفعلية تكمن في التمديد لمجلس النواب للأسباب نفسها من أجل الاحتفاظ بهذه الأكثرية، فيما الاحتكام إلى الشعب بعد كل هذه التطورات والأحداث يشكّل المدخل الأفضل للتغيير بواسطة صندوقة الاقتراع، لا سيما انّ موعد الانتخابات النيابية الذي يسبق الانتخابات الرئاسية بـ6 أشهر سيكون كفيلاً بإعادة إنتاج كل الرئاسات والسلطات.

المستوى الرابع: الانتخابات الرئاسية التي لا يجوز الاستهانة بأهميتها وتأثيرها على المشهد الوطني، حيث سيكون لبنان أمام 3 نماذج رئاسية: الأول، رئيس من 8 آذار مع ما يعني ذلك من إبقاء لبنان تحت الحصار الخارجي، وتفاقم الأزمة الداخلية بفعل رعايته او غَض نظره عن منظومتي السلاح والفساد. الثاني، رئيس وسطي يكون مكبّلاً ومعطّلاً وينحصر دوره في إدارة الأزمة. الثالث، رئيس سيادي وإصلاحي لديه حَيثية شعبية وخطابه السيادي والإصلاحي عابر للطوائف، فيتمكن من إطلاق معركة الإصلاح التي لا يستطيع أي فريق الوقوف في وجهها كي لا يُحرج نفسه أمام الناس التي ستكون الداعمة الأساس لهذا التوجّه، ويعيد التوازن الحقيقي مع السلاح ضمن صيغة مزدوجة: منع تأثيره على علاقات لبنان الخارجية، كما منع تأثيره في الداخل، الأمر الذي يجعل منه خرضة حقيقية بانتظار اللحظة الإقليمية للتخلص منه

المستوى الخامس: يكمن في إحياء التحالف الثلاثي بين «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل» و»الحزب التقدمي الإشتراكي»، هذا التحالف الذي نجح إلى جانب الناس في إخراج الجيش السوري من لبنان، وهذا تحديداً ما حاول رئيس «القوات» الدكتور سمير جعجع ان يُحييه من خلال إقناع الطرفين بالاستقالة من مجلس النواب بما يتجاوز الاستقالة العددية إلى الميثاقية وتجديد التحالف بين هذه الكتل التي تمثّل تطلّعات 3 فئات أساسية: مسيحية وسنية ودرزية، وهذا إلى جانب الناس التي مَلّت من هذا الوضع، وغير قادرة بمفردها على قلب الطاولة وهذا ما أثبتته الوقائع، فيما هذا التحالف الثلاثي وحده القادر اليوم، في حال قرر تجديد تحالفه، ان يقلب الطاولة ليس ليحكم، بل من أجل تغيير إدارة الحكم.

وإذا كانت التطورات الخارجية رهن الإرادة الأميركية لا اللبنانية، وإذا كانت الاستحقاقات الانتخابية، أكانت نيابية أم رئاسية، مرشحة للتمديد والفراغ، فإنّ السبيل الوحيد للتغيير يكمن في إحياء التحالف السني والدرزي والمسيحي والرأي العام العابر للطوائف، هذا التحالف الكفيل بدفع دينامية التغيير قُدماً بقرار لبناني وصناعة لبنانية، وكل ما هو خلاف ذلك يعني انّ الأزمة ستراوح، والهجرة اللبنانية ستتضاعف، وسيبقى لبنان في مهب العواصف الخارجية وصراعات المحاور الدولية والإقليمية.

والمؤسف انّ الأكثرية الحاكمة في أضعف لحظة وطنية وسياسية منذ العام 2005، ويكفي فقط الامتناع عن تغطيتها والمشاركة معها في أي شيء، وتحميلها مسؤولية الانهيار والدمار والكوارث، فإمّا ان تواصل سياساتها التي ستَجرّ لبنان إلى المآسي ولا أمل أساساً بإنقاذه بالشراكة معها، وإمّا ان تتراجع من أجل تسوية لبنانية-لبنانية لم تتحقق في العام 1990 ولا في العام 2005، ولا أمل بتحقيقها سوى في حالة واحدة وهي الطلاق المؤسساتي الجماعي-الميثاقي مع الفريق الحاكم تمهيداً لزواج يُعيد الاعتبار للجمهورية اللبنانية.