IMLebanon

ضربة إسرائيلية في اللحظة الحرجة

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:

أصبح حتميّاً أن يفكِّر أركان السلطة (إذا كانوا يفكِّرون) وفي شكل طارئ: ماذا يخطِّط الإسرائيليون للبنان هذه الأيام؟ ما يظهر على السطح حالياً هو ضغطهم لكَسر الطموح اللبناني إلى توسيع الحدود البحرية أكثر من 1400 كلم2، فوق الـ865 كيلومتراً التي كانت موضع تَنازع في مفاوضات السنوات الأخيرة، برعاية أميركية. ولكن، هناك مؤشرات إلى أنّ إسرائيل قد تكون في صدد خطواتٍ أخرى، بعضها ربما أقلّ خطراً على لبنان من ملف الحدود، لكن بعضها الآخر أشدّ خطراً.

منذ أشهر، ينام اللبنانيون ويستيقطون، خصوصاً في الجنوب، على هدير الطائرات المسيَّرة. طبعاً، ليس شأن الناس العاديين أن يعرفوا مَن هم أولئك الذين يَفلَحون الفضاء اللبناني، ذهاباً وإياباً، ويترصَّدون حركة كلّ عصفور تحتهم. ولكن، يحقّ للبنانيين أن يقولوا: «إنها إسرائيل كالمعتاد»، وأن «ينفّخوا اللبن بعدما كَواهم الحليب» مراراً ومراراً.

في موازاة الطلعات الجوية المستمرة سعيدةً، في سماء بلا ناطور، ليس منطقياً الظنّ أنّ إسرائيل لا تخطط لشيء آخر. ففي العادة، تكون وظيفة الرصد الجوي تزويد الجيوش والأجهزة بالمعلومات والصُوَر، فيتم استخدامها سياسياً أو عسكرياً. وهنا يصبح مُهمّاً أن يفكّر اللبنانيون: أين استخدمت إسرائيل، أو تستخدم وستستخدم، هذه المعلومات والصُوَر؟

ليس في قدرة أحد أن يحصل على جواب. ولكن، يحقّ لأي محلّل أن يخشى الإشارات والتحركات الإسرائيلية المتلاحقة منذ عامين، والتي تزايدت في الأشهر والأسابيع الأخيرة، لأنها ربما تؤشّر إلى ما يذهب إليه الإسرائيليون.

في أيلول 2018، عرضَ رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة خريطة لمطار بيروت ومحيطه، وفيها أشار إلى وجود 3 مستودعات لـ»حزب الله» يتم فيها تخزين الصواريخ الدقيقة وتصنيعها.

تزامناً، شنَّت إسرائيل غارة جوية على سوريا، وأعلنت أنّ هدفها هو معمل لإنتاج صواريخ دقيقة، كانت في طريقها إلى «حزب الله». وخلال الغارة، سقطت طائرة تجسّس روسية.

طبعاً، نَظّم وزير الخارجية آنذاك، جبران باسيل، جولة للديبلوماسيين الأجانب في ملعب «العهد»، وأظهر لهم أنّ نتنياهو كاذِب في ما يقوله.

ولكن، في أيلول الفائت، بعد انفجار المرفأ، عاد الإسرائيليون إلى الحديث عن المواقع الثلاثة في بيروت. وقالوا إنّ «حزب الله» يستخدم المدنيين دروعاً بشرية. ونشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، عبر حسابه على «تويتر»، فيديو أرفَقه بتحذير للمسافرين من مخاطر تتهدّدهم في مطار بيروت.

وتزامناً، وقع انفجار في بلدة عين قانا الجنوبية، قال أدرعي إنه انفجار مستودع للأسلحة في منطقة سكنية. وأعاد التذكير بأنّ المواقع الثلاثة في بيروت مخصّصة لإنتاج مواد تستخدم في صناعة الصواريخ الدقيقة، وحَدّد أمكنتها: الأول في المنطقة الصناعية في الجناح، بجوار شركتَي غاز ومحطة للوقود. والثاني والثالث في الليلكي والشويفات تحت مبانٍ سكنية.

إذاً، واضح أنّ الإسرائيليين لا يريدون التخلّي عن الفكرة، وأنهم يركّزون على نقاط حسّاسة: المدنيون والبنى التحتية والصناعية.

وفي الموازاة، أثارت إسرائيل منذ كانون الأول 2018 مسألة الأنفاق التي حَفرها «الحزب» على الحدود. والعام الفائت أعلنت أنها استطاعت كشفها جميعاً. وفي تموز الفائت، نظّمت جولة للديبلوماسيين الأجانب كي يطّلعوا عليها.

واليوم، يبدو الإسرائيليون في صدد التصعيد في هذا الملف على مستوى دولي من خلال الرسالة التي وزّعها مندوبهم في الأمم المتحدة جلعاد إردان على أعضاء مجلس الأمن، طالباً تَبنّيها لتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية و»قطع أي تمويل عنه، مباشر أو غير مباشر».

الرسالة تتضمن خريطة للجنوب، تظهر فيها مواقع «الحزب» وأنفاقه والنقاط التي تعجز فيها «اليونيفيل» عن ممارسة دورها، إضافة إلى نقاط مراقبة تابعة لمنظمة «أخضر بلا حدود»، التي تقول الرسالة «إنها واجِهة لـ»حزب الله»، وإنّ مهمتها جمع المعلومات الاستخبارية عن القوات الإسرائيلية».

الرسالة تُجدّد تأكيد استخدام «حزب الله» لـ»الدروع البشرية لحماية ترسانة من 130 ألف صاروخ وبنية تحتية عسكرية». ولذلك، على مجلس الأمن «أن يعلن فوراً «حزب الله» منظمة إرهابية».

هل على لبنان أن يخشى هذا الإصرار الإسرائيلي، منذ عامين على الأقل، على لعب الأوراق الأمنية والسياسية والاقتصادية الخطرة، أم عليه أن يتجاهله ويعتبره مجرد عرض عضلات للضغط والدفع إلى تقديم التنازلات؟

التجارب السابقة تستلزم رفع درجات الاستنفار السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي إلى الأقصى للمواجهة. فحرب 2006 دمَّرت لبنان، وهو ما زال واقعاً تحت مفاعيلها حتى اليوم. ولكن، بالتأكيد، على لبنان أن يرسم خطة ناجعة للصمود وتحصيل الحقوق، بدءاً بالناقورة ومفاوضاتها.

هل المقيمون في السلطة، بلا أيّ مظهر من مظاهر الدولة والدستور والقانون، ويَنتاتشون المصالح الصغيرة والكبيرة- مِن نَهْب الوزارات والصناديق إلى هَدْر المساعدات الإنسانية- مهيّأون للمواجهة فعلاً، وهل عندهم وقتٌ و»تَرفُ» التفكير في مواجهة إسرائيل؟

لذلك، وبعيداً عن «العنتريات» والشعارات والمزايدات، من حقّ اللبنانيين أن يشعروا بالقلق من صدمةٍ إسرائيلية تقترب. والسؤال هو: أين ستحصل؟ وكيف؟

قد تكون الضربة عسكرية. لكنها أيضاً قد تتخِذ طابعاً اقتصادياً أو سياسياً. وهناك أوراق عديدة يمتلكها الإسرائيليون في هذا المجال، وهي تزداد قوة في الفترة الأخيرة. والشحن الذي يمارسونه ضد «حزب الله» في مجلس الأمن يجب أخذه في الاعتبار.

ولئلّا يَخدَع أحدٌ أحداً: لا الروس ولا الصينيون سيكونون «غرباء عن أورشليم» في الأزمنة المقبلة. فالجميع يتصرّف ببراغماتية. وسيَنقادُ اللبنانيون وحدَهم (ربما ترافقهم محبّة إيران)، بلا تغطيةٍ مِن «أُمٍّ حنون» أو مِن «أبٍ عطوف»، في المراحل المتقدِّمة من انهيارهم.