IMLebanon

لا إقفال ولا من يحزنون… في النبطية “كل شي ماشي”

كتب رمال جوني في صحيفة نداء الوطن:

دخل الإقفال حيّز التنفيذ، لكن عملياً لا إقفال ولا من يحزنون، الحياة بدت شبه طبيعية، مع فارق بسيط أنّ محال الألبسة والحلّاقين أقفلت بموجب القرار العجيب، وما عدا ذلك “كل شي ماشي”. حتّى “المفرد والمجوز” لم يلتزم به أحد، فالناس ترى قرار الإقفال في غير محله، ربّما غياب آلية التطبيق والرقابة دفع بهم الى عدم الإلتزام، فالهدف من الإقفال تخفيف الازدحام وحثّ الناس على ملازمة منازلهم، ولكن على الأرض “ما في شي”.

ازدحام كبير أمام المصارف من دون تباعد، عجقة سيارات في الشوارع، ازدحام واكتظاظ في محال الخضار، وفي الكافيهات. الأخيرة لم يشملها قرار الإقفال، بقيت مشرّعة أبوابها للزبائن وخصوصاً الشباب ممّن وجدوها ملاذاً لهم للجلوس وتدخين النرجيلة، بغياب رادع الكمّامة. معظمهم لا يعترفون بـ”كورونا” ولا يعيرون أوجاع المصابين اهتماماً، همّهم تقطيع وقت البطالة لا أكثر، أمّا عن “كورونا” فلا أثر لها في حديثهم. الإستثناءات العديدة التي طالت قرار إقفال البلد جعلت من القرار عبثياً، وبات السؤال من الذي طاولهم الإقفال في ظلّ فتح جميع المرافق والمحال الصناعية باستثناء صالونات الحلاقة ومحال الألبسة، وما عدا ذلك الحياة طبيعية، ما يطرح تساؤلاً حول جدوى قرار كهذا في ظلّ التفشّي السريع للوباء، وعجز المستشفيات عن استقبال المزيد من الإصابات التي تشير المعلومات الطبّية الى أنّ معظم من هم بحاجة لسرير يحتاجون لجهاز تنفّس غير متوفر في هذه الأيام. وما يشي بأنّ الوضع “فلت” والأمور خرجت عن السيطرة، و”ما حدا ملتزم”، ما يضع البلد على كفّ عفريت “كورونا” الذي توغّل في عمقه وبدأ يهدّد بالموت القاتل، فمن المسؤول؟

يبدو أنّ الإقفال الثالث الذي فرضه الفيروس هو الأسوأ، وفي حين كان متوقّعاً أن يكون شاملاً في اعتبار أنّ الوباء تفشّى بسرعة قياسية، وطال الأطفال في عمر السنتين مع عوارض قاسية، جاء مخيّباً، بل بحسب أحدهم ” بلاه أفضل”، لم يشمل الّا محال الألبسة وأعطى السماح لباقي المصالح على قاعدة أنّ “كورونا” يسكن الملابس ولا يصيب محال الميكانيك والبنشرجي والخضرجي وغيرهم.

داخل المدن الصناعية كلّ شيء حاضر الا الكمّامة، وحدها الغائبة، فلا أحد يعترف بها أصلاً، ولا من يبالي بأعداد الإصابات الخطيرة. المجد هنا للربح، فهؤلاء حقّقوا مكاسب كبيرة بفضل الدولار، معظهم يتلاعب بأسعار القطع، ويضع سعراً جديداً لها وطبعاً على الدولار، هذا عدا الغشّ بزيوت السيارات والقطع التي عادة ما تخرب بعد مرور وقت قصير، بالرغم من أن سعرها ” قدّ معاش” مياوم في هذا البلد. الإنقلاب على تسكير البلد بات ساري المفعول، وحدهم المصابون أو من سجّلت عليهم عوارض كانوا أكثر حيطة، فالأوجاع التي صاحبتهم فرضت قيودها على تحرّكاتهم، قصدوا المختبرات لتأكيد المؤكّد “الإصابة بالوباء المجنون”. فسرعة تفشّي الوباء أقلق العائلات، أمام مختبر الـpcr في مستشفى نبيه بري الجامعي، يقف الناس بالطابور، يحضر أحمد مع إبنه، طفل السنتين يعاني حرارة مرتفعة وانحطاطاً، بدا متعباً تماماً كما والده، فالزوجة أصيبت بالوباء جرّاء مخالطة في إحدى الجلسات العائلية. مثلها مثل كثر ممّن يرون بالزيارات العائلية أمراً مقدّساً، ولكن ليس مع “كورونا”.

يدرك الجميع أنّ سيناريو الموت القاتل وصل، فأعداد الإصابات، معطوفة على نسبة الإقبال على إجراء فحوصات الـpcr داخل المختبرات تدلّ على حجم التفشّي، وهذا سيضع أقسام “كورونا” في مهبّ الخطر، فهي لم تعد قادرة على استيعاب مريض “بالزايد أو بالناقص”. ليس الأمر متعلّقاً فقط بالأسرّة “المفولة” بل أيضاً بالجهازين الطبّي والتمريضي، فهما منهكان، وبات صعباً عليهما مواصلة الحرب في ظلّ حالة التراخي الحاصلة في الشارع.