IMLebanon

صلاحية تفسير الدستور

كتب سعيد مالك في “الجمهورية”:

منذ أيّام خَلَتْ، صُعق اللبنانيون بسجال دستوري بين رئيس الدولة ورئيس مجلس النوّاب، في وقت ينصرف الشعب إلى تأمين لقمة عيشه، غير آبه بالصلاحيات، إنما كل همّه تَجنّب هذا الوباء القاتل الذي يفتك بالكافّة من دون استثناء.

وعوض أن تُشبك السواعد للخروج من هذه الأزمة المستفحلة، والذهاب إلى تشكيل حكومة قادرة على وقف هذا الانحدار القاتل. يذهب كل فريق لتسجيل النقاط على الآخر، وكأنّ لبنان بألف خير، والمواطن في أوجِ سعادته، فيما الواقع يوضِح أنه يرزح تحت وطأة الجوع والعوز والخوف من الغد.

وبالعودة إلى صلاحية التفسير.

فلقد نصّت وثيقة الوفاق الوطني، والتي أُقرّت في مدينة الطائف بتاريخ 22/10/1989، وتحت باب «الإصلاحات الأخرى» الفقرة (ب) البند (2)، على ما حرفيّته:

«ينشأ مجلس دستوري لتفسير الدستور ومراقبة دستورية القوانين والبتّ في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية».

وبالتالي،

نصّت وثيقة الوفاق الوطني على مَنح المجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور، بشكل صريح وواضح.

وبتاريخ 21/9/1990 إجتمع مجلس النوّاب لإسقاط ما تمّ الإتفاق عليه في الطائف على أحكام الدستور.

وعند الوصول إلى المادة /19/ من الدستور، والمتعلّقة بالمجلس الدستوري، عَلَتْ أصوات بعض النوّاب، وفي طليعتهم بطرس حرب، وجورج سعادة، ونصري المعلوف، وغيرهم… مُطالبين بإبقاء صلاحية تفسير الدستور لمجلس النوّاب.

وهكذا حصل، وصَدَر القانون الدستوري رقم 18 / 1990 تاريخ 21/9/1990، مُبقياً صلاحية تفسير الدستور للسُلطة التشريعية، بعد أن كان قد منحها الطائف للمجلس الدستوري.

والسؤال المطروح، هل يحقّ لرئيس الدولة أن يطلب من المجلس الدستوري تفسير الدستور، سنداً لأحكام وثيقة الوفاق الوطني، ولو لم يَرِد ذلك في أحكام الدستور؟.

بالتأكيد كلا، كَوْن ما يُعتَدّ به هو النصّ الدستوري حصراً، ولا إمكانية للارتكان مُطلقاً إلى أي نصوص أخرى، ولو كانت وثيقة الوفاق الوطني.

علماً أنّ المجلس الدستوري حَسَمَ هذا الجَدَل في العديد من قراراته، أهمّها: القرار رقم 1 / 2002 تاريخ 31/1/2002، والقرار رقم 2 / 2002 تاريخ 3/7/2002، والقرار رقم 1 / 2005، والقرار رقم 7 / 2014 وغيرها من القرارات… وخَلُص إلى التأكيد أنّه:

«لا يُعتبر ما وَرَدَ في وثيقة الوفاق الوطني بمثابة أحكام دستورية ومُلزمة، إلّا بقدر ما ورد منها في مقدّمة الدستور أو في مَتنه».

وبالتالي، لا يحقّ للمجلس الدستوري تفسير الدستور، ولَو كان قد ذُكر ذلك في وثيقة الوفاق الوطني.

مع الإشارة إلى أنّ المجلس الدستوري يُمارس حق تفسير الدستور في مَعرض مراجعة طعن مقدّمة إليه، وهذا ما حصل في العديد من المراجعات، أهمّها القرار رقم 5 / 2017 تاريخ 22/9/2017 والذي تطرّق فيه إلى تفسير الفقرة (ج) من مقدّمة الدستور، والمادة السابعة والمادة /36/ والمادة /66/ والمادة /83/ منه.

ممّا يُفيد، وبالخُلاصة، أنّه صحيح أنّ المجلس الدستوري غير مُكلّف دستوراً بتفسير الدستور، إنما مُباح له ذلك في سياق مراجعة طعن تُقَدَّم أمامه وبمعرضها.

أمّا عن الآلية، والتي يمكن للمجلس النيابي اتّباعها لتفسير الدستور، فمن الممكن أن يتمّ ذلك عبر قانون (مثلاً القانون رقم 11 / 1990، والذي فسّر فيه المادة /34/ من الدستور)، وممكن أن يتمّ عبر التدوين على محضر الجلسة (مثلاً في معرض تفسير المواد /69/ و/56/ و/65/ و/32/ من الدستور)، وممكن أن يحصل بقرار يصدر عن المجلس، لا سيما أنّ الدستور، وكذلك النظام الداخلي لمجلس النواب تاريخ 18/10/1994 المعدّل، أجازا للمجلس إصدار قرارات، وبالتالي يمكن أن يحصل ذلك بقرارات تفسيرية.

(دراسات في القانون الدستوري اللبناني، الدكتور وليد عبلا، منشورات الحلبي).

ويبقى السؤال، هل يقتضي إبقاء صلاحية تفسير الدستور لمجلس النواب أم يُفترض إعادتها مستقبلاً إلى المجلس الدستوري ؟.

نكتفي بما اقترحه رئيس المجلس الدستوري السابق الرئيس الدكتور عصام سليمان، بوجوب استعادة صلاحية التفسير إلى المجلس الدستوري، مُعتبراً:

«بأنّ هذا الأخير (أي المجلس الدستوري) يمارس رقابته على دستورية القوانين التي تُقرّها الهيئة التشريعية إنطلاقاً من فهمه للدستور، وأنه من الطبيعي أن تعود إليه هذه الصلاحية (أي تفسير الدستور) كَفَيْصَل حَكَم عندما تشتبك الآراء والاتّجاهات الفقهية والسياسية في الندوة النيابية، وتحول دون التوصّل إلى تفسير موحّد لنص دستوري».

كما هو حاصل في غالبية الأنظمة الديموقراطية والمتقدّمة، كَفَرنسا وسواها.

وفي الخُلاصة، لا كلام يعلو كلام الدكتور عصام سليمان، الذي ترأس المجلس الدستوري لحقبة ناهَزت العشرة أعوام ونيّف من الزمن. ولا بدّ مستقبلاً من أن نُعيد هذه الصلاحية إلى مرجعها، ونُبعدها عن التجاذبات السياسية، والمصالح الضيّقة والآنية.