IMLebanon

ما أشعَل النار في قلوب الطرابلسيين واللبنانيين

كتب د. فؤاد زمكحل في “الجمهورية”:

ما شهدناه في طرابلس، العاصمة الثانية للبنان، مؤلم ومحزن جداً. وما يجرحنا أكثر، وما يُحرّك السكين في الظهر هي التجاذبات السياسية التي لاحقت هذا التحرّك ورَشق المسؤوليات وتمويهها، وتفسير ما يحصل في المدينة بأنه نتيجة تدخلات وضغوط سياسية، مع أهداف معينة، والتركيز على أموال تُستثمر يوماً بعد يوم، والحديث الجارح أنّ طرابلس باتت صندوق بريد لإرسال رسائل مباشرة وغير مباشرة.

نأسف ونحزن لأنّ أحداً لا يريد أن يرى بالعين الواقعية والشفافة حقيقة ما يحصل في طرابلس، وأنها تأتي نتيجة ألم وتراجع اقتصادي وجوع وموت، وعائلات وأطفال، ينتظرون الموت في أسرّتهم، واستنزاف الشباب والأمهات وأرباب العائلات والشركات. هذا التوصيف لا ينطبق على المواطنين في عاصمة الشمال فحسب، بل على سائر المواطنين على جميع الأراضي اللبنانية، من الشمال إلى الجنوب، ومن السهل إلى البحر.

ألم يشعر أحد من المسؤولين بأنّ ما رأيناه على أرض الواقع في طرابلس، وما أشعَل النيران في القلوب ومن ثم في المباني والشوارع، وإزهاق الأرواح، ووقوع الجرحى من الأبرياء، يأتي جرّاء عدم تحمّل المسؤولية من قبل المسؤولين المعنيين ونتيجة الإدارة الفاسدة؟

الواقع أنّ هذه المدينة تدفع ثمن غياب الرؤية والاستراتيجية لتحقيق النمو الإقتصادي والإزدهار الإجتماعي، لا سيما الاستثمارات، وخلق الوظائف منذ عقود، وتالياً تعاني انعدام التنمية، وارتفاع البطالة الخانقة، لتصبح هذه المدينة العريقة في لبنان، حتى ما قبل الوباء، من الأفقر على شاطىء المتوسط.

واقع الحال انّ ما نشهده في طرابلس اليوم هو حقيقة مؤلمة يعانيها كل لبناني في كل الأراضي اللبنانية، علماً أننا في الوقت عينه نُدرك تماماً أنّ هناك جهات خفية تخريبية، يستنكرها القاصي والداني ونرفضها بأشد عبارات الاستنكار، تستفيد من تحريك الشارع للتخريب والدمار المبطّن وحَرف الأنظار عن المطالب والأهداف المشروعة التي يُنادي بها المواطنون، أصحاب الحقوق.

ما أشعل النار في قلوب شباب طرابلس هو التراجع الاقتصادي والاجتماعي، والألم من قلّة الغذاء، وعائلات تئنّ جرّاء الوجع والنقص، في طرابلس كما في كل لبنان، فيما ردّات الفعل تقتصر على أجواء الحوارات في وحول السياسة، في حين لم يُلاحظ حتى تاريخه ردّات فعل حقيقية على الصعد المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، ووضوح الرؤية ووضع الاستراتيجيات العاجلة لإنقاذ ما تبقّى من هذه المدينة.

اليوم ينتهي الأسبوع الرابع من الحجر والإقفال العام، نتيجة جائحة كورونا، ونتجّه إلى إعادة الفتح التدريجي. لكن ما بعد الإقفال والفتح، أين هي الخطة والرؤية لمساعدة العائلات والشركات، وإعادة الحركة الاقتصادية؟ مرة أخرى نرى المسؤولين يُركّزون على الأمور السطحية والبسيطة، بدلاً من الانخراط في عمق الأزمة والبحث عن استراتيجيات وخطط على المدى القصير والمتوسط والبعيد.

في الخلاصة، إنّ عذاب إخوتنا في طرابلس هو عذاب كل شاب لبناني، وكل شركة لبنانية، وإنّ الطابور الحقيقي الذي يُواكب أزمة طرابلس وكل أزمات لبنان هو طابور الفشل، وطابور انعدام المسؤولية والرؤية، وطابور غياب الإستراتيجية، ولا غير من طوابير وهميّة التي يريد أن يختبىء وراءها بعض المسؤولين. كذلك تنبغي الإشارة إلى أنه ما من داع لتمويل أي مواطن لبناني يتعذّب كي يُعبّر عن رأيه في الشارع، فآلام المواطنين هي التي تُعبّر عن نفسها وعن حرقة قلوبهم وآمالهم وأحلامهم.

إنّ كل دمعة وكل نقطة دم ينزفها كل شاب لبناني، سواء من المتظاهرين المُنادين بالمطالب المحقّة، أو من القوى الأمنية التي تطيع الأوامر، هي دمعة من كل مواطن لبناني في كل لبنان. إننا نأسف بأن يوضَع المتظاهرون والقوى الامنية وجهاً لوجه، لأنهم في الحقيقة في خندق واحد، وهو خندق العذاب، وهدفهم المشترك تحصيل لقمة العيش الكريم.

إننا ندعو الجميع إلى التركيز على النقطة الأساسية، وهي محاربة الفقر والجوع والمرض والألم، وإيجاد الرؤية والاستراتيجية الواضحة والعملية، من أجل إنقاذ أهلنا وإخوتنا في طرابلس وفي كل الاراضي اللبنانية. المدينة الشمالية ليست صندوق بريد لأحد، إنما هي في حد ذاتها رسالة حب الحياة والعيش المشترك، ورسالة الصمود والمرونة.