IMLebanon

هل تشي الحركة الروسية بمزيد من “تدويل” الأزمة اللبنانية؟

 

دَخَلَ لبنان سباقاً جديداً بين التحذيرات المتصاعدة من أن تطلق الأزمة السياسية والمالية العنان لـ «كوابيس» قد تجعل البلاد في مهبّ «العاصفة الشاملة» التي يُخشى أن يؤجّجها العاملُ الأمني، وبين ارتفاع منسوب الضغوط الخارجية في محاولةٍ لقطْع «الفتيل» المشتعل قبل انفجار برميل البارود بمكوّناته الداخلية والإقليمية الموصولة بالمنازلة القاسية في المنطقة.

وإذ شخصتْ الأنظارُ مساء أمس إلى كلمة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله باعتباره «المُمْسِك» بخيوط اللعبة الداخلية وامتدادها الإقليمي، وكون سقف مواقفه من شأنه أن يفسّر كل مجريات الأزمة الحكومية وحتى آفاقها ربْطاً بمقتضيات «شدّ الحبل» في نطاق «قوس النفوذ» الإيراني بملاقاة محاولات توسيع إطار وجدول أعمال مفاوضات العودة للاتفاق النووي، انشغلت بيروت بإطلالةٍ روسية بارزة على الواقع اللبناني عبّرتْ عنها «ديبلوماسية الهاتف» لنائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف الذي بحث الأزمة الحكومية (الاثنين) مع كل من الرئيس المكلف سعد الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط.

 

وما جعل حركة بوغدانوف الهاتفية تكتسب دلالاتٍ خاصةً في نظر أوساط مطلعة، أنها بدت في سياق رفْد المبادرة الفرنسية التي يَمضي فيها الرئيس إيمانويل ماكرون بدعْمٍ روسي من «خارج السياق» الذي يشكّله تأييدها من دول غربية أو عربية، وإن كان بدا من المبكر تبيان إذا كان يمكن وصْف هذا الدعم بأوّل تَقاطُعٍ تحققه باريس و«يشبك» مع المحور الإيراني في ما خصّ الأزمة اللبنانية نظراً إلى التحالف بين موسكو وطهران و«تَخادمُهما الاستراتيجي» في أكثر من ساحة.

ورأت الأوساط أن طهران تقارب الورقة اللبنانية من زاوية «ماكرو» تتصل بمجمل الواقع الإقليمي وموجبات حماية مكتسباتها في المنطقة والحؤول دون «نزْع أنياب» دورها الاقليمي الذي كرّستْه بمقايضةٍ بينه وبين النووي العام 2015، والذي لن تسلّم بإدخاله ولا صواريخها البالستية في أي مفاوضاتٍ جديدة، مُلاحِظة أن إيران لا تتوانى في هذا السياق عن توجيه رسائل بالغة التشدد، من اليمن والاعتداءات المتمادية على السعودية، مروراً بالعراق حيث شكّل قصف مطار اربيل أحدث «نسخة» من «بريد النار»، وصولاً إلى الساحة اللبنانية العالقة في شِباك الأزمة الحكومية التي يصعب فصلها عن المسار التصعيدي الشامل.

وفي حين أبدت هذه الأوساط انطلاقاً من ذلك حذراً حيال استنتاج أن الدخولَ الروسي على الوضع اللبناني يمكن أن ينوب عن «الكلمة الأقوى» لإيران أو أنه يعكس مرونة إيرانية وشيكة، فإن أوساطاً أخرى دعت إلى عدم التقليل من مغزى الحِراك الروسي الذي يمكن بالحدّ الأدنى أن يشكّل «إحراجاً» لكل من طهران و«حزب الله»، كما لفريق رئيس الجمهورية ميشال عون داخلياً، باستعجاله تأليف حكومة برئاسة الحريري وتالياً بالمعايير والمَخارج التي ثبّتها الأخير في كلمته يوم الأحد، ناهيك عن معانيه لجهة تعزيز منحى تدويل المبادرة الفرنسية.

ولم يكن عابراً في هذا الإطار تَعَمُّد البيان الرسمي الذي أصدرتْه الخارجية الروسية الكشف أن ‏‏الاتصال بين والحريري، الذي تردد أنه قد يزور الدوحة اليوم، «تناول مسألة الأزمة الاجتماعية والسياسية التي يمر بها لبنان حيث ‏جرى التشديد على ضرورة التشكيل السريع لحكومة مهمة برئاسة سعد الحريري الحائز ‏غالبية الأصوات في البرلمان وكذلك التكليف من رئيس لبنان ميشال عون.

كما تناول ‏الطرفان مسألة مساعدة الجانب الروسي للبنان في مكافحة مرض كورونا بما في ذلك ‏إرسال دفعة لقاحات إلى بيروت».

وتوقفت الأوساط نفسها عند أن الحركة الروسية المعلنة جاءت غداة إعلان مستشار الرئيس اللبناني للشؤون الروسية النائب السابق أمل أبو زيد الذي كان في موسكو أخيراً «ان الجانب الروسي لا يتدخل في الوقت الحالي في الشأن اللبناني وهو يتيح الفرصة أمام المبادرة الفرنسية.

وهناك اهتمام روسي بالوضع اللبناني، لكن لبنان ليس من أولويات روسيا لأن هناك العديد من الأمور حولهم، ولا فكرة لدي اذا كان لدى الرئيس عون نية لطلب مبادرة روسية».

وفي موازاة ذلك لم يكن ينقص لبنان، الذي يصارع للحصول على «قرش» دعم بالدولار لوقف الانفجار الكبير الاجتماعي بكل ارتداداته المحتملة أمنياً، سوى دخول قرض البنك الدولي المخصّص لتمويل برنامج دعم ‏الأسر الأكثر فقراً والبالغ 246 مليون دولار بازار التجاذبات السياسية «والسيادية»، وسط حملةٍ برزت وتوّجها نائب «حزب الله» حسن فضل الله خلال اجتماع اللجان النيابية المشتركة لبحث اتفاقية القرض وركّزت على ضرورة «إحياء» حكومة تصريف الأعمال لتصادق عليها بوصفها معاهدة دولية، معلناً «ان بين أيدينا مشروع بحاجة إلى نقاش جدي لان فيه ثغراً دستورية وقانونية وتعدياً على الصلاحيات وهدراً كبيراً لأموال القرض تصل إلى أكثر من 10 ملايين دولار ووضع اليد على مؤسسات الدولة واستحداث توظيفات جديدة».

واعتبر «ان الاتفاقية تفرض مصادرة مؤسسات الدولة لمصلحة برنامج الأغذية العالمي»، وسائلاً «صحيح أن هناك اهتراء في مؤسسات الدولة وعدم ثقة المقرضين بأدائها، لكن هل هذا يبرر وضعها تحت سلطة البنك الدولي وإلغاء دور الدولة على حساب سيادة البلد؟ كان على حكومة تصريف الأعمال أن تقوم بدورها لتأتي الاتفاقية منسجمة مع الدستور والقوانين والسيادة».