IMLebanon

أمي يا ملاكي… يا حبي الباقي إلى الأبد

كتب أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:

غداً عيد الأم، الذي يُحتفل به في بعض البلدان العربية في الواحد والعشرين من شهر آذار من كل سنة. ولمناسبة هذا العيد، لا يسعني إلّا وأشكر أمهاتنا اللواتي بفضلهنّ، أصبحنا ما نحن عليه اليوم. فالأم هي المدرسة الأولى في حياة الطفل، ولها دور عظيم في إعداد وتنشئة أطفالها. ولكن للأب أيضاً دوراً بارزاً في هذا الخصوص. وتأتي مناسبة «عيد الأم» كعربون شكران لكل إمرأة عاشت دور الأم بشكل مباشر أو غير مباشر. فما هو دور الأم في عائلتها؟ وهل الأم المعاصرة يمكن أن تكون أماً تشبع حاجيات عائلتها؟

تلعب الام دوراً بارزاً في عملية النمو عند أطفالها. لا نتكلم هنا فقط عن النمو الجسدي والفيزيولوجي للطفل، بل أيضاً عن النمو النفسي. وللأب دور أساس طبعاً في هذه العملية. لا يكتسب الطفل اللغة والمعرفة والذكاء فقط من الوالدين – وخصوصاً من الام، بل يتعلّم الأخلاق، فيكون إنعكاساً لأخلاق والديه. فعندما يتصرّف الوالدان أمامه بشكل مهذّب وهادئ، سيتصرف الطفل بالمثل، والعكس صحيح. لذا، عندما تلاحظ الأم أو الأب تصرفاً غير مقبول من طفلها، من المهم أن تسأل نفسها مِمَنْ تعلّم هذا السلوك؟

للأم دور آخر في الميدان التربوي، هو غرس الأخلاق عن طريق اللعب. مثلاً إن كان طفلها يلعب مع إبن الجيران، يمكنها أن تفسّر لطفلها أنّ عليه مشاركة ألعابه معه، خصوصاً إذا كان طفلها يحاول أن يتملّك كل شيء يجده، ويسعى إلى الاحتفاظ به. فعلى الأم أن تكون واعيةً لهذه المرحلة التي يمرّ فيها كل الأطفال. ولكن بفضل التربية وطبعاً «حدسها»، ستقدّم الأم لطفلها الأنسب، والكثير من الأخلاق تتكون في السنين الأولى من حياة الطفل بفضل الأم، ثم تتعمق بعد ذلك من خلال الممارسات المتكرّرة. والاحتكاك الاجتماعي بالآخرين والدخول إلى المدرسة يساعدان أيضاً الطفل في تكوين شخصيته.

الأم التقليدية والأم العصرية

كانت النظرة مختلفة للأم التقليدية، التي كان دورها يقتصر فقط على التربية والاهتمام بالشؤون المنزلية وشؤون عائلتها الصغيرة. كما كان لدى الأم التقليدية الوقت الأوفر لكل فرد من أفراد عائلتها. ولكن هذا لا يعني أنّ الأم العصرية لا تهتم بأفراد عائلتها، خصوصاً أنّها تعمل خارج البيت. فيكفي الإهتمام بالأطفال وبالزوج بشكل مباشر وتقديم العاطفة بشكل تلقائي… إذاً، هذا لا يجعل من الأم العصرية أماً تهتم أقل من الأم التقليدية.

ولكن، من المعلوم أنّ الأم العصرية زادت مهامها في المجتمع، واكتسبت صفات جديدة، وأصبحت أماً عاملة. وفي كثير من العائلات في حياتنا العصرية، تتواجد الأم في سوق العمل أكثر من تواجدها في البيت. ولكن في هذا الحال، لا يمكننا اعتبار أنّ الأم العاملة ليست أماً حقيقية، إذ يمكن أن نجد أماً مثالية وهي تعمل، لأنّها تعرف جيداً أن تقيم توازناً بين وقت العمل ووقت المنزل.

فالبرغم من الالتزامات المنزلية التي تتشاركها وزوجها، من شراء الطعام وطهيه، ونظافة المنزل، وغسل للملابس وكيها، وتلبية المطالب والاحتياجات المنزلية للزوج والأولاد، تقسّم أغلب الأمهات العاملات وقتهنّ الباقي للحديث أو للاستماع إلى أطفالهنّ. فتعرف هذه الأمهات كم من المهم إيجاد الوقت للتواصل مع أبنائها والحوار والتشاور معهم بأسلوب صحيح، يعزز العلاقة بين مختلف أعضاء العائلة.

الأم في عائلتها

يؤكّد علم النفس، أنّه إذا كان الولد إجتماعياً، هذا بفضل والديه وخصوصاً الأم. فهي التي تساعد طفلها منذ صغره في التكيّف الإجتماعي، من خلال التواصل مع الآخرين وقبولهم وحسن معاملة الآخر وإحترامه. ولكن يتعلّم أيضاً كل ذلك من والده، خصوصاً إذا كان الطفل ذكراً. كما من المهم أن نعرف أنّ الطفل يتأثر بمشاهدة الواقع الذي يعيش فيه، فهو إبن بيئته. وكما يعامَل، يعامِل الآخرين.

ثبت علميًا أنّ الجنين يفهم ويتعلّم وهو في بطن أمه، أي يتأثر بالموسيقى الهادئة الناعمة التي تجعله هادئاً ومسترخيا ًفي «مسكنه». فالعلاقة مع الأم تبدأ قبل أن يولد الطفل. وبعد ولادته، يشعر الطفل بأمه ويتعرف اليها من خلال رائحتها ونبرة صوتها خلال التحدث معه. ولا تساعد الأم فقط في تكوين الطفل فزيولوجياً خلال فترة الحمل، بل تسهم أيضاً بشكل فعّال في تكوين شخصية الطفل وتربيته بالمشاركة مع الأب. فتربية الأطفال مسؤولية مشتركة بين الأم والأب.

هذه المرحلة الأولى من حياة الطفل الذي يكون كورقة بيضاء. والأهل – الأب والأم – «يملآن» هذه الورقة، فيكتسب الطفل معظم الأنماط السلوكية والطبع والتصرفات من أهله، خصوصاً من الأم التي تكون المرافقة الدائمة له، ليلاً ونهاراً وتؤمّن حاجاته بشكل سريع كالغذاء والنظافة والحنان، وتوفر الأمان لهذا المولود. ويتعلّم الطفل من كلام أمه واللعب معها.

لاحقاً، يكتسب الطفل معطيات جديدة من الأم، وأهمها اللغة التي تكون مدخله إلى العالم الخارجي. فيتعرف الى أشخاص جدد، ويكوّن أصدقاء، ويمرّ بتجارب شخصية تساعد في نموه المعرفي والذكائي. كل هذا بفضل وجود الأم بقربه ومن خلال تعاليمها وملاحظاتها. وتتابع الأم نمو طفلها العقلي خلال الأشهر الستة الأولى من حياته.

وتلعب الأم دوراً في الترابط الأسري، خصوصاً في الأسرة التي يوجد فيها بعض المشاكل الإجتماعية، فتحاول الأم إيجاد الحلول، وحتى لو كانت مؤقتة، ليبقى هذا التلاحم بين مختلف أعضاء العائلة. كما تسهم في توفير التعاطف بين الإخوة والتعاون وتفعيل التضحية في ما بينهم.