IMLebanon

باسيل يخوض آخر معاركه لاسترداد نفوذه السياسي

كتب محمد شقير في صحيفة الشرق الأوسط:

أشعل «التيار الوطني الحر» لبنان في مواجهة سياسية وأمنية غير مسبوقة بتوفيره كل أشكال الدعم للقاضية غادة عون في اقتحامها للمرة الثالثة على التوالي لمكاتب شركة مكتّف لنقل الأموال وسط صمت مريب من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي تردد طويلاً قبل أن يرأس الاجتماع الأمني الموسع للبحث في الأوضاع الأمنية الطارئة، مع أن ما حصل من جراء هذا الاقتحام أصاب الوسط الدبلوماسي بحالة من الذهول لأنه شكّل تمرداً على قرارات مجلس القضاء الأعلى بكفّ يدها عن التحقيق في ملف الشركة المستهدفة، وسرّع في انحلال مؤسسات الدولة وتفكيكها وصولاً إلى تفتيتها.

فالقاضية عون استعانت في اقتحامها لمكاتب شركة مكتّف بـ«ضابطة عدلية» خاصة بها أمّنها لها «التيار الوطني» من دون أن يحرّك عون ساكناً في الوقت المناسب لوقف التدمير الممنهج للدولة، وكذلك الحال بالنسبة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الذي فضّل الصمت ونأى بنفسه عن التدخل.

ومع أن المسؤولية في كفّ يد القاضية عون ووقف تمرّدها على قرار مجلس القضاء الأعلى تقع على عاتق هيئة التفتيش القضائي، فإن تمادي «التيار الوطني» – كما يقول مصدر نيابي لـ«الشرق الأوسط» – في مشروعه الرامي إلى انحلال الدولة وانهيارها يطرح مجموعة من الأسئلة حول ماذا يريد رئيسه النائب جبران باسيل من توفيره الغطاء الميداني واللوجيستي للقاضية «المتمردة»؟ وأين يقف رئيس الجمهورية في ضوء ما نُقل عنه بأنه يعترض في الشكل على ما قامت به باعتبار أن الهدف من تحركها يكمن في مكافحة الفساد واسترداد الأموال المهرّبة إلى الخارج؟

ويلفت المصدر النيابي إلى أن باسيل بدعمه غير المشروط للقاضية عون أراد أن يفتح منصة على حسابه الخاص بذريعة استرداده لحقوق المسيحيين تحت غطاء الحفاظ على أموال المودعين، ويسأل: كيف السبيل إلى استردادها؟ هل بتخريبه للنظام المصرفي للبنان الذي يشكّل القاعدة الأساسية للاقتصاد الحر وبضربه القضاء بكل مؤسساته ووضعه موقع رئاسة الجمهورية في مهب الرياح الذي بات يهدد ما تبقى من ولاية عون في ضوء ارتفاع منسوب الدعوات إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة أو بتوفير الغطاء السياسي لحليفه «حزب الله» والإفادة من تجربته في استحداث «سرايا» خاصة به.

ويؤكد أن باسيل لم يخف سراً عندما هدد بقلب الطاولة وبسقوط الهيكل فوق رأس الجميع، خصوصاً الذين يهددون بإسقاطه فوق رأسه ومن خلاله عون، ويقول إن باسيل الذي يحاصَر أميركياً بالعقوبات المفروضة عليه سرعان ما اكتشف أن الحصار تمدد أوروبياً بمبادرة باريس إلى إلغاء الدعوة التي وجّهت إليه للبحث في إسقاط الشروط التي تؤخر تشكيل الحكومة العتيدة، ويرى المصدر نفسه أن باسيل الذي يحاصَر دولياً وعربياً أخذ على عاتقه الانتحار السياسي حتى لو انسحب انتحاره على نحر الدولة وجرّها إلى السقوط، ويكشف بأنه لا يحبّذ حتى إشعار آخر إجراء الانتخابات النيابية في ربيع 2022 ليتولى المجلس النيابي المنتخب انتخاب خلف لعون، هذا إذا ما تسارعت التطورات وحالت دون تحقيق طموحاته في هذا المجال في ضوء إصرار وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل على إجراء الانتخابات في موعدها لتأمين انتظام مؤسسات الدولة بإعادة إنتاج السلطة.

ويجزم بأن هيل أعلم جميع من التقاهم بعدم الرهان على التمديد للمجلس النيابي ليتولى انتخاب رئيس جمهورية جديد، وهو يلتقي مع رئيس البرلمان نبيه بري برفضه التمديد، ويقول إن «التيار الوطني» ينطلق من رهانه على التمديد من مقولة مفادها بأن التمديد يجب أن ينسحب تلقائياً على عون بذريعة عدم إحداث فراغ في الرئاسة الأولى إلا إذا أيقن بأن التمديد يتيح لباسيل الترشح للرئاسة، مع أنه يدرك جيداً أن طموحه ليس في محله لأن البرلمان الممدد يشهد إعادة لخلط الأوراق ولم يبق له من حليف سوى «حزب الله».

ويقول إن باسيل يضع أوراقه في سلة «حزب الله» وهو يخوض حالياً مواجهة مفتوحة وبالنيابة عنه مع جميع القوى السياسية، ما اضطر حليفه للوقوف خلفه مع أنه يخدمه في تعطيل تشكيل الحكومة وتمديد الأزمة ليكون في وسعه إيداع تشكيلها بيد حليفه النظام الإيراني للاستقواء بها في مفاوضاته مع الولايات المتحدة الأميركية بخلاف ما ذهب إليه البعض أن الحزب يبيع ورقته لفرنسا بدعمه المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان.

ويؤكد المصدر أن الحزب وإن كان أيد المبادرة الفرنسية، فإنه أبلغ الموفد الفرنسي إلى بيروت باتريك دوريل ألا يتوقع منه الضغط على باسيل، ويقول إن الحزب وإن كان لا يراهن على إقحام البلد في فراغ مديد، فإنه في المقابل يستطيع أن يفرض شروطه في حال تقرر الدخول في تسوية لإنهاء الفراغ.

وفي هذا السياق، يسأل المصدر عن استنكاف «حزب الله» الدخول كطرف في المواجهة الحاصلة الآن، وهذا ما برز من خلال حرص أمينه العام حسن نصر الله على حصر إطلالته على جمهوره بالحديث عن مناسبة حلول شهر رمضان المبارك، فيما استكمل إعداده لكل المستلزمات من تموينية واقتصادية لتأمين بيئته الحاضنة له سواء من خلال البطاقات التي وزّعها على محازبيه وتتوزّع بين حصولهم على المواد التموينية لمرة واحدة شهرياً بأسعار تشجيعية، وبين إفادتهم من بطاقات الائتمان لتأمين احتياجاتهم بالدولار بواسطة الصراف الآلي، إضافة إلى توفير المستلزمات الصحية من طبية ومخبرية.

لذلك فإن التدابير التي اتخذها الحزب بتوفير بطاقات الائتمان وأخرى باسم «السجاد» و«النور» توحي بأن الأزمة مديدة، إلا إذا كانت مؤقتة استدعت تكديسه للمواد التموينية والأدوية المستوردة من إيران من باب الاحتياط، تاركاً المواجهة في عهدة باسيل لئلا يؤدي دخوله إلى صدام سنّي – شيعي.