IMLebanon

الحريات الإعلامية في حمى قوى الأمر الواقع!

كان يمكن أن نفهم ما حصل مع الصحافيين الأجنبيين اللذين اختطفا أثناء تغطية أزمة المحروقات التي يشهدها لبنان من قبل مجموعة مسلحة تابعة لقوى الأمر الواقع في تلك المنطقة، لو كنا في زمن الحرب حيث لا دولة ولا قانون ولا غطاء فوق رأس أحد. لكن ما حصل مع الصحافيين الأجنبيين على طريق المطار قرب الضاحية الجنوبية أثبت أن لا غطاء أمنياً وشرعياً فوق رأس أحد وما يسمى بدولة المؤسسات والقانون بات تحت مجهر الفوضى وسلطة أمن وقانون قوى الأمر الواقع.

تقول الرواية إن مع وصول المراسل البريطاني ماثيو كينستون (33 عاما) لموقع now Lebanon والمراسلة المستقلة الألمانية ستيلا ماينر إلى “محطة الأيتام” على على تخوم الضاحية الجنوبية حيث كانت تشهد ازدحاماً خانقاً وإشكالات بين المواطنين، اعترضهما ثلاثة رجال حضر اثنان منهم على دراجات نارية في حين كان الثالث موجوداً في المكان، وطالبا الصحافيين بتسليم هاتفهما وجوازي سفرهما. وما هي إلا دقائق حتى حضر عنصران إضافيان عرفا عن نفسيهما بأنهما من عناصر الأمن الوقائي في “حزب الله”، واقتاداهما إلى مركز ملاصق لمطعم “الساحة” الذي يبعد دقائق عن “محطة الأيتام”، حيث تم احتجازهما والتحقيق معهما وتفريغ محتويات هاتفهما وتصوير المستندات الشخصية.

ساعتان أمضاها الصحافيان في مركز تحقيق تابع لحزب الله قبل أن يتم الإفراج عنهما بعد تدخل السفارة البريطانية حيث تم تسليمهما إلى جهاز الأمن العام الذي قام بتحقيق روتيني معهما قبل إطلاق سراحهما بعد عدة ساعات. أما الخبر الصحافي الذي كانا يعملان على نقله بالصورة فتحول إلى مانشيت:  الحريات الإعلامية في لبنان على حافة جهنم.

نقيب الصحافة عوني الكعكي أسف في حديث لـ”المركزية”  لـعملية الإختطاف “فهي تؤكد أننا نعيش في غابة ومستعمرات أمنية، أما المناطق الآمنة فباتت خاضعة لنظرية الأمن النسبي”. وأضاف: “إذا افترضنا أن المهمة التي كان يقوم بها الصحافيان قد رسمت علامات الشك لدى قوى الأمر الواقع إلا أنه كان يفترض تبليغ القوى الأمنية للقيام بمسؤولياتها والتدخل بالطرق الشرعية، أما أن يتم اقتيادهما واحتجازهما والتحقيق معهما بهذه الطريقة فهذا يؤكد أننا في غابة”.

خبر اختطاف الصحافيين الأجنبيين تلقاه النقيب الكعكي من خلال الإعلام “لم يتم إبلاغنا بالأمر، وحتى لو حصل ذلك فالنقابة لا تتمتع بسلطة عسكرية أو أمنية وسلاحها الكلمة وموقفنا سياسي”. نسأل عن الخيمة الأمنية التي يفترض أن تحمي الصحافيين فيجيب: “رب العالمين لأننا لا نستطيع أن نغدق وعودا على الناس والإعلاميين بما لا نستطيع فعله؟”، ويختم مطالبا القوى الأمنية القيام بمهامها “لو لم يخش المسلحون من أن تلتقط عدسات الصحافيين “الصورة الممنوعة” لما أقدموا على اختطافهما”.

البيان الوحيد الذي صدر منددا بالحادثة كان من توقيع مبادرة “إعلاميون من أجل الحرية” ويقول المتحدث بإسمها العضو أسعد بشارة لـ”المركزية”: “إن عملية اختطاف الصحافيين الأجنبيين تؤكد أن هناك دويلة أكبر من الدولة وشعارها “الأمر لي”. وما حصل يعكس أسوأ صورة عن لبنان لكنها للأسف حقيقية، وتثبت استقالة الدولة من مهامها”. وأضاف: “ما يزيد الأمور سوداوية هذا التراخي في تلقف المسؤوليات مما يجعل من لبنان دولة فاشلة وعابرة على مستوى الحريات الإعلامية”.

كما كل الصحافيين يترقب بشارة جوابا رسميا لتوضيح ما جرى وقد لا يصدر. “في أي حال لا بد من الإعتراف بأن المسؤولين عن حماية الناس يدفنون الحريات تحت سابع أرض وهذا أسوأ ما في الأمر. ونكران حادث مماثل يؤسس لتكرار الإعتداءات من دون محاسبة أو عقاب.  لكن على ما يبدو أن لبنان كله تحول إلى مربع أمني، وفي وقت يناشد فيه المجتمع الدولي للحصول على مساعدات تحصل عملية اختطاف صحافيين أجنبيين في وضح النهار ووسط صمت مطبق من قبل المسؤولين”.

“لا مؤشرات واضحة حول مستقبل الحريات الإعلامية في لبنان لكن بعدما خسرنا الصفة التنافسية ها نحن اليوم نفقد القدرة على التعبير بحرية، وكل إعلامي بات يحتاج إلى إذن لإنجاز مهمته الصحافية من مرجعية أمن الأمر الواقع وإلا فهو يتحرك في حقل ألغام ولا دولة ولا دستور يحميانه” يختم بشارة.