IMLebanon

في الشوف اللبنانيّة، شوف الأمل…

كتبت آية يونس: 

أشتقنا اشتقنا وأخيراً رجعنا التقينا!

كانت هذه العبارة الأولى التي قالها الزملاء الصحافيين في نادي الصحافة بعد غياب دام حوالي السنتين، بسبب اندلاع الثورة ثم انتشار فيروس كورونا وانفجار المرفأ في 4 آب، وصولاً الى الأزمة الاقتصادية والمالية التي يغرق بها لبنان. فما أصعب أن تشتاق للوطن وانت بين أحضانه، أن تكون في لبنان وتشتاق اليه.

وعاد اللقاء بعد طول انتظار بدعوة من محميّة أرز الشّوف بالتعاون مع نادي الصحافة وبمبادرة من الزميل سعد الياس، صاحب الهمم، يوم سياحي داخلي في ربوع الشوف.

لن اخف عليكم التساؤل الذي جال في خواطر بعض الصحافيين، حول وجه الشبه بين اليوم السياحي الذي قمنا به عام 2018 والذي نقوم به اليوم، في ظلّ الأوضاع التي نعيشها…وسرعان ما جاء الجواب: لا ظروف تقف عائقاً أمام أمل اللبنانيين في العيش، وحبّهم للحياة، وكرمهم وحسن ضيافتهم ووجوههم المتفائلة.

قصر المير أمين

إنطلق الجميع على متن الحافلة الحمراء الشهيرة ذات الطابقين والمكشوفة،  والتي أطلقت عام 2019 بمبادرة من السيدة فيفيان نصر المديرة التنفيذية لشركة “سيتي سايت سينغ لبنان”.  وكانت المحطة الأولى في قصر المير أمين، حيث كانت في استقبالنا رئيسة لجنة مهرجانات بيت الدين السيدة نورا جنبلاط، ورئيس لجنة محمية أرز الشوف شارل نجيم، ومدير المحمية نزار هاني على رأس فريق من المحمية.

وألقت السيدة جنبلاط كلمة ترحيبيّة ركّزت خلالها على مشاريع محميّة أرز الشوف في دعم السياحة الريفيّة وتحسين نوعيّة الخدمات والتسويق للمنتجات المحلية وذلك عبر مشاريع متعددة وشركاء محليين وأجانب، ومن خلال الدور الكبير الذي لعبه سكّان الشوف الذين فتحوا بيوتهم ومزارعهم لاستقبال السياح وتمكنوا من إيجاد بدائل محلية لتأمين الدخل ورفع مستوى المعيشة.

بدوره، تحدث باسم الوفد الاعلامي عضو الهيئة الادارية لنادي الصحافة سعد الياس، الذي شكر رئيسة مبادرة الشوف الأصيل السيدة نورا جنبلاط على دعوتها وتشجيعها لعمل المحمية ولجنة محمية أرز الشوف على دعوتها الكريمة للمرة الثانية بعد ثلاث سنوات، التي يترأس لجنتَها الاستاذ شارل نجيم “الشخص الذي نذر نفسه مع المدير والصديق نزار هاني لتطوير هذه المحمية وتوسيع نشاطاتها لتشمل مبادرة الشوف الأصيل الهادفة الى تنشيط الحركة الاقتصادية والسياحة البيئية، ولتنفيذ مشروع التنمية الريفية وتطوير الحِرف والمأكولات التقليدية التي تتمتع بجودتها ونوعيتها”.

وعبّر المدير العام لوزارة الاعلام حسان فلحة عن أهميّة هذه اللفتة الهادفة التي تساعد على تنشيط الحركة الاقتصاديّة والسياحيّة والتنمية الريفيّة. وشكر كلّ من السيّدة جنبلاط ولجنة المحميّة، مؤكّداً أن “الأمل لن يضيع بقيامة لبنان على رغم تعدّد الانتماءات السياسيّة والطائفيّة والحزبيّة لذلك إعلاء شأن المواطنة وتعزيز الانتماء الوطني على كل ما عداه من الانتماءات الأخرى”.

وبعد انتهاء “الجمعة الحلوة” حول اللقمة “الطيبة” في ساحة قصر المير أمين، توجّهنا إلى قلعة نيحا الأثريّة، حصن الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير، الذي يسمى شقيف تيرون.

قلعة نيحا

على كتف وادي عاري وبسري في أعالي بلدة نيحا الشوفية، تقع قلعة نيحا الطبيعيّة التي تعايش أكثر من قرن مع صلابة المنحدر الصخري، الذي أعيد ترميمه وقدّم موقعاً أثريّاً سياحيّاً. والسبب الأساسي الذي أعاد هذا المعلم إلى الضوء هو تصنيف محمية أرز الشوف عام ٢٠٠٥ من قبل الأونيسكو “محمية مدى حيوي” لتضم محمية أرز الشوف الطبيعية.

تبدو القلعة وكأنّها معلّقة بين السماء والأرض، فالمنظر الذي يراه الزائر لا ير مثله في أي مكان آخر. هذا الموقع الاستراتيجي الذي يشرف على وادي بسري والممر الذي يصل بين صيدا وسهل البقاع، والمجهّز بممر آمن يتيح الوصول إليها يستحقّ الزيارة.

 جباع الشوفيّة

في ساحة القرية، استقبلنا رئيس البلديّة على وقع انغام المجوز من مسنّ شوفيّ أصيل، أطرب آذاننا ونحن نروي عطشنا من عين جباع، ونتهافت إلى طاولة الحلوى والفواكه الخيّرة من كرم أهلها، توت، تفّاح، عنب، خوخ، درّاق، فما أطيب منها إلّا قلوب المستضيفين.

جباع، عليّة الشوف، تتميّز بمياهها الغزيرة ويتعدّى عدد الينابيع فيها عدد أيّام السنة، وصنّفت من بين أهم مناطق الاصطياف لأبناء النبطيّة وصيدا خلال فترة ما قبل الحرب اللبنانيّة، نظراً لتمتّعها بمناخ جاف ومعتدل، ووفرة المطاعم والفنادق فيها.

قرية مرستي

تعتبر مرستي واحدة من بلدات المحيط الحيوي لمحمية أرز الشوف التي كان العامل المساعد بتحويلها الى بلدة سياحيّة بيئيّة عبر العديد من المشاريع، ومن ضمنها بيوت الضّيافة المحليّة التي تستقبل السّائح برحابة صدر، فيشعر وكأنه في بيته.

تتميز مرستي، الأعلى في قضاء الشّوف، بوجود غابة من السنديان المعمّر، وقد ساعد وجود هذه الكميّة الضّخمة من السنديان بالاضافة للعديد من النّباتات الطبيّة والبريّة على انتاج أفضل انواع العسل، وقد أدّت عوامل طبيعيّة عدّة الى تغييب معظم آثار مرستي الطبيعيّة، ولكن بقايا العديد منها بقي صامداً منها المعصرة، والجسرة القديم، والثغرة.

وهي أحد بيوت الضّيافة، استقبلتنا العائلة بحضور رئيس البلديّة، وجلسنا نتحدّث عن أهميّة هذه البيوت في لبنان، وعبّر الاعلامييون عن اعجابهم وتقديرهم لحسن الضيافة وكرم الأخلاق والنفس الذي لمسناه منذ وصولنا الى الشّوف.

وروينا عطشنا  بشراب التّوت والدّبس والأبو صفير وقدّموا لكلّ واحد منّا سحّارة تفاح من خيرات أراضيهم الزراعيّة.

وتعتبر مرستس من أشهر البلدات اللبنانيّة بانتاج التفّاح بالاضافة الى زراعات أخرى كالكستنة والتين والكرز والعنب، وقد ساهمت تربتها الخصبة وينابيعها بتميّز انتاجها الزراعيّ في قضاء الشّوف.

المعاصر

وفي حديقة بيت المحميّة، تعرّفنا على صناعة “البلاط العتيق”، وعن عمليات انتاجه التي تمرّ بمراحل عدّة، تبدأ برسم النّقش بالألوان ليتمّ بعدها ملء القوالب الحديديّة  بكل تصميم بمواد صلبة من الإسمنت والحجر الملوّن ومن ثم كبسها بواسطة المكبس الكهربائي لتخرج منه لوحة فنيّة فائقة الجمال.

وكانت تجربة ركوب الحمير وشرب اللبن مع الفواكه في انتظارنا قبل تناول الغداء في مطعم “الفندق” الرائع، الذي تحوّل من مدرسة الى مركز للـ ARC EN CIEL ثم الى فندق.

وتقول السيدة هدى صاحبة الفندق “بعد المصالحة والعودة عام 1995، حوّل شارل نجيم زوجي، المدرسة الى فندق، بعد أن كان قد سعى في اواخر الخمسينات الرئيس بطرس نجيم في تأسيسها في هذا المكان البعيد، آخر الجبل. فدشّنت المدرسة عام 1962 وبقيت مفتوحة حتى نهاية الحرب وقد بنيت من أموال المتبرّعين من دروز ومسيحيين وقد دوّن على دفتر اسم كلّ من تبرّع بـ”فلس الأرملة” وساهم في بناء المدرسة”.

انتهت زيارتنا للشوف، رقصنا وغنّينا واستمتعنا باللقمة الطيّبة، والأهمّ من ذلك، شعرنا جميعاً وكأننا في يوم “انخطاف” نسينا خلاله همومنا الشخصيّة وهمومنا العامّة كلبنانيين، نسينا الدولار وارتفاع سعر الصرف الجنوني، وعدنا حاملين معنا ذكريات وصور تبادلناها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، آملين أن نعاود الكرّة، فنتنشّق مع الهواء النظيف، أمل بغد أفضل…