IMLebanon

الإنحطاط النفسي عند اللبنانيين

كتب د. أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”: 

الكثير من اللبنانيين، وبسبب الاحوال «السوداوية» التي نمرّ فيها، يستيقظون في الصباح، «ما عندن خلق لشي». يشعرون بالتعب الجسدي مرافقاً مع التعب النفسي. كما يعبّرون عن إنحطاط في كل أعضائهم والشعور بالغثيان والتقيؤ وعدم التوازن النفسي والجسدي… وإذا قام أي لبناني بأي عمل أو نشاط، يشعر بشكل سريع بالتعب والإرهاق ولا يستطيع تكملة مهامه. هذا كله يُسمّى بالإنحطاط النفسي الذي يشعر به الجميع، الكبير والصغير، وسببه الحالة السياسية والإقتصادية في البلد. وأعتقد بأنّ الحالة التي وصل إليها اللبنانيون هي جريمة أخرى (إلى جانب جريمة المرفأ)، ويجب محاكمة كل شخص مسؤول أوصل اللبناني إلى هذه الحالة النفسية المزرية.

لأسباب إقتصادية وسياسية ومعيشية وغيرها… جميع اللبنانيين يمرون بمرحلة نفسية صعبة جداً، وهنا لا أشير فقط الى الإكتئاب أو القلق من المستقبل، بل أتكلم عن الإحباط النفسي الذي ينخر كل لبناني لديه أمل ببلده. ولكن للأسف، معظم اللبنانيين فقدوا هذا الأمل والثقة ببلدهم، وهذا أمر مقلق، إذ ليس أصعب من أن يفقد الإنسان إنتماءه لبلده. والأخطر من ذلك، أنّ الأطفال اللبنانيين لا يعبّرون عن الحالة التي وصل إليها بلدهم، ولكن الأكيد منه (كمحلل نفسي)، أنّ معظم الأطفال، كأهلهم (وخصوصاً المراهقين) فقدوا الثقة ببلدهم، وجميعهم في مرحلة التخبّط النفسي و«الإنزلاق».

الإنحطاط ما بين النفس والجسد

الإنحطاط هو الشعور الدائم بالتعب الجسدي والنفسي. وهو نوع من «الكسل» الذي يحوّل المريض إلى شخص «متعب» و»مرهق»، ولا يحب المشاركة في الحياة اليومية. وعند تشخيص الإنحطاط، يقوم الطبيب العام أو الطبيب النفسي في إستبعاد الأسباب الفيزيولوجية المسببة للإنحطاط (نقص الحديد، إضطرابات الغدة الدرقية…). والإناث هن معرضات أكثر من الرجال للشعور بالإنحطاط، وهو يظهر ما بين سن الـ25 والـ45. ويمكن أن تستمر أعراض الإنحطاط لشهور وصولاً إلى سنوات عدة (ونتكلم هنا عن الإرهاق المزمن)، ما يتحوّل إلى إكتئاب إذا لم يعالج المريض آفات الإنحطاط.

ويظهر الإنحطاط على شكل أعراض شبيهة بالزكام (تعب جسدي، خمول…) وبعد ذلك تظهر أعراضه الأساسية، وهي التالية:

أولاً، تعب شديد ومزمن طوال الوقت، وهذا التعب لا يزول حتى لو استسلم المريض إلى الراحة. والجدير بالذكر، أنّه إذا قام المريض بأي مجهود، يشعر بتعب كبير.

ثانياً، آلام مفصلية في مختلف أنحاء الجسم. وهذه الآلام تظهر وتختفي من دون أي سبب ظاهر.

ثالثاً، إرتفاع حراري عند المريض، وعادة هذه الحرارة لا سبب فزيولوجياً لوجودها.

رابعاً، ضعف عضلي وألم مع نوبات من الصداع. هذه النوبات والآلام تتكرّر عند المريض.

خامساً، إضطرابات في النوم، وهذه من أهم أعراض الإنحطاط.

سادساً، العصبية وكثرة النسيان وعدم القدرة على التركيز والإحساس بالحزن وصولاً إلى الإكتئاب…

الإنحطاط وإضطراب النوم

الكثير من اللبنانيين يعانون في الفترة الحالية من إضطرابات النوم التي يمكن أن تنقسم إلى فئات عدة: النوم المتقطع، النوم لعدد محدّد من الساعات، النوم مع الكوابيس، الإستيقاظ في ساعة مبكرة جداً من الصباح، كثرة النوم (يتخطّى الشخص 14 ساعة نوم في اليوم الواحد)، ومن المعروف أنّ قلّة النوم تؤدي إلى تعب الجسم والشعور بالإرهاق العابر. ولكن في حالة الإنحطاط، يتأثر النوم بشكل مباشر، حيث تتقلّص عدد ساعات نوم المريض مع شعور دائم بالتعب حتى بعد الإستيقاظ من النوم.

ويجب أن يراقب المريض نفسه للتأكّد ما إذا كان يعاني من الإنحطاط أو من إضطرابات أخرى تؤثر على النوم. مثلاً، الإكتئاب الشتوي (أو الإكتئاب الفصلي)؛ كما تورّم الغدد اللمفاوية والصداع الشديد والإلتهابات في مختلف أجزاء الجسم، وبعض الأدوية… كلها تؤثر في الإنسان وتجعله فريسة سهلة للإنحطاط.

كيف يمكننا مواجهة الإنحطاط؟

عند الشعور بالإنحطاط لأكثر من أسبوع، يجب التوجّه عند الطبيب لمعرفة سبب الإنحطاط، أكان سبباً فيزيولوجياً أو سبباً نفسياً.

إذا كان السبب فيزيولوجياً، يقوم الطبيب بواجباته لمساعدة المريض لتخطّي الإضطراب الذي يشعر به. وإذا كان السبب نفسياً، يمكن أن يقوم المريض ببعض التعديلات في نمط حياته:

– الإبتعاد عن كل المنبّهات في وقت العصر أو الليل. ومن هذه المنبّهات القهوة أو المشروبات الغازية الغنية بالسكر. فالكافيين يقلّل من عدد ساعات النوم، وذلك يساعد في الشعور بالإنحطاط.

– ممارسة الرياضة بشكل يومي، من دون إرهاق الجسم. ويمكن للشخص الذي يشعر بالإحباط أن يبدأ بممارسة الرياضة لدقائق عدة. ثم كل يوم، يزيد وقت الممارسة حتى الوصول إلى حوالى 30 دقيقية يومياً.

– تناول الطعام الصحي والإبتعاد عن جميع الأطعمة الغنية بالدهون. ولا يجب أبداً تجاوز الوجبات الغذائية، بل إحترام الوجبات الاساسية مع وجبتين صغيرتين مؤلفتين من الفواكه.

– ممارسة النشاطات التي يحب أن يقوم بها المريض، كالرقص والرسم وسماع الموسيقى… كما إستبدال المشروبات المنبّهة أو الكحولية بالزهورات واليانسون…

– الإسترخاء من خلال التدليك الطبي المناسب، والإستحمام بمياه معتدلة الحرارة وزيادة ساعات النوم، للتعويض عن الساعات المفقودة خلال أيام الأسبوع.

– خلال وقت الإستراحة، لا يجب إستعمال الخليوي أو القيام بأية نشاطات يومية، مثلاً إستعمال الحاسوب أو القيام بأعمال روتينية. بل يجب الإسترخاء كل يوم في غرفة معتدلة الحرارة والإستلقاء على الأرض وعدم التفكير بمشاكل الحياة، بل التفكير بمواضيع إيجابية.