IMLebanon

لماذا احتفظ الجيش وحيدًا بالمظلة الدولية؟

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:

ليس صعباً على من راقب التطورات المأساوية التي انقاد إليها لبنان في الثلث الأخير من العام 2019 من رصد الازمة النقدية التي واكبت انتشار جائحة كورونا وانعكاساتها. ولم يكن ينقص اللبنانيين سوى تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020، لتنطلق قوافل الدعم الدولية بوجوهها الانسانية لمواجهة ترددات النكبة، وسط حصار دولي وقطيعة شبه شاملة مع اهل الحكم. والملاحظ انه لم يُستثن منها سوى الجيش. فلماذا احتفظ الجيش بالمظلة الدولية؟

منذ ان تلاحقت التقارير التي وضعتها المؤسسات الدولية المتخصصة بتصنيف المؤسسات المالية والمصرفية وتلك الخاصة بحجم الدين العام وكلفته والسياسة الضريبية المعتمدة التي سمحت باستغلال القوانين لممارسة التهرب الضريبي، عدا عن تلك التي تستفيد من الفساد الذي نَخر المؤسسات المالية والعقارية وشبيهاتها من تلك التي تلامس قضايا الناس اليومية، إضافة الى استغلال الظروف في المناطق التي غابت عنها المؤسسات الرسمية ومظاهر الدولة فباتت مرتعاً للمهربين والخارجين على القانون ومن امتهنوا تبييض الأموال بالممنوعات الى درجة انعكست على مدخول الدولة وماليتها فباتت عرضة للانهيارات المتوقعة.

لم يكن لكل هذه التحذيرات آذان رسمية صاغية تعي خطورة ما يمكن ان يؤدي اليه التمادي في نفس السياسات المعتمدة والتغاضي عن حرمان الخزينة من حقوقها من المال العام، عدا عن الاستراتيجية التي قادت الى الاعتماد على المزيد من الديون في مواجهة ما تحتاجه البلاد في ظل فقدان ما يضمن للدولة من حقوق مهدورة، إضافة الى الفلتان في القطاعات العامة ومشاريع الانماء والاعمار التي فرضتها مرحلة خروج البلاد من مجموعة الحروب التي عاشتها وصولاً الى نتائج حرب تموز 2006 وحجم الدمار الذي طال قطاعات واسعة، ولا سيما تلك التي تتصل بالبنى التحتية من كهرباء وشبكات صرف صحي وماء والتي تطلّبت دعما عربيا ودوليا أدى الى اعادة ترميم ما يمكن ترميمه بالحد الأدنى الممكن.

فكل ما تطلّبته تلك المرحلة لم يكن متوفراً من مداخيل الدولة وقدراتها المالية الهزيلة، فاستيعضَ عنها بمؤتمرات الدعم والهبات العربية والغربية والاممية وتلك التي جاءت بها قروض البنك الدولي والمؤسسات الدولية والصناديق الدولية والعربية المانحة. حيث بقيت هذه الامور على حالها حتى اشتدت الازمات الدولية واقتربت النيران من لبنان بفعل تطورات الحرب السورية التي ألقت بظلالها على مستوى حجم النزوح الذي تجاوز قدرات الدولة المضيفة، في وقت كانت فيه مداخيلها قد تراجعت الى الحدود الدنيا بفعل السياسات التي قادت لبنان الى نوع من الحصار العربي والخليجي تحديداً، إثر تدخل فئة لبنانية في الحرب السورية وانخراطها في حلف دولي يناهض مجموعة دول الخليج العربي التي طالبت الحكومة اللبنانية، بعد انخراط لبنان في الحلف الدولي في مواجهة الإرهاب بعد الاعلان عنه في 11 ايلول 2014، بالعودة الى منطق النأي بالنفس والابتعاد عن المحور الإيراني في مواجهة دول الخليج العربي.

ولمّا لم يفلح لبنان بالعودة الى سياسة النأي بالنفس التي اعتمدت لفترة طويلة، انغمسَ من خلال سياسته الخارجية بعد العام 2016 في محور الممانعة رغم توجه الرئيس ميشال عون في أول زيارة خارجية له بعد انتخابه رئيسا للجمهورية الى الممكلة العربية السعودية، ولكنها بقيت من دون متابعة بعدما استمر وزير الخارجية جبران باسيل في تلك الفترة بتوجهاته السابقة داعيا الى عودة سوريا الى الجامعة العربية، ولم ينصره سوى وزيري خارجية العراق والجزائر إبّان اجتماعهم في تشرين الاول 2017 عشية المؤتمر الذي نظمته حكومة أبو ظبي في الشهر عينه. وتراجعت نسبة المواقف المؤيدة للبنان في دول الخليج وحلفائهم، وبدأت برامج عقوبات انتهت بإبعاد لبنانيين من دولهم الى بيروت بعد اتهامهم بتمويل «حزب الله».

ومع المزيد من تدهور الاوضاع الاقتصادية انفجرت ثورة شعبية في 17 تشرين 2019 بعدما تراجعت قدرات لبنان المالية، وسارعت الحكومة اللبنانية في 9 آذار من العام 2020 الى وقف دفع ما يتوجب على لبنان من الفوائد على سندات اليوروبوندز للمرة الاولى في تاريخها. فتدهورت الأوضاع النقدية بسرعة قياسية الى ان بلغت اسعار الدولار ارقاماً خيالية خلال فترات قياسية حتى الأيام الأخيرة.

وعلى وقع هذه الازمات المتتالية سارعت الدول الغربية الى دعم الجيش اللبناني مخافة انهيار المؤسسة العسكرية، باعتبارها الضامنة الاولى للامن والاستقرار في لبنان، بعدما تراجعت القدرات الشرائية للضباط والعسكريين. وأطلقت برامج دعم للمؤسسة العسكرية وباقي القوى الامنية بنسب مختلفة من ضمن مسلسل المؤتمرات التي عقدت في روما عامي 2017 و2018، قبل ان تقدّم دولاً عدة ومنها الصين هبة لمواجهة ازمة كورونا بهدف تقديم اللقاح لأفراد المؤسسة العسكرية.

وعلى هامش هذه التطورات سارعت دول عدة الى تعزيز برامجها المالية السنوية المخصصة للجيش، فأطلقت دفعات كبيرة من الدعم حملت مئات الأطنان من المواد الغذائية من مصر والمغرب وقطر وعززت فرنسا وبريطانيا وألمانيا من برامجها. وبقيت الخطوات فردية ومبعثرة إلى ان نظّم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مؤتمرا افتراضيا خاصا بدعم الجيش في 17 حزيران الماضي، بعد اسابيع قليلة على لقائه مع قائد الجيش العماد جوزف عون. وبالفعل، فقد شكل المؤتمر نمطا جديدا لطريقة تقديم المساعدات وتنويعها ووضعت آلية منظمة قالت بتكليف سفارات الدول الداعمة للتنسيق مع الجيش عبر الملحقين العسكريين لمحاكاة حاجاته على مختلف المستويات بدقة متناهية ومنتظمة، فلا تتضارب الهبات والمساعدات سواء كانت تتصل بحاجته الى المواد الغذائية او التسليح بما فيها توفير قطع الغيار لآليات الجيش وأسلحته المختلفة عدا عن الدعم المالي المباشر، وهي آلية ستنطلق خطواتها العملية من منتصف اب الجاري لتبلغ الذروة في ايلول المقبل.

على كل حال، وبعيداً من كل التفاصيل يُنبىء ما يجري على مستوى دعم المؤسسة العسكرية ان الدول الداعمة للبنان تجاوزت من خلال برامجها الخاصة به، الملاحظات السلبية التي حالت دون استخدام المؤسسات والوزارات اللبنانية المكلفة بشؤون الاغاثة. فلجات امّا الى تأسيس مؤسسات خاصة بها او انها لجأت الى الجمعيات الخيرية الدينية والمدنية ومن المجتمع المدني لتوفير الدعم المباشر للمنكوبين نتيجة تفجير المرفأ، كما بالنسبة الى مواجهة نسبة الفقر لمقارعَة الحالات في القطاعات الصحية والدوائية كما التربوية.

اما في ما يخص الجيش اللبناني، فقد بات واضحا ان الرهان الدولي على الجيش والقوى الامنية لضمان الحد الادنى من الامن والاستقرار في لبنان هو الراجح، بعيداً من فشل السلطة في لبنان في إدارة القطاعات الاخرى. وعليه، لا ينسى المراقبون المواقف الاميركية والاوروبية والغربية التي عقدت رهانها على المؤسسات العسكرية وهو ما ابقى المظلة الدولية الحامية فوق المؤسسة العسكرية دون غيرها من المؤسسات الادارية المختلفة، على قاعدة ان الاستثمار في الامن هو الاجدى الى ان تثبت المؤسسات الحكومية والادارية قدرتها على اعادة ترتيب أوضاعها لتجاوز الازمات الاخرى. والى حينه لا يمكن التلاعب لا بالأمن ولا بالاستقرار الذي تضمنه المؤسسة العسكرية وزميلاتها الامنية.