IMLebanon

لبنان إلى أكثر من “الموت السريري” والعيْن على “التعب الأمني”

 

يواجه اللبنانيون «حفلة الشواء الوطنية»، مع اقتيادهم إلى «جهنم»، بفائض من الذهول… ذهول ما بعده ذهول. ليس في الأمر إنكار لواقعٍ أَمَرّ من المُرّ بقدر ما هو ذعرٌ ينطوي على عدم تصديق ما حلّ بتلك الجوهرة التي تَفاخروا طويلاً بفرادتها، والتي اسمها لبنان.

الوطن الذي يُلاعِب بقدميه أمواج المتوسط ويلهو بالشيْب المتربّع بياضاً فوق كتفيْه تحوّل فجأة مستودعَ بؤسٍ وشقاءٍ ويأس وموت وجوع… لم يَعُدْ موته سريرياً، فها هي الحياة فيه تكاد أن تلفظ أنفاسها… كأنه غوانتانامو كبير مَن فيه مفقود والخارج منه مولود.

 

أكثر من نيرون تَكاتَفَ لجعْل الوطن – اللؤلؤة مجرد خردة مرمية على قارعة الانتظار، فوق طاولات المقايضات وتحتها… شهوات سلطة ومشاريع ايديولوجية جعلت دولةً بمَن فيها وليمةً أَكَلَها التنّين… لا مال ولا وقود، لا اقتصاد ولا استشفاء، لا حركة ولا بركة، لا استقرار ولا من يحزنون.

ليس أدل على الـ «نيرونية» من بقاء لبنان، الذي تحوّل «وطن طوابير»، بلا حكومة منذ عام وأكثر من شهر. فمَن بيدهم الحل والربط ربما يتلذذون باستغاثة المستشفيات التي تصرخ بأن مرضاها على مشارف الموت، وكأنهم لم يرتووا من القتْل الجَماعي في مرفأ العاصمة المنكوبة وفي عكار أرض الفقراء والحرمان.

ثمة انطباعات في الكواليس السياسية بأن عملية تشكيل الحكومة تتقدم إلى الخلف. فـ «الودّ الموهوم» بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي لم يعد يخفي «عض الأصابع» الدائر خلف الستائر، وسط انطباع بإن ما أطاح بالرئيسين المكلفين سابقاً مصطفى أديب وسعد الحريري سيطيح ميقاتي على الأرجح.

ويتزايد الاعتقاد مع دخول مهمة ميقاتي شهرها الثاني اليوم بأن الصراع الدائر فوق الهشيم اللبناني، يتجاوز عملية تشكيل الحكومة التي لا تعدو كونها واحدة من أدوات الاحتراب المحلي – الإقليمي المرشح نحو فصول أكثر إثارة، ليس أقلها ضراوة الارتطام الكبير وتداعياته على الأمن والنظام.

ثمة تقارير «سباقة» ترسم علامات من القلق الشديد على الواقع الأمني في البلاد وخطر انهياره… فأزمات الدواء والبنزين والمازوت، والمياه والمأكل والمشرب والاستشفاء والبطالة والعوز… كلها صواعق تهدّد بانفجار كبير يصعب التكهن بشرارته الأولى أو بـ «عود ثقابه»، كما بمآلاته.

وتتزامن هذه المخاوف مع كلامٍ في الغرف المقفلة عن «تَعَب الجيش والقوى الأمنية» التي تقوم بأدوار هائلة تعويضاً عن تَلَهّي السلطة السياسية بمشاريعها الخاصة وترْك البلاد في انزلاقها المُتَدَحْرِج نحو قعرٍ جهنّمي، وهو ما يُخشى معه تَرَهُّل دور المؤسستين العسكرية والأمنية وتَراجُع فاعاليته.

فرغم تَعاظُم المهمات المنوطة بالجيش والقوى الأمنية إلى حدّ تحوّلها أخيراً إلى «حرّاس» لمحطات الوقود، فإنها لم تحظَ بالدعم الذي يمكّنها من الصمود، خصوصاً ان المساعدات التي أُقرَّت في مؤتمرات الدعم، إما إنها لم تصل وإما إنها اقتصرت على المواد الغذائية، وتالياً فإن أوضاعاً صعبة تلمّ بالمؤسستين.

ولعل قصة ما قيل عن انتحار المعاون أول في قوى الأمن الداخلي ش. فرح برصاصة في الصدر صارخة إلى الحد الذي يكشف حجم المأساة التي تطول المدنيين كما العسكريين في بلاد فقدت أدنى شبكات الأمان، وهو الذي نشر رسالة على مواقع التواصل الاجتماعي جاءت معبرة.

قال فرح، الذي لم يكن اسماً على مسمى «بدي أحكي كلمتين عالسريع. نحن كسلك عسكري بعدنا منقبض الراتب نفسه. وقت لي كانت ربطة الخبز بـ1500 (ليرة) وتنكة البنزين بـ 20000 ووقت لي كان أجار الفان من بعلبك عبيروت 5000 صار 40 و50 ألفاً. كنا نشتري بنطلون 50 ألفاً صار أقل شي 300000، بوقت كنا نشتري سندويش بالخدمة بي 5000 صار حقا 30000، إزا شفرة الحلاقة كانت 500 صارت 8000. لأيمتا بدو يضل الوضع هيك؟ لأيمتا بعد فينا نتحمّل؟».

وعلى وقع هذه المآسي المتمدّدة، تتجه الأنظار إلى اللقاء الرقم 13 الذي ينعقد اليوم بين عون وميقاتي والذي طلب الأخير إرجاءه بعدما كان مقرَّراً أمس في ما بدا حرصاً على أمرين:

الأول رمزيةُ أن يتزامن مع طي التكليف شهره الأول بما يعطي الكلام الذي سيقال بَعده بُعداً أكثر أهمية تحت السقف الذي رسمه ميقاتي بأن «مهلة التأليف ليست مفتوحة».

والثاني إفساح المجال أمام مزيد من الاتصالات دخلت على خطها باريس قبل أن يحمل ميقاتي معه إلى القصر الجمهوري تشكيلة كاملة بالحقائب والأسماء وفق معاييره التي ترتكز في جانب رئيسي على رفْض منْح أي مفتاح تعطيلي مباشر أو مقنّع لأي طرف وتحت أي عنوان أو لأي حسابات، انتخابية أو رئاسية أو غيرها، لأن في ذلك «تسليم رأس» الحكومة الجديدة وزرْع عبوة تفجيرها من داخلها وتالياً الإطاحة بما يَعتقد أنه مهمة غير مستحيلة للإنقاذ لا يريد أن تُزنّر بحزام ناسف لإنتاجيتها المطلوبة وبمنسوبٍ وسرعةٍ يتناسبان مع سرعة الانهيار الكبير.

وعشية هذه الزيارة، كانت المؤشرات تشي بأنها لن تكون حاسمة على طريقة إما التشكيل الذي لم تنضج ظروفه بعد داخلياً وخارجياً، وإما الاعتذار الذي يُحسب بالتداعيات الكبرى لِما بعده، وسط توقُّف أوساط مطلعة عند ما أوردتْه قناة «او تي في» (تابعة للتيار الوطني الحر اي حزب عون) في نشرتها مساء الثلاثاء والذي عكس استمرار لعبة «ليّ الأذرع» الحكومية بقولها إن «المهمات السياسية لم تنجح حتى اللحظة في تجاوز الأمتار الأخيرة المتبقية التي أعلن الرئيس ميقاتي أنها تفصلنا عن تشكيل الحكومة.

فالبعض في كواليس المشهد لا يزال يراهن كما يبدو على تعب أو ملل، أو ربما على شعور بالضعف، قد يدفع إلى تنازلات معينة، لم تؤخذ يوما ولن تؤخذ أبداً، طالما لا تتطابق مع الثلاثية الشهيرة: الدستور والميثاق والمعايير الواحدة، فضلاً عن المشروع الإنقاذي الواضح».

وأعقب ذلك، ردّ «التيار الحر» أمس على «الضخّ السياسي والاعلامي المشبوه والكاذب عن تدخّل رئيسه النائب جبران باسيل في المسار الحكومي، تارة على شكل مزاعم عن قيادته التفاوض، وطوراً عن مطالبات منسوبة زوراً اليه بثلث معطّل أو بمقاعد وزارية مثل الخارجية والشؤون الإجتماعية وغيرهما»، نافياً «أي تدخّل للنائب باسيل أو تفاوض او حتى أي رغبة لديه في الخوض في المسار الحكومي، سوى تسهيله سياسياً وإعلامياً عملية التشكيل، وتشديده مراراً وتكراراً على أهمية الإسراع بالتشكيل، هذا الأسبوع إن أمكن».

وفي موازاة ذلك، كان الرئيس ميقاتي يرسم سقفاً لأثمان أي فشل أو إفشال لمهمّته على قاعدة أن «الخيار الآخَر البديل عن تشكيل حكومة جديدة هو المزيد من الانهيار وتكريس تصنيف لبنان دولة مارقة وفاشلة» وفق ما أبلغ جريدة «النهار»، وهو ما يترافق مع مناخاتٍ متزايدة إلى أن الرئيس المكلف الذي يخوض غمار «مغامرة» التشكيل بتفويض من رؤساء الحكومة السابقين وتحت عباءة دار الفتوى يدرك أن أي إعلان نعيٍ لمهمته سيعني فتْح أبواب مرحلة أخرى تماماً في تعاطي المكوّن السني مع الملف الحكومي برمّته.

وفي هذا السياق، تبرز أجواء عن أن ميقاتي سيكون الشخصية الأخيرة التي تغطيها الطائفة السنية التي ستعتبر أي إصرارٍ على الشروط القديمة التي أطاحت بمهمة الحريري وقبله أديب هي بمثابة إعلان رفْض للشراكة الوطنية سيرتّب نمط مواجهة مزدوجاً، «بما يلزم» مع أي شخصية سنية تقبل مهمة التكليف، وبما يجعل مطلب استقالة رئيس الجمهورية أمراً بدهياً قد يخاض على أكثر من محور.

وهذا ما يجعل الرئيس المكلف يتأنى في خطواته، ثابتاً على رؤيته للحكومة القابلة للعيْش وتحقيق المطلوب داخلياً وخارجياً، وفي الوقت نفسه تاركاً الباب موارباً أمام اعتذار «آخر الدواء الكي» بحال لم تنجح آخر محاولات تدوير الزوايا المتعلقة خصوصاً بالوزيرين المسيحيين المتممّيْن لثلثٍ معطّل سيؤول إلى عون وفريقه بحال تولى تسميتهما أو كانت له حصة الأسد فيهما ولو غُلّف ذلك بعنوان الميثاقية والمناصفة.
https://www.alraimedia.com/article/1551111/خارجيات/لبنان-إلى-أكثر-من-الموت-السريري-والعين-على-التعب-الأمني