IMLebanon

حكومة عون برئاسة ميقاتي في مرمى انتكاسة مبكّرة

 

دخل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المشهدَ السياسي من الباب العريض عبر رئاسة الوزراء، وأحاط دخوله بهالةٍ فرنسية وجو دولي مرحّب به. لكن دخوله كان وحيداً حتى الآن، من دون الحكومة التي ما زالت واقفة متعثّرة تبحث عن دور لها، فيما يبدو واضحاً أن رئيس الجمهورية ميشال عون يتقدّم ويقبض على المشهد الحكومي من دون أي معارضة.

العنوان الأساسي للحكومة هو أنها حكومة الإشراف على الانتخابات النيابية. لكنها فعلياً، وبخلاف ما ينص عليه الدستور في تحديده قانون الانتخاب من بين المواضيع الأساسية التي يفترض أن يبحثها ويقرها مجلس الوزراء، لم تقارب هذا الملف بعد، وكأنها غير معنية به، في موازاة الشق التقني المتعلّق بتدابير وزارة الداخلية.

 

بل هي تتعمّد ترْك البحث في القانون والثغر أو التعديلات فيه إلى البرلمان، على افتراض أن القوى السياسية ممثَّلة في مجلس النواب، ولا ضرورة كي تنشغل به الحكومة، التي لم يكد أعضاؤها يتسلّمون مهماتهم حتى حزم بعضهم حقائبه للسفر والجولات الخارجية.

ورغم انصراف الحكومة عن التعامل من منطلق دستوري مع قانون الانتخاب، فإنها في المقابل تبدو متمهلة في مقاربة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بالجدية المطلوبة. فبحسب تصريحات ميقاتي من باريس وبيروت، يفترض أن تكون أولويات الحكومة التفاوض مع هذه المؤسسة المالية الدولية. لكن بات معلوماً أن التفاوض شيء، والتوقيع على الاتفاق شيء آخَر.

ومع توقُّع ترحيل توقيع الاتفاق إلى ما بعد الانتخابات النيابية، فإن الحكومة الحالية تكون تخلّت عن مهمتها الثانية، التي جرى الترويج لها بأنها ستكون مخصصة لمعالجة الملفات الاقتصادية استناداً إلى تشكيلتها من «الاختصاصيين» الذين يفترض بهم مقاربة الهموم الاقتصادية الكثيرة التي يعيشها اللبنانيون، ما يطرح السؤال حول مهمة الحكومة الحالية بما هو أبعد من إطارها السياسي الغالب حتى الآن.

فواقع الأمر أن هذه الحكومة، ما زالت إلى الآن تفتش عن دور لها، بعدما ظهر أنها مجرد واجهة لتطبيع الأمر الواقع سياسياً ومن ثم اقتصادياً من خلال امتصاص النقمة الشعبية عبر معالجاتٍ جزئية وموْضعية، في حين أن الوُجهة الحقيقية لها أنها تُكَرّسُ تَقَدُّمَ رئيس الجمهورية على رئاسة الحكومة.

وتلفت مصادر سياسية في هذا السياق إلى أن ما يجري حالياً بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، هو أقرب إلى ترجمة الاتفاق غير المعلَن الذي أبرمه الطرفان قبل تشكيل الحكومة.

وهذا الاتفاق على ما بدأ يظهر تباعاً، كان سلسلة تفاهمات على طريقة «التبادُل». لكن التبادُل حصل من طرف واحد، أي مجيء ميقاتي إلى رئاسة الحكومة، في مقابل غض نظره عن مطالب حزب الرئيس عون أي «التيار الوطني الحر»، وموافقته على برْمجة كاملة لملفات عالقة ولإعادة تثبيت ما يعتبره الوريث السياسي لعون، النائب جبران باسيل بمثابة مسلَّمات.

ففي ملف الكهرباء بات الطريق مفتوحاً نحو إعطاء سلفة جديدة للكهرباء وهو المطلب المزمن لفريق عون، مترافقاً مع عدم تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء، استجابةً لإصرار «التيار الحر»، والمفارقة أن ميقاتي كان واضحاً في باريس بأن حزب الرئيس عون يرفض هذه الهيئة.

وفي المقابل استعاد تيار عون حضورَه السياسي الذي يفرض إيقاعَه في ملفات سبق أن عُلِّقت في حكومتي الرئيس سعد الحريري وحسان دياب، ومنها التعيينات التي ستكون على جدول الأعمال تباعاً.

فالغاية من الحكومة الحالية هي تطويق احتمال بقائها إلى ما بعد الانتخابات إذا أُجريت، أو بقائها إلى نهاية ولاية عون إذا لم تُجْرَ.

وهذا يفترض إقامة شبكة أمان في المؤسسات كافة، وهو الأمر الذي يمهّد له رئيس الجمهورية ولا سيما في مواقع أساسية في الإدارات العامة والوزارات التي تتبع حالياً لعون وفريقه.

وإذا كانت «صفقة التبادل» تتم خطوة بخطوة، فإن الواضح أن رئيس الجمهورية يحقق ما يريده تبعاً لذلك. فهو أبعد الرئيس سعد الحريري عن الحكومة وعن المشهد السياسي الحالي، بحسب ما يظهر من الانكفاء الذي يعيشه زعيم «تيار المستقبل» الآن، وأتى بميقاتي من قلب نادي رؤساء الحكومة السابقين، لكن بشروط عون، وبتوافق مع الرئيس نبيه بري و«حزب الله».

وسحب بذلك من نادي الرؤساء حتى الآن أي رد فعل تجاه ميقاتي حول صلاحيات رئيس الحكومة، رغم أن هذا النادي ومنهم ميقاتي كان يرفع هذا الشعار كلما مسّ عون بصلاحيات رئاسة الحكومة.

إضافة إلى أن رئيس الجمهورية أطفأ عبر الإتيان بميقاتي فتيل جوّ الصِدام مع الشارع السني ما يحول دون قيام أي تكتلات ضده مجدداً بمجرد المجيء بحمائم لا بصقور في الحكومة، المحسوبين على الفريق السني.

وهذا يعني، في رأي هذه الأوساط، انه في مقابل رئاسة الحكومة، حصل عون على ما يريده في إدارة اللعبة السياسية محلياً.

وقد بدأ ينشط أخيراً مع «التيار الحر» في إظهار تقدم لافت بعد تَراجُعٍ في الأداء لشهور خلت.

والواضح أن عون يستفيد مجدداً من تنشيط الاتصالات الخارجية معه من خلال حركة موفدين سياسيين وديبلوماسيين غربيين، على إيقاع التحذيرات المتتالية من خطورة انزلاق لبنان نحو انهيار أكثر شمولية.

وهذا ما يفتح الباب أمام العهد في انطلاقة عمل متجددة عبر الديبلوماسية الغربية، كما حصل بعد انفجار المرفأ قبل أكثر من عام حين اعتبر الانفجار «فرصةً» لفك العزلة عنه، فيعيد تلميع صورته على مشارف السنة الأخيرة من الولاية الرئاسية، مرتاحاً إلى حد كبير إلى رئيس حكومة من الخط السياسي نفسه.