IMLebanon

لا خلاص إلا بالجيش

يقبع لبنان في المربع الاخطر على الاطلاق منذ عقد من الزمن واكثر. فالانهيارات المتتالية فصولا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وماليا بلغت اوجها بفعل ممارسات المنظومة الحاكمة، لكنّ كل ذلك في كفة والامن وحده في الكفة الاخرى. ذلك ان فصول المواجهات التي اتخذت طابعا مذهبيا في الاونة الاخيرة من خلدة الى شويا فالطيونة، وإن تم تقليص حجم تداعيات الحادثتين الاولتين ومعالجة ذيولهما “بالتي هي أحسن” بيد ان ما خلفته اشتباكات الطيونة لا يبدو في وارد التقليص، لا بل التوسع والتمدد بعدما حرك العصبيات الطائفية الى الحد الاقصى لا سيما في ضوء  الاستنسابية في الاستدعاءات التي بلغت معراب دون سواها من الافرقاء المفترض تورطهم في يوم 14 تشرين، ما حرّك  الشريحة الاوسع من الراي العام المسيحي اعتراضا وما يتهدد بمزيد من الانزلاقات ان لم تعالج القضية وفق السيناريو التسووي المعهود.

والاخطر، بحسب ما تقول اوساط سياسية معارضة لـ”المركزية” ليس استهداف جعجع وحده من دون استدعاء مسؤولي سائر الاحزاب المتورطة وتحديدا امل وحزب الله، وقد اثبتت الفيديوهات المنتشرة عناصرهما بكامل اعتدتهم العسكرية يطلقون النيران ويعتدون على احياء عين الرمانة، بل ما يكمن خلف الاستدعاء من نية لفرض “سلبطة” حزب الله على ما تبقى من الدولة واجهزتها خارج دائرة نفوذه، ورفع مستوى غطرسته خصوصا ان  تهديداته لم تفلح في قبع المحقق العدلي القاضي طارق البيطار وقد تلقى ضربة اضافية امس من خلال ما قرره مجلس القضاء الاعلى قاطعا الامل القضائي بتنحيته بعدما انقطع سياسيا عبر مجلس الوزراء، بحيث توحي ممارساته انه مستعد لاعتماد آخر السبل ان لزم الامر لكسر كل من يعرقل او يرفض مشروعه المفروض على لبنان وشعبه، ولو بالسلاح هذه المرة، وما الكشف عن المئة الف مقاتل من عناصره الا توطئة لهذا المسار، من دون ان تستبعد بلوغ سقف المواجهة المؤسسة العسكرية التي تضعها معراب بحسب مصادرها خارج اللعبة المشار اليها، وتتخوف الاوساط المعارضة من ان يعمد الحزب “المحشور” الى تفجير الوضع للتأكيد انه الورقة الصعبة والاساسية في المعادلة اللبنانية وفي صلب اي قرار او حوار او تفاوض، ما يسمح له باعادة استثمار ملف لبنان وتوظيفه حيث يجد مناسبا، وعدم الاستهتار بدوره الامني وتعطيل مخططات المنطقة اذا تم استبعاد نفوذ ايران عن لبنان وسوريا والعراق، استنادا الى التسويات الجاري العمل على ابرامها في الاقليم.

ولتعزيز مخاوفها هذه، تؤكد الاوساط ان شخصيات سياسية ومن مختلف القطاعات الاقتصادية والمالية والامنية، اتخذت بعد احداث الطيونة- عين الرمانة، احتياطات احترازية استثنائية وقلصت من تنقلاتها واتخذت المزيد من الاجراءات والتدابير بناء لطلب من الاجهزة الامنية ومن جهات خارجية تملك معلومات امنية بأن المرحلة المقبلة في لبنان دقيقة ومحفوفة بالخطر وقد تشهد عمليات امنية وحوادث اغتيالات وتصفيات ما يوجب على هؤلاء اتخاذ اقصى درجات الحيطة والحذر.

وليس بعيدا، تستغرب الاوساط المعارضة  شديد الاستغراب محاولة تجريم عنصر من الجيش لردعه الاشتباك المسلح والقيام بواجبه الوطني والعسكري تنفيذا لاوامر قيادته، سائلة هل المطلوب ان ينسحق الجندي اللبناني امام همجية المعتدين او يتفرج عليهم، ام ان يقوم بالواجب على اكمل وجه وبما تقتضيه مهمة الدفاع عن الوطن؟

مجمل تفاصيل هذا الوضع، ترخي باثقالها في الدرجة الاولى على المؤسسة العسكرية التي تتعرض لضغط غير مسبوق، في ظل ما تعانيه على مستوى الازمة الاقتصادية والاجتماعية، ولم يكن ينقصها سوى تحريك الملف الامني لتكتمل فصول المعاناة. الا ان حكمة القائد جوزيف عون التي وضعت حدا للتفلت العسكري في الطيونة مجنّبة البلاد فصلا كارثيا من العنف الامني، لم تكن موضع ثناء داخلي فحسب انما خارجي ايضا، اكد صوابية استمرار تقديم المساعدات الدولية للجيش من دول عدة  لتمكينه من فرض سيطرته كاملة على الاراضي اللبنانية والدفاع عنه وحده، بصفته القوة العسكرية الشرعية الوحيدة.

اداء القائد، كما تقول مصادر معنية سياكافأ عليه ايضا في واشنطن،اذ تكشف لـ”المركزية”، عن زيارة يعتزم القيام بها الى هناك في النصف الاول من تشرين الثاني المقبل، كانت محددة سابقا الا ان حوادث الطيونة حتّمت ارجاءها، مشيرة الى ان برنامجا حافلا اعد له وحددت مواعيد مع المسؤولين في الادارة والكونغرس والاستخبارات المركزية والخارجية والدفاع ومستشار الامن القومي وكبار  المسؤولين. وتتمحورالمحادثات حول كيفية دعم الجيش والحاجيات الضرورية للتصدي للمستجدات ومواجهة الارهاب والمتطرفين والميليشيات وتثبيت الامن والمحافظة على الاستقرار ومنع الفوضى والتعرض للدولة ومؤسساتها ومواجهة كل الجهات التي تحول دون قيام الدولة. كما تكشف المصادرعن زيارة للجنرال كينيث فرانك ماكينزي قائد القيادة الاميركية الوسطى الى لبنان قريبا، وقبل مغادرة العماد عون  الى الولايات المتحدة للاتفاق على المساعدات والدعم الذي سيعود به من هناك تأكيدا على الثقة الاميركية القوية بالجيش  اللبناني والرهان على دوره.