IMLebanon

ما حظوظ “17 تشرين” في الانتخابات؟

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:

خلافاً لما يبدو للبعض، أحزابُ السلطة ليست خائفة من استحقاق الانتخابات النيابية. فهي استعدَّت لمواجهته بخططٍ استباقية، دفاعية وهجومية. ولذلك، على قوى 17 تشرين ألّا تغرق في «كشتبان» اقتراع المغتربين، لأنّ المعركة أشرس بكثير مما تبدو في الظاهر. وإذا لم تستعدّ لها بالخُطط المناسبة، فيُخشى أن تكون مقبلة على خيبةٍ جديدة؟

بالتأكيد، هناك انتصار حققته قوى المجتمع المدني والتغيير والمستقلون بحشد قسم كبير من ربع المليون مقترع في عالم الاغتراب. ولكن، واقعياً، هذا شيء، والرهانُ على هذا العدد لتحقيق انتصار في انتخابات الربيع، شيء آخر.

في الأيام الأخيرة من مهلة تسجيل المغتربين، كانت أحزاب السلطة تتفرّج بهدوء على «العرض الديموقراطي» المُغطّى إعلامياً بشكل لافت، وربما مُبالَغ فيه. بل كانت تضحك في سرِّها، لأنّ قوى 17 تشرين منشغلة بالمعركة في مكان معيَّن، فيما هي مستنفرة وبكامل جهوزيتها في أمكنة أخرى أكثر أهمية. وهذه الأحزاب واثقة في قدرتها على تنفيس الضغط الاغترابي وتعطيل تأثيراته المحتملة على نتائج الانتخابات وتركيبة المجلس النيابي المقبل. ولا تنقصها الأوراق والأدوات اللازمة لتحقيق غاياتها، وهذه أبرزها:

1- قوى السلطة تُمْسِك أساساً بقرار إجراء الانتخابات أو تعطيلها، وفقاً لما تقتضيه مصلحتها. وذريعةُ التعطيل المثالية، اليوم، هي الإهتراء الإداري والمالي والنقدي والاجتماعي. فالسلطة يمكن أن تتذرع بافتقادها أدنى القدرات اللوجستية بدءاً بالقرطاسية وانتهاء بانقطاع التيار الكهربائي والإنترنت.

ولكن أيضاً، يمكن لقوى السلطة أن توعز لمناصريها في نقابات المعلمين وسواهم ليتخذوا قراراً بالإضراب، احتجاجاً على سوء أوضاعهم، فيقاطعون أعمال المراقبة في أقلام الاقتراع. وليس ضرورياً في هذه الحال توتير الوضع الأمني لخلق ذريعة قاهرة، كما حدث مراراً. فالاهتراء الاجتماعي يقوم بالمقام.

فوق ذلك، سيكون صعباً على الكثير من الناخبين أن يحضروا إلى مراكز الاقتراع، ولاسيما تلك البعيدة عن مناطق إقامتهم، بسبب عدم قدرتهم أو عدم اضطرارهم إلى دفع الكلفة الباهظة لأسعار النقل من أجل وضع ورقةٍ في الصندوق.

وهذه الذريعة في محلها المناسب منطقياً، لكن قوى السلطة ستستغلها وتقول: ليس منطقياً أن يتاح للأغنياء فقط أن يقترعوا، فيما الفقراء الذين هم الغالبية، ممنوعون من ممارسة حقهم والمشاركة في اختيار ممثليهم. ولتؤجَّل الانتخابات حتى تصحيح هذا الوضع.

2- تُبقي قوى السلطة «على النار» مسألة التلاعب بقانون الانتخاب وبموعده، خصوصاً من خلال الطعن الذي تقدّم به «التيار الوطني الحر». فهي تمتلك الوقت للمناورة بين أركانها ودراسة أفضل الخيارات لها:

– اعتماد آذار أم أيار؟

– حصرُ «أضرار» تصويت المغتربين بـ6 مقاعد، أم تذويب أصواتهم في مجموع الـ128 نائباً؟

3- تدرك قوى السلطة أنّ ربع المليون الذين سجّلوا أسماءهم في بلدان الاغتراب لن يشاركوا جميعاً في الاقتراع لأسباب مختلفة. فالعديد منهم ربما سينقصه الحماس حينذاك، أو سيحتاج إلى بطاقة هوية أو جواز سفر صالح. لكن رهان السلطة الأكبر الأول يكمن في «خردقة» صفوف الناخبين في الخارج.

فالماكينات الحزبية المنظمة، والتي تحظى غالباً بدعم مالي وسياسي من جهات خارجية، تنشط بقوة في بلدان الانتشار لاستقطاب الناخبين المؤيّدين لها. وثمة تقديرات بأنّ عدداً كبيراً من المقترعين الـ245 ألفاً سيكونون مع أحزاب السلطة يوم الانتخاب، أي أنّهم سيحققون التوازن معهم.

4- تستعد قوى السلطة لطرح عشرات المرشحين الذين سيدَّعون أنّهم من دعاة التغيير أو مستقلون. وهذا ما سيوقع الناخبين في الإرباك: مَن هم المنتمون فعلاً إلى قوى التغيير ومَن هم «المزوَّرون» والمدسوسون؟ وهذا الأمر سيتسبب بضياع الناخبين المؤيّدين لـ17 تشرين، ويشتت أصواتهم.

5- ستمارس قوى السلطة أساليب الترغيب والترهيب في لبنان لرفع نسبة المشاركة بين الناخبين المقمين، ولاسيما بين الأنصار، ما يؤدي إلى توازنٍ يعطّل مفعول الأصوات الاغترابية، إذا كانت غالبيتها ستصبّ في مصلحة قوى التغيير.

هذا يعني أنّ الطريق أمام هذه القوى ليست مفروشة بالورود، لا قبل الانتخابات النيابية ولا خلالها ولا بعدها. والخلل الذي أدّى إلى ضمور تجربة 17 تشرين الأول 2019، خصوصاً بعد تشكيل حكومة الرئيس حسّان دياب، وبعد انفجار المرفأ لاحقاً، يُفترض أن يكون درساً لها، إذا كانت فعلاً تبحث عن انتصار.

في هذا المجال، التجربة الأحدث هي انتخابات نقابة المحامين. وإذا كانت قوى التغيير ستكرّر السيناريو إياه في الانتخابات النيابية، فالآتي سيكون مؤلماً ويكرّس الخيبة بشكل أعمق، هذه المرّة. فهل تنهض هذه القوى من سُباتِها وتخوض المعركة بالجدّية اللازمة، فيصبح الانتصار ممكناً؟

وفي عبارة أكثر دقّة: هل تحارب قوى السلطة بسلاحها؟ أي بالحرص على مصالحها المشتركة، أياً كان الثمن؟ وتالياً، هل تتوحَّد على الخطوط العريضة للتغيير، وعلى إطار قيادي، ولو بالحدِّ الأدنى، فتمنع قوى السلطة من زرع «أحصنة طروادة» في صفوفها؟