IMLebanon

هل يستلهم الموارنة عظة الراعي لإنقاذ الوطن؟

جاء في “المركزية”:

خمس أولويات لخلاص لبنان من محنته حددها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظته التي ألقاها لمناسبة عيد مار مارون، في حضور رؤساء الجمهورية ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، ورسم خارطة طريق ترتكز أولاً على إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في مواعيدها، وثانياً إعلان الحقيقة في تفجير مرفأ بيروت بعد مرور نحو عامين، اذ لا يمكن ان يظل التحقيق مجمّداً وضحية الخلافات والتفسيرات الدستورية، وثالثاً تسريع عملية الإصلاح والاتفاق مع صندوق النقد الدولي على خطة تنقذ لبنان من الانهيار، ورابعاً استكمال تطبيق اتفاق الطائف ومعالجة الثغرات، والسعي إلى تطبيق قرارات مجلس الأمن وخامساً اعتماد نظام الحياد الإيجابي في العلاقات الخارجية لأنه ضمان وحدة لبنان واستقلاله وسيادته.

إلا ان اللافت ان الرؤساء الثلاثة لم يلتقوا بعد القداس جريا على العادة، وهو ما فسّره المراقبون بأنه علامة غير مشجعة تؤكد ان الخلافات قوية ومتجذرة بينهم. أما عن سبب عدم اجتماعهم مع الراعي لمعايدته وفق التقاليد فتؤكد مصادر مطلعة لـ”المركزية” ان الامر يعود الى الاجراءات الوقائية بسبب تفشي وباء “كورونا”، لافتة الى ان القداس لم يكن على المستوى المطلوب ولم يكن يشبه قداديس مار مارون التي كانت تحصل في السنوات السابقة.

وتعليقا على عظة البطريرك يقول عميد المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن لـ”المركزية”: “لقد جاءت العظة لتصر على التوجه الماروني الكنسي في الوحدة لأن لبنان الوجه الماروني لا يفيد الشرق او الغرب بل لبنان الحضور الماروني هو الذي يجعل من الشرق والغرب ملتقى روحيا حضاريا وهو ما أكدته الكنيسة الكبرى من روما وليس منذ زمن بعيد، والكنيسة الصغرى من بكركي بالامس. فلبنان ليس مجرد دولة كالدول، لبنان هو رسالة للتفاهم والتعايش والتواصل التاريخي بل انه الوجه السلمي للتنافس الحضاري في هذا العصر المتخبط والمضطرب عسكريا في الصراعات العرقية والقومية والدينية. لذا وجب التمسك به والمحافظة عليه من الاوبئة الطائفية والمذهبية الزاحفة التي أصبحت لعنة العصر” مشيرا الى ان “هذا ما أراده غبطة البطريرك من كلمته ومن البنود الخمسة التي بيّن فيها ما يجب ان يحصل لكي يستقيم الوضع في لبنان، لأن المتغيرات التي طرأت على تكوين المجتمع اللبناني كأنها أصبحت نهائية. هذا غير صحيح، فالحياة الديمقراطية التي عرفناها منذ زمن باتت تخضع لظروف وعلاقات دولية واقليمية اليوم، وهي في هذا الوقت بالذات قيد الدرس بعد اللحظات المختلفة التي مرت وتمر بها دول المنطقة ولبنان وآخرها ما حصل في سوريا. ومع ذلك، لم تكن المارونية السياسية في مرحلة الاحداث التي مرت على لبنان ديمقراطية على الاطلاق حتى لا نقول مستبدة، ولكن هذا الاستبداد هو مسؤولية الذين شاركوا هؤلاء السياسيين الموارنة في مهمة الحكم ولم يتصدوا للأخطاء بل تعاموا عنها لأنهم كانوا أيضاً متورطين فيها سواء بسواء”.

ويضيف الخازن: “اما اليوم، يجب علينا، وبناء على ما تفضل به غبطة البطريرك من مسلمات خمس ضمنها عظته في مناسبة عيد مار مارون شفيع الطائفة، ان نجدد مارونيتنا ويفترض بنا ان نكون وتكون معنا المارونية مقبلة على ديمقراطية منفتحة على عالمها العربي متحررة كما طالب البطريرك في عملية الحياد الايجابي، متحاورة لتطوير مفهوم النظام في لبنان بحيث يتلاءم مع متغيرات العصر ويلبي حاجات مجتمعه. وهذا الامر الذي أضاء عليه الارشاد الرسولي الذي أطلقه البابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني سنة 1997 من سيدة لبنان في حريصا وهنا اشدد على ان على الموارنة ان يدركوا ادراكا عميقا وحقيقيا ان لبنان لم يُنشأ من أجلهم بل بسببهم ولذلك هم مسؤولون عنه قبل ان يكون هو مسؤولا عنهمٍ. وان يخرجوا هكذا من اطار المارونية السياسية الى نطاق سياسة الموارنة”.

ويتابع: “بعض الموارنة الجدد يعتبرون ان لبنان بعد اتفاق الطائف هو الوطن الذي يشكل الموارنة فعالية لا بد منها من اجل استمراره وليس الوطن الذي وجِد من اجل الموارنة وتاليا فهم أبدا مُستهدَفون فيه من قبل غير الموارنة من الطوائف الاخرى المسيحية والمسلمة على حد سواء، فالماروني في هذا الوضع الجديد ليس مستهدفا كماروني بل كلبناني وشتان ما بين ان يستهدف الماروني كماروني او كلبناني، اذ استهدافه كماروني امر طائفي في حين ان استهدافه كلبناني امر سياسي وهو من يجب ان ينسحب على سائر الفئات التي يتشكل منها النسيج السياسي في لبنان. من هنا، اخراج الطفرات الدينية وطفيلياتها المرضية من الحياة السياسية لنفي هذا الطابع المضر بالسياسة والطوائف، لأن الفرق شاسع بين ان يكون الصراع سياسيا او طائفيا بالنسبة الى مستقبل الموارنة في المنطقة. ولعل افضل مثل على صحة ما اقول الظاهرة الاصولية في لبنان والعالم العربي. والذين يحاربون الاصولية الاسلامية ليسوا الموارنة وليسوا المسيحيين كمسيحيين، بل غير الاصوليين في المنطقة على اختلاف انتماءاتهم المذهبية، إذ أن محاربة الاصولية ليست عملا دينيا بل هي عمل سياسي بالدرجة الاولى، ولا يعتقدن احد اليوم ان المواجهة هي بين العالم المسيحي والعالم الاسلامي، بل انها مواجهة بين مجتمعات مشرقية، الموارنة والمسلمون جزء منها، والمجتمعات الغربية التي تتسم فيما تتسم بها المسيحية الغربية التي تحاول الصهيونية العالمية استغلال المشاعر الدينية فيها، محاوِلةً توظفيها لصالح الدولة العبرية، فالمصالح متباينة بين الفريقين على اي حال. لذلك، يترتب علينا كموارنة ان نتدارس سياسة مشرقية نحو اكثر جماعات المشرق اهلية لوضع خطوطها ورسم أبعادها وفق ثوابت مارونية وارشادات غبطة البطريرك بعد ما وصلنا الى مفترق مصيري”.

وختم: “زوار غبطة البطريرك والموارنة الذين هم مقتنعون بما يطلقه الراعي من صرخات وتحديدا في عيد مار مارون بالامس هم تواقون الى رؤية جديدة تراعي روح الميثاقية الانسانية حتى يضمنوا بقاء هذا الوطن وديمومته وعدم المس بصيغته الفريدة من نوعها في العالم كله، ومعهم ايضا كل اللبنانيين الشرفاء الحريصين على بقاء هذا الوطن وديمومته وعدم المس بصيغته الفريدة التي هي الوحيدة في العالم كله وهي بهذا المعنى روح حية في نفوس المواطنين مسيحيين ومسلمين بالرغم مما مر بهم من حروب على ارضهم أُرغموا على خوضها لأنه كما ذكر غسان تويني “حروب الآخرين على أرض لبنان”. واننا اذ نتطلع بثقة وأمل الى هذا المستقبل نضرع الى الله والى شفيع الموارنة ان يمد القادة الموارنة بالقدرة على استلهام القرارات التي تخدم مسيرة الموارنة ومصلحة شركائهم في الوطن”.