IMLebanon

إيحاءات خارجية مرَّرت بري – بوصعب؟

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”: 

ما كادت تنحلّ حلقات الدبكة احتفالاً بفوز «التغييريين» بالمجلس النيابي حتى جاءت النكسة وعاد الجميع إلى الواقع: بري وبوصعب، أي «أمل» و»التيار الوطني الحرّ»، أي السلطة الحالية بفرعَيها: حليف «حزب الله» إلى يمينه، وحليفه إلى يساره. فما سرُّ الهزائم التاريخية التي تصيب خصوم «الحزب»، والتي لا نهاية لها؟

بعد الانتخابات الأخيرة لرئيس المجلس النيابي، ونائبه خصوصاً، يمكن القول إن القوى الرافعة شعار «التغيير» تتوِّج هزيمتها الثالثة، منذ خروج السوريين من لبنان في العام 2005:

1 – هزيمة 14 آذار، بالترهيب الذي دفع «التغييريون» ثمنه دماً، ولكن أيضاً بالترغيب الذي قتل مشروع التغيير. وقد كان هذا الترغيب مسوِّغاً لممارسة الترهيب. وفي الخلاصة، سقطت محاولات تغيير الواقع الذي كان قائماً قبل 2005، ورفعت دمشق يد جيشها عن لبنان ليتسلّمه حلفاؤها. وتبيَّن أن جماعة 14 آذار لم يكونوا في مستوى مشروع التغيير، لا من حيث العمق الاستراتيجي ولا من حيث التجرُّد و»نظافة» الفكر التغييري، ما سهَّل المهمّة على خصومهم.

2 – هزيمة «انتفاضة» «القوى المدنية» 2017 – 2018. فقد سقطت محاولات استنهاض الشارع على مدى عامين. وكان رهان هذا الحراك على «اجتياحٍ» ديموقرطي للمقاعد النيابية تُحقِّقه انتخابات 2018. لكن هذا الفريق فشل في توحيد صفوفه على مستوى لبنان بدوائره الانتخابية كافة. وقوى السلطة كانت قد احتاطت للأمر بابتكار قانون انتخاب يُصعِّب كثيراً دخول القوى الجديدة.

3 – هزيمة «ثورة» 17 تشرين 2019. فقد تكرَّر سيناريو الترهيب والترغيب والتشرذم، على رغم أنّ «الثورة» وصلت إلى مستويات متقدمة جداً، ولقيت دعماً دولياً وعربياً قوياً. وأدى تشكيل حكومة حسّان دياب إلى «تنفيسها». وجاء انفجار المرفأ بتداعياته القضائية ليمنح مشروع التغيير زخماً جديداً، لكن ذلك لم يتحقّق. وكان الرهان على لائحة موحَّدة تخوض بها القوى التغييرية معركتها في انتخابات 2022.

لقد فشلت هذه القوى في الانتخابات، ولو أنها تمكنت من تحقيق نجاح جزئي، وهي تتحمَّل المسؤولية عن ذلك لسببين أساسيين:

أولاً، لأنها لم تتضامن سعياً إلى الفوز بالغالبية. فتركيبة المجلس النيابي ليست نسبية، إنما أكثرية وأقلية. ولا يمكن الرهان على 30 أو 40 أو 50 نائباً يرفعون شعار التغيير من أصل 128، لأنّ القرارات ستبقى في أيدي الآخرين كما حصل في انتخابات رئيس المجلس ونائبه. وقد كانت قوى التغيير قادرة على اكتساح أكثر من 64 مقعداً لو خاضت المعركة موحَّدة في الدوائر كافة، لكنها لم تفعل.

ثانياً، لأن القوى الرافعة شعار «التغيير» رفضت التعاون فعلاً، وغلبَ على معظمها طابع الشخصانية والأنانيات. ولأنّ «حزب الله» وحلفاءه في السلطة يتماسكون حول هدف سياسي، فقد كان على خصومهم، بمختلف مسمّياتهم وعناوينهم وأشكالهم، من قوى معارضة واعتراض وتغيير و»ثورة» ومجتمع مدني، أن يتضامنوا تحت عنوان سياسي أيضاً. فالقتال يُفترض أن يتم بالسلاح نفسه لا بسلاح آخر. وهذا أيضاً لم يحصل.

وسرعان ما أظهرت انتخابات رئاسة المجلس ونيابتها حجم الخلل الكامن داخل الصفوف التي تصنّف نفسها معارِضة ومعترضة و»تغييرية» و»مستقلة». فهذا الإرباك في التوصيف سمح للفريق المتماسك، وإن لم يكن أكثرية، بأن يربح أولى معاركه، وبعد أيام قليلة من الانتخابات.

هذه القراءة لا تنفي حقيقة أساسية، وهي أن الرئيس نبيه بري كان الخيار الوحيد لرئاسة المجلس، لأن النواب الشيعة الـ27 منضوون جميعاً في فريق سياسي واحد. ولو وُجِد في المجلس الجديد نائب شيعي أو اثنان أو 5 من خارج هذا الفريق السياسي، فذلك لن يغيّر شيئاً على أرض الواقع، إذ لن يكون ممكناً انتخاب أي منهم رئيساً للمجلس، وانتهاك «القواعد الميثاقية» المتّبعة في النظام الطائفي اللبناني.

لكن المعركة على نيابة الرئاسة أكثر تعبيراً. وهنا يمكن الحديث عن مقايضات داخلية وتَشابكات في المصالح. ولكن، للتذكير، نيابة الرئاسة تشبه «شيكاً» مصرفياً لا يمكن تحصيله، وفي أفضل الأحوال تشبه شيكاً بـ»اللولار»، قد لا يساوي 20 % من قيمته الإسمية ويمكن تعطيله في أي لحظة! ولذلك، كان الفريق الشيعي يضحك في عبِّه عندما ضَمِنَ رئاسة المجلس وصار «يتسلّى» بنيابتها.

ولكن، المثير هو ما يجري تَداوله في بعض الأوساط عن إيحاءات خارجية شجّعت التوافق في انتخابات رئاسة المجلس ونيابته، وساهمت تحديداً في توفير النصاب لانتخاب بو صعب، من خلال «المَوْنة» على بعض القوى المصنَّفة «تغييرية»، علماً أن خصمه غسّان سكاف يمثّل عملياً نفَس التغيير المنشود. وهذا السلوك لا يفهمه العقل، وهو من عجائب الممارسة السياسة في لبنان، التي لا يمكن فَهْمُها.

في أي حال، وفي ظل هذا التفكّك واللامسؤولية التي تُميِّز سلوك قوى 14 آذار السابقة، والحراك المدني السابق، وثورة 17 تشرين السابقة، تُرى، في أي جيلٍ سيتعلّم «التغييريون» كيف يربحون المعركة؟