IMLebanon

لماذا أُقصي ملف لبنان من أوراق قمة “بغداد 2″؟

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:

فوجىء المراقبون بغياب أي إشارة الى ملف لبنان في البيان الختامي لـ«مؤتمر بغداد الثاني للتعاون والشراكة» الذي عُقد في منطقة البحر الميت، خصوصاً أنهم اعتادوا على «مقطع تقليدي» بات ثابتاً في شكله ومضمونه منذ سنوات عدة. وأضيفت إليه مؤخراً الدعوة الى انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية معطوفة على مجموعة الإصلاحات المطلوبة. ولذلك فتح النقاش حول الأسباب التي غيّبته، وهو ما دفع الى تعدد السيناريوهات وهذه عيّنة منها؟

في انتظار مزيد من التقارير التي ستتحدث عما دار في كواليس القمة المخصصة للعراق ودول الجوار ومعها مصر والبحرين وتلك التي شهدتها مجموعة اللقاءات الثنائية والثلاثية التي عقدت على هامشها. لا بد من الاشارة الى انّ هذه القمة التي استضافها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني على شاطىء البحر الميت بعدما اتخذ القرار بنقلها قبل فترة قصيرة عقب انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية العراقية عبد اللطيف رشيد وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني من بغداد بسبب الاوضاع الامنية المتردية فيها، قبل ان تنقل من عمان مجدداً بعد اعمال الفوضى الناجمة من ترددات الغلاء وبوادر الازمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وهو ما فرضَ على الضيوف تحضيرات تُحاكي الوضع الجديد في العراق خصوصا والمنطقة عموما.

واستناداً الى الظروف التي قادت الى هذه القمة، فقد عقد الرهان بتفاوت على إمكان ان يكون لبنان حاضرا في متنها. فالرئيس الفرنسي الذي يعدّ من أحد أبرز أقطابها في مواجهة بقية رؤساء الدول وأمرائها من دول الجوار العراقي يحمل ملف لبنان تحت ابطه أينما توجّه منذ زيارته الاولى لبيروت بعد جريمة تفجير المرفأ بيومين، وتلك التي قام بها في 1 ايلول والتقى في خلالها الاقطاب اللبنانيين حول طاولة حوار مستديرة مُقترحاً صيغة حل حكومي ـ مالي واقتصادي كان يمكن تطبيقها خلال أشهر ثلاثة، وقد دخلت السنة الثالثة بأشهرها الاولى من دون ان ترى خريطة الطريق التي اقترحها النور بعد. كما انه لم يفوّت فرصة في خلال القمم الاقليمية والدولية التي شارك فيها ثنائية كانت أو جامعة من دون البحث في مخارج لأزمات لبنان المُتناسلة.

وتأسيساً على حجم الرهان على مبادرات الرئيس الفرنسي فقد انتظر اللبنانيون بيان القمة ليفاجأوا بخلوّه من ذكر لبنان ولو بالمقطع الشهير المُستعار من مجموعة القمم العربية والغربية، واستُعيض عنها بعبارات قليلة جاءت في خطاب الرئيس الفرنسي وبعض رؤساء الوفود ولم ترضِ أياً ممّن انتظروا موقفاً لافتاً من القمة. فقد سبق للبنانيين أن اعتادوا على سماع الدعوات العربية والخليجية والدولية الى ضرورة البت بالاصلاحات المطلوبة في أكثر من قطاع من اجل الايحاء بالثقة تجاه لبنان، كما قالت المبادرة الكويتية. وقد اضيف اليها أخيراً الدعوة الملحّة الى انتخاب رئيس الجمهورية الجامع الذي يمكنه أن يُعيد اللحمة بين اللبنانيين من دون أن يكون منخرطاً في أيّ من المحاور المُعلن عنها والتي لها انعكاساتها السلبية على مختلف وجوه حياة اللبنانيين.

والى الرهان على المبادرة الفرنسية فقد سمع اللبنانيون أخيراً عن تعهدات عراقية باستعداد رئيسي الجمهورية والحكومة لأن يحملا ملف لبنان الى القمة كما تعهدوا في لقاءات عقدوها مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في «قمة المناخ» في شرم الشيخ، وتلك الصينية ـ العربية والخليجية التي عقدت في الرياض من دون أن يكون للجهود التي بذلت أثراً معلناً، خصوصا انه سبق للمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم ان زار العراق مطلع الأسبوع الماضي والتقى المسؤولين الكبار قبل أيام على انعقاد القمة، على أمل أن يحملوا معهم ما سُمّي «ورقة لبنان» الى أعمال القمة.

وعلى هذه الخلفيات توسّعت مراجع ديبلوماسية في إعطاء بعض التفسيرات المنطقية لما حصل وهذه عيّنة منها:

– بَدا واضحاً انّ الاشتباك الفرنسي – الايراني الذي انطلقت شرارته قبل القمة بأيام على خلفية المطالبة الفرنسية بالإفراج عن مجموعة من الموقوفين الفرنسيين في طهران وعلى دفعات منذ العام 2019 حتى اليوم، انعكست سلباً وبنحو طارىء على أعمال القمة، وباتَ الرهان على أنّ أي وساطة فرنسية لتحريك المفاوضات بين طهران والرياض كما من اجل ما يعني لبنان لم تعد قادرة على إنتاج اي خطوة فذة وايجابية.

– إنعكس التوتر الدولي بين طهران واكثر من مرجعية اممية ودولية ومجموعة الـ (5+1) من بينها، على خلفية ما تعيشه ايران من تدابير في حق التحركات الشعبية رفضاً للاساءة الى حقوق المرأة، على المساعي العراقية كما الفرنسية، لا سيما منها على مستوى الجهود التي بذلت في الاشهر الاخيرة الماضية لرفع مستوى المفاوضات بين طهران والرياض من المخابراتي والأمني الذي ساد الجولات الست السابقة منها في بغداد الى المستوى الديبلوماسي. ولذلك فقد تبخّرت كل الاجواء الايجابية ولم تنفع اتصالات الساعات الاخيرة في جَمع وزيري خارجية البلدين السعودي فيصل بن فرحان والايراني حسين امير عبد اللهيان، وهو ما انعكس فشلاً مدوياً لدى كل من رفع مثل هذا الرهان.

وبعيداً من الغوض في مزيد من الأسباب التي خفّضت من مستوى الرهانات على هذه القمة، فإنّ النظر الى هذه العناصر أبعَدَ ملف لبنان عن دائرة الاهتمامات على طاولة القمة إن لم يكن قد أقصاه نهائيا من نتائجها. وبالتالي فإنه، وفي غياب التفاهم على الملفات الكبرى والأكثر خطورة على مستوى البلدين، لم يعد الحديث ممكناً عن اي خطوة تعني الازمة اللبنانية. فكل التوقعات التي كانت تتحدث عن تقارب فرنسي ـ ايراني او سعودي ـ ايراني يشكل مدخلاً الى طرح ملف لبنان، غابت عن ساحة القمة التي اعتبرت الأقصر في حياة القمم الاقليمية وصدر بيان قِيسَ بأقصر منها، وغاب لبنان عن البيان الختامي كنتيجة حتمية لما شهدته.

عند هذه التوقعات تحرص المراجع الديبلوماسية على الاشارة الى ان هذه القمة ليست آخر الدنيا، وإن غاب الملف اللبناني عنها فإن ذلك لا يعني انه بات مهملاً. فهو سيكون حاضرا في أمكنة أخرى، لكنّ الريبة تنشأ عند فقدان الاقتناع بأن على اللبنانيين أن يُنجزوا شيئاً مما هو مطلوب منهم قبل انتظار أي انجاز من الخارج. وان بقيت الامور على ما هي عليه من انتظارات لِما يمكن أن يأتينا من الخارج، فإنها ستبقى معلّقة على حبل الانتظار والى فترة لا يمكن لأحد تقديرها.