IMLebanon

تأمّلات في نتائج حفر بئر “قانا 31/1”

كتبت خديجة حكيم في “الجمهورية”:

تنصبُّ أعين اللبنانيين وتتعلّق آمالهم على نتائج حفر البئر الإستكشافي الأول في الرقعة الرقم (9) من المياه اللبنانية، والذي أطلقت عليه هيئة إدارة قطاع البترول تسمية «قانا31/1». ومنذ وصول سفينة الحفر «Transocean Barents» إلى الرقعة الرقم (9)، بدأ أمل جديد يراود اللبنانيين بانتشالهم من شبح الإنهيار الكلي، في بلد ما عاد يرجو فيه المواطن غير قوت يومه.

من المفترض وفقًا لتقرير تقييم الأثر البيئي لأعمال الحفر الإستكشافي في الرقعة رقم (9)، والمنشور من قِبل المشغّل شركة «TotalEnergies» أن يتمّ حفر البئر الإستكشافي الأول عمودياً على بعد 63 كلم من الشاطئ وعلى مسافة 1676 مترًّا في المياه (كما في الرسم)، ويُتوقع أن تبلغ أعمال الحفر الإجمالية عمق 2764 مترًا تقريبًا دون مستوى قاع البحر، أو 4440 مترًا دون متوسط مستوى سطح البحر. وستستغرق أعمال الحفر نحو 65 إلى67 يومًا، على أنّ من الممكن أن يتبع هذه الأعمال حفر لبئر تقييمي تبعًا لنتائج حفر البئر الإستكشافي الأول، تستغرق مدته ما بين 60 الى 90 يومًا.

إنّ التأمّلات في الاحتمالات التي قد يكشف عنها نتائج حفر البئر الإستكشافي الأول «قانا31/1» في الرقعة رقم (9) يساعد في تصوّر السيناريوهات المرتقب حصولها وفقًا لنتائج الحفر، والأمر هنا لا يخرج عن سيناريوهين: فإما سنكون أمام انتكاسة جديدة، في حال غياب وجود لمؤشرات هيدروكربونية في موقع الحفر، والذي لن تطاول حدوده فقط إغلاق البئر خلال مدة 6 أشهر، وإنما سيكون له تأثيرًا سلبيًا على بقية الرقع الثماني المتبقية (1- 2- 5- 8- 10) التي ما زالت معروضة للتلزيم، وتحجم شركات النفط العالمية عن إبداء رغبتها في تقديم طلبات الإشتراك في أي منها، رغم تكرار هيئة إدارة قطاع البترول تمديد مهلة تقديم الطلبات لجولة التراخيص الثانية، والتي كان آخرها تمديد المهلة حتى 2 تشرين الأول 2023.

أو يتحقق السيناريو الثاني الذي قد تكشف عنه نتائج حفر بئر «قانا 31/1» وهو الحلم المرتجى، أن تسفر أعمال الحفر عن وجود جدوى تجارية، ففي هذه الحال ووفقًا لاتفاقية الإستكشاف والإنتاج، وتحديدًا المادة رقم 10: «فعلى أصحاب الحقوق إبلاغ الوزير فورًا مع نسخة لهيئة إدارة قطاع البترول، على أن يقدّموا تقريرًا مفصّلًا خلال مهلة أقصاها 6 أشهر تلي تاريخ التبليغ. وفي حال أعتقد أصحاب الحقوق أنّ الإكتشاف هو اكتشاف تجاري محتمل يجب عليهم إبلاغ وزير الطاقة وخلال (60 يومًا) من تاريخ تبليغ الإكتشاف أن يقدّموا خطة تقويم». إذاً ستكون الشركات ملزمة بالإعلان على الفور عن هذا الاكتشاف، والذي ستتبعه فترة 6 أشهر تقرّر خلالها ما إذا كانت ستستمر في التطوير بناءً على تقييماتها التجارية.

غير أنّ إتفاقية ترسيم حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة بين «إسرائيل» ولبنان الموقّعة في تشرين الاول 2022 فرضت سيناريو آخر قد يؤخّر أو يعرقل المِهل المذكورة، ويضيف التزامات جديدة على المشغّل!! فالإتفاقية اشترطت على مشغّل الرقعة رقم (9) شركة «TotalEnergies» العودة إلى «إسرائيل» لترتيب وحسم الاتفاق المالي مع الأخير حول حصته أو تعويضه، لقاء الحقوق العائدة له من المخزونات المحتملة في الحقل، قَبيل اتخاذ المشغّل شركة «TotalEnergies» لقرار الإستثمار. ففي البند الخامس من القسم الثاني من الإتفاقية: «ستحصل «إسرائيل» على تعويض من مشغّل البلوك الرقم (9) لقاء الحقوق العائدة لها من أيّ مخزونات محتمَلة في المكمَن المحتمَل؛ لهذه الغاية، ستعقد «إسرائيل» ومشغّل البلوك الرقم (9) اتفاقية مالية قبيل اتخاذ مشغّل البلوك الرقم (9) قرار الاستثمار… كما يتفهّم الطرفان أنّه رهن ببدء تنفيذ الاتفاقية المالية، سيقوم مشغل البلوك الرقم (9) المعتمد من لبنان، بتطوير كامل المكمَن المحتمَل حصرياً لصالح لبنان».

إذاً، فإنّ أي نجاح في حال اكتشاف كميات تجارية هو رهن اتفاقات وسيناريوهات أخرى قد تأخذ مسارًا طويلًا، نأمل في أن لا يماثل تجربة قبرص مع حقل «أفروديت»، والذي تعطّل تطويره لأكثر من 10 أعوام منذ اكتشافه في العام 2011 في المياه القبرصية، بسبب وقوع جزء صغير منه في المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة، والتي لا تتعدّى نسبة «إسرائيل» في إحتياطي الغاز المحتمل فيه أكثر من 10 في المئة!

إنّ الأمل في وجود كميات تجارية في حقل «قانا 31/1 «لا يستند إلى أوهام، بل لسلسلة من المسوحات الزلزالية التي تُنبئ عن غنى الرقعة الرقم (9) بكميات تجارية كبيرة من الغاز. جدّية هذه المعطيات هي التي دفعت «اسرائيل» إلى إعلان ونشر خطتها الاستراتيجية للأعمال البترولية في حقل قانا من مرحلة التنقيب إلى مرحلة الإنتاج.

من المهم أن نعي وقبل فوات الأوان، أنّ النجاح في استكشاف الكميات التجارية في حال وقوعه ليس هو غاية المنى، إن لم ترافقه استراتيجية لبنانية لاحتوائه بتحديد مسار طريق تخطيطي وتشريعي واستقرار سياسي، لتحقيق النتائج المرجوة منه على الصعيد الإقتصادي.