IMLebanon

عين لبنان على مستجدات سوريا

كتب جوني منيّر في “الجمهورية”:

رغم اقتراب أفول آب او شهر الاجازات الصيفية، فإنّ اي مؤشرات جدية لم تظهر حول خطوات حاسمة تجاه الازمة الرئاسية في لبنان. وعلى رغم من ذلك ثمة محطات معبرة لا بد من التوقف عند معانيها.

وأولى هذه المحطات هي في نهاية آب مع القرار الذي سيصدر عن مجلس الامن الدولي حول التجديد للقوات الدولية «اليونيفل» العاملة في جنوب لبنان. واهمية هذه المحطة هي باستكشاف المناخ الدولي حول ما اذا كانت الامور ذاهبة في اتجاه الصدام ام تدوير الزوايا وايجاد الحلول ولو على قاعدة نسج معادلة جديدة بشروط مختلفة. وكان متوقعاً ان ترفع الولايات المتحدة الاميركية من سقف شروطها وتلمح للذهاب الى الفصل السابع بعد طلب لبنان العودة عن التعديلات التي كانت ادخلت العام الماضي على تحركات قوات الطوارئ من دون التنسيق مع الجيش اللبناني. وخلال السنة الفائتة تعامل قائد القوات الدولية بواقعية مع التعديل الذي حصل ولم يطبقه ولا مرة، لا بل استمر العمل وفق السلوك المتّبع. البعض اعتبر ان هدف التصعيد الاميركي هو إلغاء المطالبة اللبنانية بالعودة عن الفقرة المعدلة، والاستمرار بالامور كما هي حاليا.

لكنّ اوساطاً اخرى تحدثت عن تنسيق فرنسي مع «حزب الله» يقضي بإزالته الخيم التي نصبها عند مقربة من الحدود مقابل العودة الى النص السابق. واياً تكن الصيغة التي سيجري التفاهم حولها، الا ان هذه الاجواء لا توحي بالذهاب الى تسخين الوضع او في اتجاه المواجهة وهو ما يعني ان الساحة اللبنانية غير مفتوحة على المجهول، ولو انها ستخضع لضغوط قبل الوصول الى تسوية سياسية عريضة تشمل «حزب الله» وترعى المرحلة المقبلة.

والمحطة الثانية تتعلق بعودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، والتي من المفترض ان تشكل زيارته الاخيرة في اطار المهمة التي أوكلت اليه. ولكن اجواء هذه الزيارة ما تزال ضبابية ان لجهة موعدها الفعلي، او لجهة مضمونها. فحتى الآن لم تتلقَ السلطات اللبنانية اي موعد رسمي من فرنسا حول عودة لودريان. وصحيح أن المكان حسم مبدئياً في قصر الصنوبر لتجنب الاعتراضات والمخاوف من خلفيات هذا الحوار، الا ان الشكل الذي سيتخذه لم يتضح بعد، ولا النتيجة العملية ستتمخض عنه، وكما نقل قول لودريان للنائب محمد رعد أن المبادرة الفرنسية اصبحت وراءنا، الا ان هذا لا ينسحب على الدور الفرنسي الذي سيبقى حاضرا في المرحلة المقبلة.

والمحطة الثالثة تتعلق بالتحضيرات التي كانت قائمة لاجتماع اميركي ـ فرنسي ـ فاتيكاني في الفاتيكان للبحث في ملفات دولية اساسية مثل الوضع الاوروبي في ظل الحرب الاوكرانية، ويتمسّك الفاتيكان بأن يكون الملف اللبناني احد الملفات الاساسية على الطاولة.

والمحطة الرابعة تتعلق بالدور القطري وما تردد عن زيارة وفد قطري لبيروت خلال الايام الماضية، حيث التقى بـ»حزب الله» وبقوى سياسية اخرى. لكن الاوساط اللبنانية المعنية نَفت حصول مثل هذه الزيارة. والانطباع الغالب ان زيارة وفد قطري لا بد ان تحصل مستقبلا كون قطر اصبحت معنية في ايجاد حل للازمة اللبنانية وهذا ما يمكن استنتاجه بوضوح مع الزيارتين السابقتين لوفدين قطريين. الزيارة الاولى تشكلت من مسؤولين على مستوى وزارة الخارجية، وهو ما اعطاها طابعاً استكشافياً. اما الزيارة الثانية فحصلت على مستوى وفد طابعه امني وضَم خصوصا المسؤول الامني الذي واكَب التحضير لاتفاق الدوحة عام 2008، وهو أعطاه طابعاً عملياً او بداية مسار جدي.

لكن الزيارة القطرية الثالثة، التي توقعها البعض بعد اجتماع اللجنة الخماسية في الدوحة مؤخرا، لم تحصل بعد. غالب الظن ان التحرك القطري الفاعل في اتجاه لبنان والذي يحصل بدعم وموافقة اميركية وسعودية ومصرية، انما ينتظر ان تنضج الظروف الاقليمية اكثر لكي يصبح «قطاف» الحل في لبنان اكثر سهولة، خصوصا ان قطر تحظى بعلاقات جيدة مع ايران وهو ما خوّلها ان تلعب دور الوسيط الفاعل بين واشنطن وطهران على صعيد تحويل ارصدة مالية ايرانية في اطار التفاهم الشفهي الذي حصل أخيراً. واستطراداً، فإن التعقيدات الكثيرة التي تعترض الاتفاق السعودي ـ الايراني في اليمن لا تبدو عاملاً مساعداً. الواضح ان الضمانات الامنية والعسكرية الثابتة والنهائية التي تطلبها السعودية يرفضها الحوثيون. اضف الى ذلك خصوصا لَي الأذرع الحاصل في سوريا بين واشنطن وطهران والتي تحمل عنوان التخفيف من النكهة الايرانية في الصحن السوري قدر الامكان ورسم معادلة ميدانية جديدة لتكريسها لاحقاً كمعادلة سياسية في اطار الدستور الجديد المزمع الاتفاق عليه.

ومَن يتابع تصاعد الاحتجاجات في سوريا وتحديدا في الجنوب، والتحركات في الشمال، يخرج باستنتاجين سريعين: الاول أن الضغط الحاصل سيبقى تحت سقف النظام، اي انه لا يستهدف الاطاحة بالنظام، بل تعديل التوازنات من خلال اضعاف النفوذ الايراني في المعادلة السورية. والثاني تحضير المناطق خصوصا في السويداء لأن تكون وفق صيغة جديدة في النظام السياسي الجديد لسوريا اي ان يحظى الجنوب السوري بصلاحيات اوسع وخصوصية شبه مستقلة ضمن الدولة السورية وبطريقة اكثر وضوحاً، انتزاع ورقة الجنوب السوري من التأثير الايراني. وليس تفصيلاً الحضور الاردني المستجِد والفاعل ولكن غير المرئي في جنوب سوريا منذ فترة غير بعيدة.

أضف الى ذلك، الالتفاتة التي خصّصها حلف «الناتو» بافتتاح مكتب له في الاردن على رغم انه ليس عضواً فيه، ولو حمل هذا المكتب مهمات معلنة غير امنية وعسكرية.

غالب الظن ان ايران التي التزمت بالاتفاق الشفهي بينها وبين الاميركيين بعدم مهاجمة القوات الاميركية في سوريا والعراق ستعمل على اجهاض الاهداف الاميركية في سوريا بأساليب غير مباشرة، ولو ان حليفتها روسيا تبدو قواتها التابعة لفاغنر مُربكة في سوريا بعد مقتل زعيمها ونائبه. وهذا سيجعل ايران والمجموعات المتحالفة معها وحيدة في المواجهة. لكنّ الثقل الميداني الذي تحظى به المجموعات المتحالفة مع ايران والمدعومة من الجيش السوري لا يستهان به.

لذلك قد تستعيد المجموعات المسلحة المعارضة للنظام السوري حركتها، كما ان تركيا تشعر انها معنية بمصير الشمال السوري في التسوية.

لكن الاهم احتمال تحرّك الاوضاع في العراق عبر المجموعات الشيعية المعارضة لإيران في اطار الضغط في العراق. وفي اختصار فإن هذا الوضع الضاغط والصعب في سوريا قد يطول بعض الشيء وخصوصا اذا تحركت الساحة العراقية. ما يعني ان الملف اللبناني سيبقى موضوعاً جانباً حتى انضاج الصورة في سوريا وانضاج المعادلة الجديدة. عندها يصبح اختراق اسوار الازمة في لبنان اكثر سهولة وتصبح امكانيات التفاوض بين الاميركيين و»حزب الله» مفتوحة، ويصبح الدخول القطري على الخط مضمون النتائج.

فالمعادلة السياسية في لبنان لا بد ان تتأثر بالمعادلة السورية التي تخضع لاختبار ضاغط وكبير. وفي انتظار ذلك لا تبدو الصورة وردية في لبنان خصوصا على المستوى المعيشي. ففي استطلاع لمؤسسة الباروميتر العربي ظهر انّ 48 % من اللبنانيين لم يكن لديهم ما يكفي من المال لشراء مزيد من الطعام بعد ان ينفد لديهم. هي صورة مقلقة خصوصا اذا ما اهتزّ الوضع النقدي مجددا. وقد يكون العامل الوحيد الذي لا يدعو الى الهلع الى حد ما، هو خطر انزلاق الساحة اللبنانية الى انفلات امني كبير، رغم ان الاحداث واردة كل يوم. وهذا ما أثبتته حادثة الكحالة وقبلها الطيونة والقرنة السوداء… واللائحة تطول.