IMLebanon

تأديب 61 أستاذاً… فهل ينتهي العام الدراسي قبل أن يبدأ؟

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

من علّمك حرفاً صرت له عبداً. كان ذلك أيام زمان. تغيّر المعلّم وتغيّرت الدنيا وتغيّر لبنان. أصبح المعلم اليوم يتمايل مثل الطير المذبوح عند حافة الهاوية، يحاول الصمود، البقاء، المتابعة، لكن، في كل مرّة، يتلقى ضرب رصاص يجعله يهوي من جديد. البارحة أتت الرصاصة مرة أخرى من وزارة التربية مذيلة بتوقيع معالي وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي.

إن وزير التربية والتعليم العالي، بناءً على المرسوم رقم 8376 تاريخ 10 أيلول 2021 و.. و… وبناءً أيضاً على القرار رقم 590 تاريخ 19 حزيران 1974 وتعديلاته (النظام الداخلي للثانويات الرسمية)… وبناءً على كتب مديري بعض الثانويات الرسمية المسجلة في قلم مديرية التعليم الثانوي والمتمثلة بغياب أساتذة تعليم ثانوي عن مراكز عملهم من دون مسوغ قانوني أو حضورهم الى مركز عملهم وامتناعهم عن القيام بالتدريس، إضافة الى قيامهم بتحريض غيرهم على الإضراب. وبناء على إقتراح مدير عام التربية… يحسم تأديبياً راتب أساتذة التعليم الثانوي المذكورة أسماؤهم (…) عن خمسة عشر يوماً. إنتهت المذكرة. وقعت المشكلة.

61 اسماً شملتها العقوبة التأديبية، ينتمي أصحابها الى مختلف الطوائف، من ثانويات عديدة. القرار موقّع في السادس والعشرين من تموز العام 2023 غير انه لم يُسرّب إلا البارحة، بعد مرور أربعين يوماً على صدوره، مع العلم أنه دوّن في أسفل القرار: يبلغ الى مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي ووزارة المال – الصرفيات والمديرية الإدارية المشتركة/دائرة الموظفين ودائرة المحاسبة ومديرية التعليم الثانوي وصاحب/ة العلاقة. قيامة الاساتذة قامت. والقرار حمل في مضامينه ما قد يجعل السنة الدراسية المقبلة في خطر حقيقي. فهل انتبه معاليه الى ذلك أم تقصّد ذلك؟ وماذا في صراخ الأساتذة الذي لا بُدّ رنت أذن معاليه – الموجود في الخارج- مرات لها البارحة.

فلنسمع أصواتهم. فلنسمع أنينهم. فلنفتح قلوبنا ونحن نصغي إليهم. فهم أساتذة فقراء مقهورون لم يعودوا يملكون إلا شموخ الرأس في بلد الداخل إليه مفقود والخارج للأسف بات مولوداً.

مسؤولية الأحزاب

سمعناهم يرددون العبارات ذاتها، المتضمنة كثيراً كثيراً من القهر. ولسان حالهم جميعاً يا ظالم إلك يوم. أحد الأساتذة الثانويين، الغاضبين، عاد الى الوراء في لمحة تاريخية قائلا: «منذ إعلان الثورة بدأنا الحوار. طلبنا موعداً من الوزير أعطانا موعداً وفي اليوم المحدد أجّله ثم ألغاه. نحن انتفضنا لأننا غير قادرين على الإستمرار. راتبنا لا يكفينا أربعة أو خمسة أيام. أحمّل مسؤولية ما آل إليه وضعنا بالكامل الى كل الأحزاب – وعلى رأسها «حزب الله»- التي بدل أن تحلّ المشكلة دعت الأساتذة كي يتخلوا عن حقوقهم ويتراجعوا عنها. أحمل المسؤولية الى نبيه بري ووليد جنبلاط. حاولنا مع كل المنظومة ان نأخذ ونعطي معهم لإيجاد حل للمشكلة، من أجل أن يستمر الإستاذ بالحد الأدنى لكنهم كلهم تآمروا علينا. كلهم لم يعطونا مواعيد بل حاولوا إهانة الأستاذ براتبه وضرب التعليم الرسمي. الإنسان الذي لا يقدر أن يأكل ويعيش كيف يستطيع التعليم؟. لذلك كله، نعتبر حسم رواتبنا أوسمة على صدورنا لكننا نقول لهم: إنتبهوا فجميعكم تتحملون مسؤولية تدمير التعليم الرسمي. وجميعكم تتحملون مسؤولية إهانة كرامة الأستاذ. إنكم تحاكمون أستاذاً كل ذنبه أنه قام بإضراب لأنه لم يعد قادراً على الوصول الى مكان عمله. أنتم جميعاً تتحملون المسؤولية من دون استثناء. والأساتذة يزيدون إصراراً أنهم لن يعملوا سخرة وأنتم تعيشون في نعيم تحت خط الفقر. أحملكم مسؤولية هدر كرامة الإنسان في هذا البلد. الأصوات تستمرّ تتعالى. أحد الأساتذة اعتبر أن ما حدث ليس حسماً تأديبياً بل حسماً تحفيزياً لمزيد من النضال والشجاعة ورفع الصوت. نحن من نؤدبهم لا هم. نحن متمسكون أكثر بالوظيفة وسنبقى على قلوبهم جالسين. ولن يهدأ لهم بال. نحن الباقون وهم سيمشون.

بلا تربية

الأستاذ الثانوي حسن مظلوم اسمه حلّ في أعلى لائحة أسماء من أدبتهم وزارة التربية، بحسم خمسة عشر يوماً من رواتبهم. وهو ناقم جداً على ما حصل ويقول عن الجميع مسمياً إياهم واحداً واحداً: هؤلاء بلا تربية وبلا أخلاق دمروا البلد، من «حزب الله «الى حركة أمل الى الإشتراكي والعوني، ويستطرد: وحدهم «القوات» ظمطوا ولا اعرف كيف. يضيف: رواتبنا تدنت جدا. أساس راتب أستاذ التعليم الثانوي لا يزيد عن أربعين دولاراً شهرياً، أما المساعدات الإجتماعية التي حدثونا عنها فلم نقبضها إلا شهراً واحداً فقط. نحن نعاني الأمرين وفجأة فوجئنا من دون أي إنذار أو تنبيه أنهم حسموا من راتبنا الشهري خمسة عشر يوماً. هذا حسم غير قانوني لأنه يستند الى قانون صادر في قديم الزمان ولم يعد صالحاً بعد الطائف. فأين حرية الرأي والقول والتعبير والإضراب و… و…؟ حسموا من راتب الأستاذ وكأن هذا ما كان ينقصه. والأنكى أن القرار إستنسب بكيدية أساتذة دون أساتذة آخرين. لا نقول ذلك من أجل معاقبة زملائنا بل نحن نعترض على الإستنسابية في المطلق في وقت أن المنطق والعدالة يقولان: لا عمل بلا أجر عادل». ما يلفت إليه الأساتذة الثانويون – وبينهم الأستاذ حسن – أن في تاريخ لبنان لم يحصل ما ظهر البارحة «ففي أيام الرئيس صائب سلام (1972) وكان وزير التربية آنذاك الدكتور نجيب بو حيدر صرفوا بدون وجه حقّ 300 أستاذ لكنهم ما لبثوا أن أعادوهم الى العمل. ومنذ ذاك التاريخ لم نشهد عقوبات تأديبية جماعية من هذا القبيل. لم يسبق أن تجرأ أحد على ذلك فليس سهلاً أبدا إقتطاع مال من راتب أستاذ بالكاد يستطيع إطعام أطفاله ويعجز حتى عن الإنتقال الى مكان عمله. كل ما فعلناه أننا طالبنا بحقوقنا».

الأستاذة فاطمة عرابي ورد اسمها أيضا البارحة ضمن الأسماء الواحد والستين التي «أدبتها» وزارة التربية. والسؤال، ألم تعرف ذلك قبل نشر القرار البارحة؟ ألم تلاحظ راتبها أقل مما هو عليه؟ تجيب: «كانت لدي شكوك كثيرة منذ أربعة أيام، وتحديداً منذ قبضت راتبي، الذي جاء عليه حسم يعادل مليوناً و600 ألف. سألت كثيراً عن السبب. سألت الزملاء حتى من كانوا يمتنعون عن الحضور وأيقنت أن شيئاً ما حصل معي. لكني عدت وسألت نفسي هل يمكن أن يحسموا من راتبي من دون أن يوجهوا أي إنذار؟ وتستطرد: قانونياً، أحضر كل أسبوع أو عشرة أيام بدوام كامل وهذا موجود في سجلات المدرسة. وأعرف تماماً أنه ليس مدير المدرسة من قدم الشكوى بحقي. هناك أحد يلعب على الجميع وسميت ثلاثة أساتذة من ثانويتي في طرابلس التي هي في قضاء ومنزلي في قضاء آخر، من المنية الضنيه».

ما هي الخطوة المقبلة؟ تجيب عرابي: «طلبت إفادة رسمية بالراتب مع الحسم وأنوي تقديمها مع القرار (الذي لم أتبلغه حتى هذه اللحظة) الى مجلس شورى الدولة. سأسألهم: كيف تؤدبون أساتذة وتحسمون من رواتبهم من دون إنذار وتبليغ. سأعترض على قرارهم، خصوصا أنني كنت اتغيب ولي مبرراتي وراتبي لا يزيد عن 67 دولاراً فكيف أنتقل من بيتي يومياً الى عملي؟». صوت أساتذة التعليم الثانوي يرتفع لكن الوزير خارج البلاد والعام الدراسي الجديد يقترب. وفي تحليل الأساتذة ما يدفع الى التساؤل: هل وزارة التربية، مع اقتراب السنة الدراسية، رأت نفسها غير قادرة على فتح أبوابها أمام الطلاب فرمت ما يشبه «الفتيشه» في اتجاه الأساتذة كي يصدر قرار إعدام السنة الدراسية المقبلة منهم لا منها؟ سؤال يطرح.

61 أستاذا سيتوجهون بدءاً من اليوم الى مجلس شورى الدولة لتقديم إعتراض على ما فعلته وزارتهم بهم. فلنتركهم يتحركون. لكن، مع غصّة وخوف: أيّ أجيال يا دولة لبنان الأبية تربي؟ أيّ رجال ونساء سيكبر عليهم صغارنا وهم يرون أبشع أنواع الذل يمارس في حقّ من يعلمونهم الحروف؟

قبل أن نختم معلومة من الأساتذة تتكرر: هناك مدراء ثانويات يتآمرون علينا مع مدير التعليم الثانوي في وزارة التربية خالد الفايد. كلهم علينا لكنهم سيمشون جميعهم ونبقى نحن.