IMLebanon

باسيل والنزوح و”التقاعس” و”قصر النظر”

كتب جورج العاقوري في “نداء الوطن”:

منذ بدء الحرب السورية عام 2011 وما تلاها من «تسونامي» نزوح إلى لبنان، زرعت السلطة الحاكمة فيه الفوضى والتخبّط وسوء الادارة في مقاربة الملف في ظل حسابات بعضهم الضيقة والأدوار التي تبرّعوا في لعبها. وها هم اللبنانيون اليوم يحصدون بالاجماع خطراً وجودياً وقلقاً جوهرياً. إلا أنّ رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل يصرّ على التنصّل من أي مسؤولية ويرميها على الآخرين، مدّعياً تفرّده برفض هذا النزوح منذ اللحظة الاولى.

هذا ما كرّره باسيل مراراً وآخرها عبر منصة «اكس» في 6/10/2023 حيث اعتبر أنّ «ما صار في منطقة الدورة خطير نتيجة تقاعس الحكومة وتآمر المجتمع الدولي وتقصير الأجهزة المعنية». ‏ كما رأى أنه «بالشعبوية والمزايدة وصلنا لهون وضاعت علينا إمكانية كبح النزوح ومعالجته من الـ2011 لليوم»، متحدثاً عن «قصر النظر» و»قلة الوطنية».

باسيل وحلفاؤه في محور الممانعة من «حزب الله» والآخرين يتعمّدون تحريف الحقائق عبر تحميل قوى «14 آذار» وعلى رأسها «القوات اللبنانية» مسؤولية ملف النزوح جرّاء تضامنها مع النازحين الأمنيين يومها كما تقتضيه القيم الانسانية والقوانين الدولية. يعيبون عليها موقفها الرافض للنزوح اليوم بعد تحوّلهم إلى نازحين إقتصاديين، متناسين أنّ السبب الأساسي لهذا النزوح هو ممارسات الرئيس السوري بشار الأسد القمعية بحق الاعتراضات السلمية. يدّعون أنّ النزوح بسبب قانون «قيصر» الذي أبصر النور عام 2019، فيما الدفعة الأولى الكبرى كانت باتجاه عرسال عام 2013 بسبب معارك القُصَير التي خاضها «حزب الله» إلى جانب الأسد.

يتحدث باسيل عن «التقاعس»، ولكن ماذا عن تقاعس حكومة ميقاتي عام 2011 التي ضمت 10 وزراء للعونيين وحكومة سلام عام 2014 وكان لـ «التيار» حصة الأسد فيها وفي ظلهما شهد لبنان أكبر حجم للنزوح؟

ماذا عن تقاعس رئيس الجمهورية ميشال عون طيلة السنوات الست من عهده عن طرح الملف بجدية وتذكّره الأمر في الأسابيع الأخيرة قبل رحيله وإرساله موفداً إلى دمشق بحثاً عن إنجاز يسجّله؟

ماذا عن تقاعس باسيل عن القيام بخطوات عملية في ملف النزوح السوري كوزير للخارجية منذ العام 2014 إلى العام 2020؟ ولماذا استطاعت «القوات اللبنانية» عبر وزير العمل كميل أبو سليمان اتخاذ خطوة عملية للحدّ من تداعيات النزوح عبر ضبط العمالة غير الشرعية ولم تتوقف عند معارضة أطراف كثر لذلك، فيما اكتفى «التيار» بمقولة «ما خلونا»؟

هل نسي باسيل أنّ مجلس الوزراء بموجب القرار رقم 72 تاريخ 23/5/2014 وافق على تشكيل خلية وزارية لمتابعة مختلف أوجه ملف النزوح السوري إلى لبنان برئاسة رئيس مجلس الوزراء وكان هو أحد أعضائها؟ هل نسي باسيل أنّ مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة توقفت عن تسجيل اللاجئين السوريين بدءاً من 6 أيار 2015 بناء على طلب من الحكومة اللبنانية التي كان أحد وزرائها وتياره يملك كتلة وزارية وازنة فيها؟ هل نسي أنّه اتهم خلال مؤتمر صحافي في 28/7/2015 المفوضية بالاستمرار بتسجيل اللاجئين السوريين رغم قرار الحكومة؟ حذّر باسيل يومها من استغلال تسجيل المواليد في توطين اللاجئين السوريين ولكن لم يوضح كيف يمكن اعتبار تسجيل المواليد الجدد توطيناً؟ هل وجود عشرات الآف الأطفال السوريين الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية وإمكان الادعاء أنهم مكتومو القيد أفضل؟

مقابل تورّطهم بوقف تسجيل النازحين، يتعمّد باسيل وحليفه «حزب الله» بشكل أساسي تضليل اللبنانيين عبر التصويب على وقف وزير الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي «مشروع الرصد السكاني» والايحاء أنّه هو من يقف خلف وقف تسجيلهم عام 2015، مع العلم أنّه لم يكن وزيراً يومها بل دخل مع حكومة سعد الحريري في نهاية العام 2016. فيما في حقيقة الأمر، أنّ بو عاصي رفض التجديد للمشروع الذي انتهى تمويله الخارجي بنهاية العام 2016 ولم تتكبد الحكومة التي كانت «القوات» خارجها عناء البحث عن تمويل جديد. كما رفض أن يكبّد الخزينة اللبنانية تكاليف إستمراره كونه غير مجدٍ لمسح النازحين لأنّه كان يتمّ تسجيل «الداتا» عبر استمارات ورقية. كذلك، الكمية الممسوحة كل عام كانت ضئيلة ما يعني أنّ العمل يتطلب سنوات عدة لجمعها وحينها تصبح غير دقيقة وبحاجة لتجديد. أضف إلى أنّ الزبائنية كانت طاغية في توظيفاته وعدد الموظفين يفوق بأضعاف ما هو محدد أساساً في الدراسة التي وضعت للمشروع.

ماذا عن الشعبوية والمزايدة و»قصر النظر» التي دفعت باسيل إلى رفض طرح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع عام 2013 إقامة مخيمات للنازحين السوريين في المنطقة الحدودية اللبنانية – السورية بذريعة الخوف من تكرار تجربة المخيمات الفلسطينية، ما أوصلنا إلى ما نحن عليه من إنفلاش للنزوح على مساحة الوطن بشكل فوضوي، فضاعت علينا إمكانية كبح هذا النزوح ومعالجته منذ البداية؟

اليوم ليس الوقت للبكاء على الأطلال ولا للمزايدة بل لرصّ الصفوف بوجه خطر النزوح وموجاته الجديدة، وبالتأكيد ليس الوقت للهجوم على قائد الجيش جوزاف عون لغاية في نفس جبران وطموحاته الرئاسية.