IMLebanon

جبهة الجنوب: لا داعي للهلع… مبدئياً!

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”: 

في جبهتين متقابلتين، بنيامين نتنياهو يدرس تفاصيل العملية العسكرية الضاربة في غزة، بالتنسيق مع الأميركيين. ومن جهتها، تستعد إيران للمواجهة بكامل قدراتها وأوراقها. فمن سيجرؤ أكثر؟

على مدى سنوات، اعتمدت إيران قاعدة «وحدة الساحات» لتخفيف الضغط عن حلفائها في مواجهة إسرائيل، ولاسيما «حماس» و»حزب الله». فعندما يرتفع مستوى الضغوط على أحدهما يتحرّك الثاني لإشغال إسرائيل في مكان آخر.

لذلك، هناك من يعتقد اليوم أنّ إيران تفكّر جدّياً في الدفع بـ«حزب الله» إلى المواجهة الميدانية، بهدف منع الإسرائيليين من الاستفراد بـ«حماس»، إذا نفّذوا هجومهم البري الموعود. وتالياً، إشغال إسرائيل وتطويقها بالنار جنوباً وشمالاً. ولا يستبعد محللون أن تستخدم إيران ورقة أخرى، وهي الخرق من الداخل، حيث يرجّح أن تكون لـ«حماس» و»الجهاد الإسلامي» خلايا منظّمة وقادرة على تنفيذ ضربات صادمة تستهدف مناطق حسّاسة داخل العمق الإسرائيلي.

لكن لجوء إيران إلى «وحدة الساحات»، في الظرف الحالي، ليس أمراً متيسراً بسهولة. فهناك خصوصيات تتعلّق بالصراع الذي تخوضه مع إسرائيل في كل جبهة، وقواعد فك اشتباك مختلفة بين غزة والداخل الفلسطيني ولبنان وسوريا. فما ينطبق على إحداها قد لا يكون مناسباً في أخرى.

وللإيضاح، عمدت طهران إلى تسديد ضربتها في غزة، يوم 7 تشرين الأول، لإطفاء حمّى مفاوضات التطبيع التي تقودها واشنطن بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، في مقابل فرملة التطبيع بين المملكة وإيران. ففي هذين المسارين، كانت مصالح طهران في خطر، ولا بدّ من حراك انقلابي تقوم به يؤدي إلى ضمان حضورها كمرجعية للتفاوض والقرار في الملف الفلسطيني. ولذلك، كان «طوفان» غزة.

ولكن، على العكس، يبدو الحراك السياسي الذي شهدته الساحة اللبنانية، منذ أشهر، مؤاتياً جداً لطهران ومراعياً لمصالحها. وقد بدأ هذا الحراك قبل عام باتفاق ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان الرسمي الذي يمتلك قراره «حزب الله» في شكل أساسي، وبرعاية الولايات المتحدة.

وعلى هذا الأساس، جرى تفاهم على أن يلتزم «الحزب» ضرورات أمن الطاقة في شرق المتوسط، طبعاً مقابل أن يحتفظ هو بنفوذه داخل السلطة المركزية، أي أن يحظى بالموقع المميز في إدارة موارد الدولة لسنوات. كما بدأ البحث جدّياً في ترسيم الحدود البرية، بموافقة الجميع. ولذلك أيضاً، في الصيف الفائت، جرى التمديد الهادئ لـ«اليونيفيل»، على رغم أنّه كان مرفقاً بتعديلات تضمن لها هامش تحرّك أوسع. ولم يتعرّض لـ«فيتو» من روسيا أو الصين.

في لبنان، إيران مرتاحة لـ«الستاتيكو» المتفق عليه، وكذلك الولايات المتحدة وإسرائيل. ولا يريد أي من هذه الأطراف نسفه وخسارة المكاسب المتوقعة. ومن المؤشرات المهمّة أنّ عملية الاستكشاف التي تجريها «توتال» في البلوك 9 لم تتوقف على رغم انفجار الوضع في غزة والمناوشات في الجنوب اللبناني.

وما يرشح من معلومات يشير إلى أنّ الأميركيين يمارسون أعلى درجات الضغط، ديبلوماسياً، وفي مختلف الاتجاهات، لمنع أي مفاجأة تتسبب بانزلاق أي طرف إلى تصرّف غير محسوب، ما يُخرج الوضع الجنوبي عن ضوابطه.

ويدرك الأميركيون أنّ إسرائيل وإيران تريدان الحفاظ على التفاهمات على حدود لبنان وفي مياهه، وهم يدرسون الصيغة السحرية التي يمكن أن تؤول إلى ضمانها، بسبب صعوبة الفصل التام بين غزة ولبنان.

من البديهي أن ترفض إيران إبقاء غزة وحيدة، وأن تتيح لإسرائيل استفراد «حماس» لإنهاكها أو إنهائها. وهي لا ترى بديلاً من دعمها بالحلفاء الآخرين على حدود لبنان وسوريا، وبالعناصر التي يمكن أن تنقض في الداخل الإسرائيلي فور تلقّيها التعليمات.

ووفقاً لخبراء، قد تؤدي هذه العناصر دوراً موازياً أو أشدّ فاعلية من الدور الذي تضطلع به «حماس» و«الحزب» على حدود غزة ولبنان، لأنّه يتكفّل بضرب المناطق الحسّاسة، في العمق، وبدرجة عالية من الدقّة.

تمارس إيران اليوم سياسة ذكية. فهي تُظهر أنّ «حزب الله» جاهز للدخول سريعاً وبقوة في المواجهة، إذا دخل الإسرائيليون في المغامرة في غزة. وكذلك، هي لوّحت عبر «الجهاد الإسلامي» بانطلاق العمليات العسكرية من الداخل الإسرائيلي. وبهذا السقف العالي، هي تفاوض الأميركيين على المخرج الممكن اعتماده في غزة.

طبعاً، إسرائيل في المقابل لا تستطيع ابتلاع الضربة التي تلقتها السبت الفائت. وهي تريد القيام بعمل يحفظ لنتنياهو ماء الوجه داخلياً وخارجياً. وإذا ساعدتها الظروف، فهي ترغب في تسديد ضربة ضدّ «حماس» تنتزع منها كل قدرة على تنفيذ الضربات في المستقبل.

والمساومات جارية اليوم في شكل غير مباشر، بين إسرائيل وإيران، عبر الأميركيين خصوصاً، حول المحاور الآتية:

1- كيفية خروج إسرائيل من وضعية الإذلال التي أصابتها.

2- إنشاء وضع جديد في غزة يمنع تكرار العملية التي جرت السبت الفائت.

3- منع أي صدمات قد تتعرّض لها إسرائيل على أيدي فلسطينيين في الداخل.

4- إطلاق مفاوضات سياسية تضمن اعتراف إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية.

5- ضمان التفاهمات التي تمّت أو تلك التي هي قيد الإعداد على حدود إسرائيل الشمالية، وضمان أمن الطاقة.

ويتمّ النقاش حول هذه البنود من خلال أقنية عدة، وفي اتجاهات مختلفة، من تل أبيب إلى غزة وبيروت وطهران. وهذه المساومات العاجلة والجارية بعيداً من الأضواء، بمعظمها، هي التي تؤخّر انطلاق الإسرائيليين في تنفيذ الضربة التي يهدّدون بها في غزة.

لا يريد نتنياهو الاستعجال بالضربة وإحراج إيران بحيث تدفع بكامل قواتها، وبكامل قوتها، دفعة واحدة إلى المواجهة. ففي هذا الأمر مغامرة قد تكون مكلفة لإسرائيل أكثر من عملية «الطوفان».

ولذلك، يبحث اليوم نتنياهو عن توازن الحدّ الأدنى من الضمانات. وفي المقابل، يبحث الإيرانيون عن توازن الحدّ الأدنى من المكاسب.

ويعني ذلك أنّ الجميع يتأنّى في غزة، وأن لا داعي للهلع في الجنوب اللبناني. فلا أحد يريد ركوب المغامرات، ولكن لا أحد يريد الخروج مهزوماً. وهنا التحدّي.