IMLebanon

كيف تلعب الحرب النفسيّة دوراً في ساحات القتال؟

في أوقات الحروب، تصبح لغة القوة هي السائدة وترتفع أصوات المدافع بمناطق النزاعات، لتخلف مشاهد من الدمار والبؤس. وبالتوازي مع تلك الصراعات، تظهر حروب أخرى غير دموية تتمثل في “الدعايات النفسية”، التي يرى خبراء أنها “أقوى من العنف”.

وخلال القتال الدائر حاليا بين إسرائيل وحركة حماس المسيطرة على قطاع غزة، برزت “حرب نفسية موازية لأصوات النيران والدبابات، تؤثر في القوات والشعوب على حد سواء”، كما يرى خبراء تحدثوا لموقع “الحرة”.

ويقول العميد المتقاعد ناجي ملاعب، إن “الحرب النفسية تبدأ قبل المواجهة العسكرية وتستمر أثناء ذلك الصراع وبعده”، مردفا أنها توجه للخصم “بغية التأثير على معنويات جنوده وشعبه على السواء.. الحرب النفسية سلاح أقوى من العنف”.

وفي حديثه لموقع قناة “الحرة”، يشير ملاعب إلى أن الحرب النفسية “تهدف إلى فرض سيطرة معنوية على الخصم، تؤدي إلى نجاح العمليات العسكرية، وبالتالي إخضاع العدو للشروط السياسية مستغلا النصر العسكري على الأرض”. ويوضح بقوله: “للحرب النفسية تأثير على معنويات الجند.. إذ يتم التحضير للقتال بترسيخ المعتقدات الدينية أو القومية (لدى القوات) ودحض معتقدات العدو”.

وأخيراً، بثت كتائب “عز الدين القسام” – الجناح العسكري لحركة حماس الفلسطينية – مقطع فيديو يظهر فيه 3 نساء قدمتهن على أنهن من المختطفات الإسرائيليات بقطاع غزة.
ويظهر المقطع ومدته 76 ثانية، السيدات الثلاث يجلسن على كراسٍ بلاستيكية وخلفهن بلاط أبيض اللون. ولم تتحدث سوى واحدة منهن، وبدا عليها الغضب، وصرخت مطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بـ”العمل على تحرير المختطفين” لدى الحركة الفلسطينية المصنفة على لائحة الإرهاب.
وقالت السيدة في الفيديو: “نحن في خضم إخفاقكم السياسي والأمني والعسكري في السابع من أكتوبر، لم يكن هناك جيش ولم يصل أحد”.

في المقابل، اعتبر نتنياهو الفيديو أن هذا “دعاية نفسية قاسية” من قبل حماس، التي وصفها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، بممارسة “تلاعب نفسي” بشأن المختطفين.
وقال نتنياهو في بيان ردا على المقطع: “أتوجه إلى يلينا تروبانوف ودانيال ألوني ورامون كيرشت الذين اختطفتهم حماس التي ترتكب جرائم حرب.. أعانقكم، قلوبنا معكم ومع المختطفين الآخرين”. وتابع: “نحن نبذل قصارى جهدنا لإعادة جميع المختطفين والمفقودين إلى وطنهم”.

وبعد فترة وجيزة من فيديو حماس، أعلن الجيش الإسرائيلي عن نجاحه في “تحرير مجندة كانت مخطوفة” في قطاع غزة، من دون أن يكشف تفاصيل العملية. في المقابل، اعتبرت حماس أن الإعلان الإسرائيلي يهدف إلى “التشويش”، قائلة إن الرواية الإسرائيلية “لا يصدقها أحد”.

ويقول ملاعب إنه “مع وجود وسائل التواصل التي غزت كافة المجتمعات، يكفي أن يتم تداول فيديو من إحدى الجهات المقاتلة حتى يؤدي التأثير النفسي المطلوب”.
و”تلعب مثل هذه الإعلانات دورا كبيرا في التأثير النفسي الواسع على الشعوب والقادة السياسيين”، وفق ما تقول استشارية علم النفس العلاجي ريما بجاني، في حديثها لموقع “الحرة”.
وتشير بجاني إلى أن “الحرب المعنوية أساسية في الصراعات، من خلال ممارسات غسل الأدمغة لتعبئة أفكار مسبقة وروايات بشأن هذه النزاعات وطبيعتها”، مضيفة أن “أي حرب مهما كانت خلفياتها لها تبعاتها النفسية القاسية”. وتوضح: “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني له معطياته الخاصة، مما يشكل تداعيات نفسية ليست فقط على الشعبين، بل حتى على الدول العربية والعالم”.

وترى بجاني أن “التأثير النفسي جراء الدعايات السلبية في زمن الحرب قد يمتد لسنوات، مما يضيف أمراضا نفسية للناس تتمثل في القلق والاكتئاب والصدمة، التي تؤثر على جودة حياة الإنسان”.

وكانت دراسة قد أجريت عام 2011 بجامعة كولومبيا الأميركية، وجدت أن “معدلات اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية كانت مرتفعة”، وأن العديد من الأشخاص الذين يعانون من هذه الأعراض “يكافحون للتعافي بسبب التعرض المستمر للعنف والخسائر الشخصية والفقر”، وفق ما ذكرت شبكة “إن بي آر” الأميركية.
كذلك، “تضيف الشائعات والمعلومات المضللة التي تنتشر بشكل فيروسي في الإنترنت، مزيدا من التعقيد في الحرب النفسية الموازية”.

ويقول الخبير العسكري، ملاعب، إن “الجيوش تعتمد على الاستعلام والاستخبار المسبق، للتمكن من الاستفادة من المعلومات لدى الخصم لاستغلالها في بث الشائعات”.
ويضيف أن تلك المعلومات وإن كانت صحيحة “تؤثر في جهود الخصم، وتهدم معنوياته بواسطة الحرب النفسية، التي يمكن أن تساهم في تحقيق النصر العسكري على أرض المعركة”.