IMLebanon

اجتماعات البرلمان بين “تشريع الضرورة” و”الانتقائية السياسية”

كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:

أسهمت «الانتقائية السياسية» وضرورات تسيير أمور الدولة في دفع كتل سياسية إلى المشاركة في جلسات تشريعية يعقدها البرلمان اللبناني، رغم الشغور الرئاسي. وتخطّي البرلمان قيود «تشريع الضرورة» المعتمد في ظلّ الفراغ الرئاسي، واستعاد المجلس لبعض الوقت صلاحياته تحت عنوان «المجلس سيّد نفسه»، ليقرّ مجموعة «قوانين مهمّة» مستنداً إلى رأي المجلس الدستوري الذي أباح سنّ القوانين بكلّ الأوقات والظروف، وإلى حاجة بعض الأطراف السياسية المسيحية لتمرير قوانين معينة.

ومع دخول البلاد عهد الفراغ الرئاسي في 31 تشرين الأول 2022 مع مغادرة الرئيس ميشال عون القصر الجمهوري، نجح البرلمان اللبناني في عقد جلستَي تشريع أقرّ خلالهما عدداً من القوانين الملحّة، وأخفق مرتين في عقد جلسات مماثلة جرّاء مقاطعة كتلتي «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» لها وتطيير النصاب، علماً بأن كلاً منهما شاركت لحسابات خاصة بها، فكتلة «لبنان القوي» التي يرأسها النائب جبران باسيل شاركت في الجلسة التمديد للبلديات والمخاتير في 18 نيسان الماضي وقاطعتها كتلة «الجمهورية القوية»، ومنذ ذلك الوقت بقي المجلس معطلاً إلى أن عقد جلسة تشريعية عنوانها الأول التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، وقادة الأجهزة الأمنية لمدة سنة إضافية، بعد أن قدمت كتلة «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية) اقتراح قانون التمديد لقائد الجيش وحضرتها مما أمّن نصابها العددي والميثاقي، وهي جلسة قاطعتها كتلة «لبنان القوي»، وأعلنت أنها ستتقدّم بطعن أمام المجلس الدستوري لإبطال هذا القانون.

واستفاد رئيس المجلس النيابي نبيه بري، من رغبة «القوات اللبنانية» في إقرار قانون التمديد لقائد الجيش، فأدرج على جدول الجلسة عدداً من مشاريع القوانين؛ بعضها ضروري والبعض الآخر يحتمل التأجيل.

حق البرلمان في التشريع

وأعلن النائب قاسم هاشم، عضو كتلة «التحرير والتنمية» التي يرأسها بري، أن المجلس «أقرّ في الجلسة الأخيرة 14 قانوناً أبرزها التمديد للقادة العسكريين والأمنيين، وقانون ضمان الشيخوخة الذي يشكل مطلباً تاريخياً للبنانيين». وشدد هاشم في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن «المجلس النيابي صاحب الحق المطلق للتشريع في كلّ الظروف، بدليل قرار المجلس الدستوري الذي ردّ الطعن المقدّم بقانون التمديد للبلديات، وأكد فيه أن المجلس يحق له التشريع بكلّ الأوقات».

صحيح أن المجلس النيابي نجح في عقد جلستين منذ بدء الفراغ الرئاسي؛ الأولى التأمت في 18 نيسان الماضي والأخرى منتصف شهر كانون الأول الحالي، لكنه أخفق في عقد جلستين دعا إليهما برّي خلال شهر حزيران الماضي آب الماضي بسبب مقاطعة أكبر كتلتين مسيحيتين لهما، وغياب الميثاقية (تمثيل الطوائف الأساسية) وتطيير النصاب القانوني، ورأى النائب هاشم أن «الميثاقية تشترط توفرها في كلّ الأوقات حتى في وجود رئيس الجمهورية وحكومة دستورية». وقال: «هذه الجلسة لم يكن مقدراً لها أن تُعقَد لولا توافق ضمني على القوانين التي جرى إقرارها». وأمل في أن «ينسحب نجاح الجلسة الأخيرة على ملفّ انتخاب رئيس الجمهورية التي ستسرّع وتيرتها مع بداية العام الحالي».

مراسيم تطبيقية

القوانين التي أقرتها السلطة التشريعية تحتاج إلى مراسيم تطبيقية لتصبح نافذة، وقد لوّح البعض بأن القوانين لن تسلك طريقها إلى التنفيذ ما دام هناك وزراء (التيار الوطني الحرّ) يرفضون توقيعها، إلّا أن مصدراً وزارياً لفت إلى أن أحداً لن يستطيع تعطيل هذه القوانين، وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»، إن «الدستور أناط صلاحيات رئيس الجمهورية بالحكومة مجتمعة، وبالتالي يصبح لزاماً على الوزراء توقيع القانونين وليس تعطيلهما». وأكد أنه «حتى لو رفضت الحكومة توقيع القوانين، فإنها (القوانين) تصبح نافذة بعد شهر من إحالتها إلى مجلس الوزراء وتُنشر في الجريدة الرسمية»، مذكّراً بأن «الآلية الدستورية التي تسري على رئيس الجمهورية (إعطاؤه مهلة شهر للتوقيع على القوانين، وفي حال لم يردّها للبرلمان ولم يوقّعها تصبح نافذة) تسري حكماً على الحكومة».

المصلحة العليا للدولة

وتعدّ كتلة «الجمهورية القوية» رافعة قانون التمديد لقائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية، لأنها كانت السبّاقة في تقديم اقتراح القانون وتأمين الميثاقية لجلسة التشريع الأخيرة، غير أن عضو الكتلة النائب غياث يزبك، أكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «القوات اللبنانية كانت وما زالت ترفض التشريع في غياب رئيس الجمهورية، وتعد البرلمان مجرّد هيئة ناخبة». وقال: «لأننا نقرأ الدستور بإيجابية، نرى أن هناك محطات أساسية ترتقي إلى مصاف المصلحة العليا للدولة، ومعها يصبح الأمر قابلاً لفتح الأبواب للتشريع، وأهمها عدم ترك الجيش من دون قائد». وذكّر يزبك بأن «كتلة الجمهورية القوية حضرت الجلسة الأخيرة ولم تناقش أي مشروع أو اقتراح قانون، وعندما وصل النقاش إلى قانون التمديد لقائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية شاركنا وصوّتنا وذلك حفاظاً على مصلحة البلد ووحدة المؤسسة العسكرية»، معتبراً أن «الصيغة التي فتحت الباب أمام التوافق للتمديد لقائد الجيش، يمكن أن تفتح الباب أمام عقد جلسات متتالية لانتخاب الرئيس».

تباين بتفسير القانون

وأقرّ البرلمان اللبناني في جلسته الأخيرة 14 قانوناً أبرزها قانون التمديد لقائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية. وتباينت الآراء الدستورية حول القوانين الملحّة التي لا تحتمل التأجيل والأخرى التي لا تحمل صفة العجلة، فأشار الخبير القانوني والدستوري المحامي سعيد مالك، إلى أنه «عملاً بأحكام الدستور لا سيما المادتين 74 و75 منه، فإن المجلس النيابي يتحوّل إلى هيئة ناخبة للرئيس طيلة فترة الشغور في رئاسة الجمهورية»، لكنه شدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن «مشاركة بعض كتل المعارضة، خصوصاً كتلة القوات اللبنانية في جلسة التمديد لقائد الجيش، راعت بالدرجة الأولى المصلحة الوطنية العليا، عندما رأت أن الفراغ في قيادة الجيش ستكون له نتائج كارثية». وأضاف مالك: «انطلاقاً من مقولة (الضرورات تبيح المحظورات) فإن المشاركة لم تخالف الدستور لا بل كانت ضرورية، خصوصاً أن اجتهاد المجلس الدستوري، قال ما حرفيته (عند المفاضلة بين مبدأ دستوري وبين المصلحة العليا للبلاد نختار المصلحة العليا)».

يبدو أن المجلس النيابي سيكون على موعد مع جلسات تشريع في العام الحالي، وبالتالي ثمة مبررات دستورية لمشاركة الكتل فيها وتحت شعار مراعاة الأمن القومي. وقال المحامي سعيد مالك: «عندما تُعرض الموازنة على المجلس النيابي يُفترض أن تحضرها الكتل النيابية، لأن الموازنة مرتبطة بالأمن الاجتماعي، فلا يمكن لأي إدارة أن تعمل بالإطار الصحيح، إلّا مع موازنة كاملة وشاملة، وبالتالي فإن إقرار الموازنة يقع ضمن المصلحة الوطنية العليا».

من جهته، قدّم أستاذ القانون الدستوري المحامي عادل يمين، قراءة مختلفة لتشريع الضرورة «الذي تَمثّل بالتمديد التقني للمجالس البلدية والاختيارية لمدة سنة، والذي شارك فيه التيار الوطني الحرّ حتى لا يقع البلد في أزمة الفراغ على مستوى المخاتير، وبيّن التشريع غير الضروري المتمثّل في التمديد لقائد الجيش». ورأى يمين في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «التمديد للبلديات والمخاتير جاء في حكم الضرورة القصوى، لأنه لو لم يمدد للمخاتير لكانت البلد وقعت في أزمة تتعلّق بوثائق الزواج والوفيات والولادات وبيانات القيد وبطاقات الهوية، التي لا يمكن لأحد أن ينوب عن المخاتير في إنجازها». أما فيما يخص التمديد لقائد الجيش، فلا يجد يمين «أي ضرورة لذلك، لأن القانون صدر على قياس شخص وكان يمكن للمرفق العام (قيادة الجيش) أن تستمرّ بتولي الضابط الأعلى رتبة مهام القيادة»، محمّلاً الأكثرية النيابية المسيحية وقواها السياسية مسؤولية التشريع في غياب رئيس الجمهورية، معتبراً أن الرئيس برّي «نجح في تمرير جدول قوانين فضفاض خارج نطاق الضرورة، وكسر التقليد الذي تكرس طيلة السنة المنصرمة، مستفيداً من اضطرار القوات اللبنانية إلى تمرير بند التمديد لقائد الجيش».

ورغم أن المجلس الدستوري أقرّ خلال ردّ الطعن بقانون التمديد للبلديات والمخاتير بتشريع الضرورة، لا بل أعطى البرلمان حق التشريع في كلّ الظروف، فإن المحامي يمين ذكّر بأن المجلس الدستوري «أباح التشريع في كلّ الأوقات»، لكن يمين دعا إلى «عدم استسهال ذلك في غياب رئيس الجمهورية»، معتبراً أن المجلس الدستوري «خالف قراره الذي أصدره في عام 2005 وأفتى بعدم التشريع في ظلّ الحكومة المستقيلة».