IMLebanon

هل ستدفع الضغوط الدولية اسرائيل الى “الحرب الامنية” بدل “العسكرية”؟

كتب طوني جبران في “المركزية”: 

تلاحقت الضغوط الدولية على اسرائيل من اجل خفض التصعيد في قطاع غزة والتهيئة لما يسمونه “المرحلة الثالثة” من الحرب، والتي لم يتم توصيفها بعد ولا رسم الإطار الذي ستحمله، ان على مستوى العمليات العسكرية أو على مستوى المفاوضات الجارية من أجل ترتيب “هدنة انسانية” جديدة تعددت الاقتراحات الخاصة بشأنها بهدف الإفراج عن مجموعة جديدة من الاسرى والرهائن لدى حماس في مقابل دفعات جديدة من المعتقلين في السجون الاسرائيلية.

وكأن الضغوط الاميركية والدولية التي تعاونت في القيام بها عواصم عدة – بعدما شوهتها المجازر الاسرائيلية ووضعت كل من غض النظر عنها في زاوية ضيقة لمجرد تبريرها – من أجل تقليص حجم العمليات العسكرية وتخفيض مستوى التوتر وصرف النظر عن اي فكرة لتوسيع الحرب الى ساحات اضافية في المنطقة، جاء قرار “محكمة العدل الدولية” ليزيد في الطين بلة، فارتفع منسوب الضغوط الى اقصى الحدود الممكنة على اسرائيل التي لم تستطع تجنب ما تعرضت له من تهشيم في صورتها وتحميلها مسؤولية ما حصل.

ومهما قيل ان القرار كان قاصرا دون لجم اسرائيل باتخاذ اي قرار لوقف الحرب فقد كان كافيا عندما “أمر إسرائيل باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتحريض المباشر عليها” في مقابل “رفض الطلب الإسرائيلي برفض الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا”. وتاكيده بـ “أن الشروط متوفرة لفرض تدابير مؤقتة على إسرائيل لمنعها من ارتكاب الإبادة”.

ولما لم ترتقٍ المحكمة في قرارها الذي اتخذ بأغلبية كبيرة (15 قاضيا من أصل 17) الى مرحلة ” توجيه الأمر بوقف الحرب على غزة”، قيل ان ما امرت به كاف لتخفيف مأساة المدنيين عندما قالت إنه “على إسرائيل أن تتخذ كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأفعال ضمن ما قالت به “اتفاقية الإبادة الجماعية”. واقرت “بحق الفلسطينيين في غزة في الحماية من أعمال هذه الإبادة، مؤكدة أن الشروط متوفرة لفرض تدابير مؤقتة على إسرائيل”. وأمهلتها “شهرا واحدا لترفع تقريرا إلى المحكمة بشأن كل التدابير المؤقتة”.

عند هذه المعطيات والمؤشرات الحديثة التي فرضها قرار المحكمة وما رافقه من ردات فعل دولية واقليمية على مستوى حكوماتها وشعوبها، توقعت مصادر ديبلوماسية في قراءتها لما هو متوقع في المستقبل القريب عبر “المركزية” ان تلجأ اسرائيل الى خطوات تعزز التوجه الامني والاستخباري في عملياتها وتقليص العمليات العسكرية التقليدية حيثما كانت سواء في داخل القطاع او على الجبهة اللبنانية. وهي نظرية مرجحة بكل المعايير المتوقعة، بعدما انتهت الاغتيالات التي نفذتها في لبنان او في سوريا الى ما احدثته من مفاعيل بانت انها اكثر قوة، على الرغم من الفوارق بين ظروف الساحتين وامكانيات التحرك فيهما والأهداف المختلفة. فمهما ظهر التباين في هويات وادوار من تم استهدافهم، فإنها بالنسبة إلى الحرب المفتوحة على أكثر من ساحة ومستوى، تصب في الاتجاه عينه في نهاية الأمر. وخصوصا ان حاولت اسرائيل التسليم بمنطق وحدة الساحات التي تواجهها على اكثر من جبهة.

وعليه، فان المراجع الديبلوماسية والامنية التي تواكب مجريات العمليات العسكرية توصلت الى قراءات جديدة اعطت الاهمية لما نفذ من عمليات امنية تعدت حدود ما سمي بـ “بقواعد الاشتباك” وما فرضته من سقوف يمكن تجاوزها بسهولة طالما انها باتت مبررة وطالما انها تستهدف رؤوسا ومسؤولين عملانيين في مراكز قيادية مختلفة ولم تكن ردات الفعل تجاهها متساوية وفق منطق “العين بالعين والسن بالسن” .

ومرد هذه المؤشرات ان العمليات العسكرية التقليدية باتت محكومة بمعادلة واضحة ولها اثمانها الغالية ان تحولت الى “حرب استنزاف” طويلة تمدد الأزمات التي يعيشها الداخل الاسرائيلي وتؤرق قادة الحرب نتيجة الفشل من الوصول الى اي رأس فلسطيني كبير كان على لائحة الأهداف بعد أكثر من 113 يوما على بدء الحرب. ولربما ان الحرب الامنية قد تسمح لها بالوصول إلى أي مجموعة من الرهائن قبل ان تفقد بأسلحتها المزيد منهم. وهو نصر كانت تريده لتبني عليه الخطوات الاولى لاستعادة هيبة جيشها منذ الأسابيع الاولى للحرب.

على هذه القواعد – تضيف المراجع الديبلوماسية والاستخبارية، استعجلت الادارة الاميركية مساعي اللقاء الرباعي الذي ستشهده باريس في الايام المقبلة ويجمع مسؤولين اميركيين وقطريين ومصريين واسرائيليين تمهيدا لهدنة طويلة الأمد تمتد لستين يوما . وما يعيقها حسب اعترافات أميركية وقطرية ان هناك حروبا داخلية على الساحتين، وداخل البيت الحكومي الاسرائيلي وما بين نتانياهو ومعارضيه، وما بين ما يسمونه “حماس الداخل” و”حماس الخارج” وهو ما تعهدت بتذليله واشنطن والدوحة قبل نهاية الشهر الجاري.

والى تلك المرحلة تحتم المراجع :على العديد من المسؤولين تحسس رؤوسهم، والتنبه لما يمكن اتخاذه من إجراءات، فليس من خيمة فوق رأس احد في ظل ما هو متوفر من تقنيات وأساليب يمكن اللجوء إليها بتفوق لا توازن فيه بين قوة الأطراف المتصارعة ولا قدرة على ان تكون “متبادلة” ويمكن ان تكون اكثر ايلاما مما يجري على الأرض.