IMLebanon

“هدنة غزة”… هل تنعكس تلقائيا في الجنوب؟

كتب طوني جبران في “المركزية”:

في ظل الهجمة الدبلوماسية غير المسبوقة التي تشهدها المنطقة للتخفيف من حدة الغليان العسكري على اكثر من ساحة، تتوسع السيناريوهات التي تحاكي مستقبل الجبهات المفتوحة على أكثر من خيار. وهو ما تترجمه الخيارات العسكرية المعتمدة والتي رفعت السخونة الى الحدود القصوى، بعدما لفت مختلف الساحات المشتعلة من قطاع غزة والضفة الغربية الى جنوب لبنان ومنهما إلى اليمن ومثلث الحدود السورية – الأردنية والعراقية وصولا الى مواقع الميليشيات الموالية لايران في عمق الاراضي العراقية والسورية المستهدفة اميركيا وبريطانيا واسرائيليا وربما اردنيا منذ ايام عدة.

على خلفية هذه المعطيات المتشابكة، عبرت تقارير دبلوماسية غربية وخليجية اطلعت عليها “المركزية” عن مخاوف من حجم التطورات المتسارعة. وكل ذلك مرده الى الفشل الذي منيت به مجموعة المبادرات الدبلوماسية الساعية الى انتاج حل يقود الى “اليوم التالي” ما بعد الحرب بالسرعة التي يرغب بها الوسطاء. فحتى الساعات القليلة الماضية ما زال الاميركيون وشركاؤهم المصريون والإسرائيليون والقطريون يسعون الى تسويق المشروع الذي تم التوصل إليه في لقاءات باريس الأخيرة على مستوى “الرباعية المخابراتية” الذي تم تسليمه الى طرفي الصراع بانتظار الموافقة المطلوبة منهما، ليبنى على قرار حكومة الحرب الاسرائيلية وقيادة حماس، سواء انتهى الى القبول او الرفض، كيفية الانتقال الى المراحل العملية بعد الانتهاء من التعديلات المقترحة من الجانبين والتي انعكست تأخرا في البت بما يمكن تنفيذه منها.

في هذه الاجواء، توجهت الانظار في الساعات القليلة الماضية الى الجبهة اللبنانية التي فتحت على خلفية “مساندة” المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة و”الهاء” اسرائيل، ذلك ان الجديد يتوقف على ما يمكن ان يؤدي اليه القرار الاسرائيلي بالفصل النهائي بين الجبهتين الداخلية في غلاف غزة وما يجري في الضفة الغربية من جهة وعلى جبهتها الشمالية مع لبنان من جهة أخرى. وهو ما كشفت عنه المواقف الاخيرة التي عبر عنها القادة العسكريون من وزير الدفاع الى رئيس الاركان ومعهما مجموعة الوزراء المتشددين الذين رفضوا التجاوب مع المعادلة السابقة التي رافقت مجموعة “الهدن الانسانية” التي توقفت بنتيجتها العمليات العسكرية مع “حزب الله” لمجرد توقفها في القطاع وهو ما لم ولن تقبل القيادة الاسرائيلية أن يتكرر هذه المرة.

وبالإضافة الى هذه المؤشرات السلبية الناشئة، تكشف التقارير الدبلوماسية نفسها، ان هناك من يعتقد في حكومة الحرب الاسرائيلية، ان توقف العمليات في قطاع غزة هذه المرة سيجعل الجيش الاسرائيلي متفرغا للجبهة الشمالية وهو ما تسعى الى ابطاله الوساطات الجارية مع لبنان من خلال سعيها الى الفصل بين الجبهتين، وما تولى نقله معظم زوار بيروت من وزراء الخارجية الغربيين الى قيادة حزب الله عبر المسؤولين اللبنانيين. فهم شددوا على اهمية نزع الذريعة التي يمكن ان تقدم لاسرائيل مثل هذه الهدية قبل ان تواجههم قيادة “حزب الله” بالرفض المطلق وربط اي فصل بين الأزمتين بانتهاء الوضع في غزة وصولا الى “اليوم التالي” لما يجري على قاعدة ما يرضيها ويلبي مطالب المحور الذي يتولى الحزب ادارة هذا الجزء من الجبهات المفتوحة منها بالتنسيق مع مختلف الاطراف من اليمن الى سوريا والعراق بمعزل عن قدرات الاطراف المختلفة وصولا الى طهران.

انطلاقا من هذه المؤشرات، تشير المعلومات المتوفرة ان التوصل إلى أي شكل من أشكال التهدئة في غزة لن ينسحب على جبهة الجنوب، وأن اعتقاد “حزب الله” بانه سيتحكم بها ليس مضمونا إن لم تلاقِه اسرائيل بالمثل. فحزب الله ولبنان يعتبران ان قرار الحرب بيد اسرائيل وان مارست هذه المرة مثل هذا الأسلوب منعا لتقديم أي انتصار للحزب ومحوره، لن يكون ذلك في مصلحة التهدئة. ذلك ان انفلات الوضع الامني في سوريا والعراق واستمرار العمليات العسكرية قد ينسحب على جنوب لبنان وشمال إسرائيل وهو ما سيعطل كل الأفكار المطروحة للتسوية واظهار الحدود في المنطقة وبالتالي لن يكون سهلا أي اختراق يمكن ان يتحقق على مستوى انتخاب رئيس الجمهورية وهو ما يرفع من المخاطر التي تهدد مساعي الخماسية والوسطاء الآخرين .

لهذه الاسباب، انتهت هذه التقارير الى الاشارة الى مخاوف جمة من تفاعلات الوضع في الجنوب وخصوصا ان تواصلت الحرب وتمددت تداعياتها على المستوى السياسي وسط المخاوف الامنية من خروقات داخلية قد تؤدي الى تعقيد الامور اكثر مما هي عليه. وما يزيد في الطين بلة فقدان الوسطاء الداخليين والعرب والغربيين – رغم حجم الزوار منهم الى بيروت ومستوى التحذيرات العالية الخطورة التي نقلت الى المسؤولين وقيادة الحزب – وعجزهم عن إنتاج تفاهمات تؤدي الى احياء السلطات الدستورية ابتداء من انتخاب الرئيس ليستقر الوضع ويتمكن المعنيون من المضي ببعض الإجراءات المالية والنقدية التي تفرج اللبنانيين وتعيد نوعا من الاستقرار المفقود على كل المستويات.