في الوقت الذي لم يعد يفصلنا عن موعد الاستحقاق الدستوري الرئاسي سوى بضعة أيام، ولا تلوح في الافق أية بارقة أمل في تجاوز حتى جانب واحد من الأزمة المتعددة الجوانب، نفاجأ كلبنانيين بسلسلة من الطروحات المهينة المذلّة وفي آن معاً تلك التي تعود بنا الى نقطة الصفر يوم 7 أيار 2008 المشؤوم. فقد أعاد على مسامعنا اللواء يحيى رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري الايراني، اعتباره حدود الامبراطورية الفارسية الايرانية تصل الى شواطئ لبنان، في دعوة جامحة منه لإعادة إحياء أمجاد الامبراطورية الفارسية الاخميدية (قوروش الكبير) وخسرو الثاني الشاهنشاه الساساني. واللافت والمثير ان الجنرال صفوي قد اغفل في تصريحه هذا الشعارات الدينية والرسالة السماوية التي طالما اعتدنا عليها على لسان المسؤولين الايرانيين. وما كاد الجنرال صفوي ينهي تصريحه حتى رددت صدا تصريحات تجاوبت معه من لبنان، بعضها يدعو الى وصول رئيس من لون معين يستسلم بكل صراحة للشروط التي وضعها «حزب الله» خاضع لاملاءاته وذلك بذريعة «المقاومة» ونواهيها وضرورة ارتهان الشعب اللبناني بخياراتها المحلية والاقليمية، وبعض آخر يشيد ببشار الاسد وجيش نظامه الكلياني الذي يتولى حمايته جنباً الى جنب مع مقاتلي «حزب الله» وذلك دفاعاً عن فلسطين، حيث ستكون ايران أماً وأباً للشرق الاوسط برمته الخ..
بل ان هذا الخطاب الأخير لم ينسَ الإشارة لمعركتي القصير والقلمون واعتبارهما نقطة تحول ومنعطفاً تاريخياً في مستقبل الشرق الاوسط. وأي مستقبل للشرق الاوسط تراهم يتوهمون.
بالطبع قد اعتدنا على مثل هذه التصريحات الفئوية الضيقة الافق، التي لا تهدف سوى تعبئة بعض اللبنانيين والعرب باتجاه واحد، وهذا الاتجاه ليس عربياً ولا قومياً ولا علاقة له بالقضية الفلسطينية وحق شعبها ببناء دولته الوطنية على أرضه، دولة قابلة للحياة.. فهل يعقل الاستخفاف بعقول الشعوب العربية لهذا الحد؟
هل يعقل ان يحاصر مخيم اليرموك وضواحيه، ويدك بطائرات النظام الأسدي ومدفعيته وبراميله المتفجرة ثم يموت المئات من أهله يحتضرون جوعاً وبرداً، ثم نغتصب الحقيقة جهاراً أمام سمع وبصر الشعوب العربية بأسرها ونحن نتفرج على اهالي المخيم يسحقون، بل تغرق سواعدنا في دمائهم كفلسطينيين ثم ندّعي اننا «نستعد» لتحرير فلسطين؟ أية فلسطين هي هذه التي تدّعون؟
ألم نسمع منذ شهور غير مسؤول ايراني يتحدث عن لبنان، وعن سوريا، والعراق انها محافظات ايرانية؟ انه الـ(Liebenshrom) الهتلري بنسخة ايرانية طبق الاصل، نظرية المجال الحيوي النازي الذي كان يعتبر الروس والمجريين والبلغار ومقدرات بلدانهم امتداداً لمصالح العرق الجرماني الصفوة في الشعوب. ان بعض المسؤولين الايرانيين يبشرون بسيادة العرق الهندو اوروبي الايراني على الامة العربية الأقل شأناً ذوي الحضارة المتدنية، حتى ولو حبلت بالنبي العربي وانجبت وحملت الاسلام الى أقاصي الأرض.
لقد انبرى الرئيس سليمان المسيحي المنشأ، العربي اللسان والكرامة، اللبناني الانتماء قائلاً: لقد تجاوزتم الحدود! لا بل تجدنا نقول معه وبالفم الملآن: ماذا تبغون من طرح مقولة المؤتمر التأسيسي؟ أتريدون القضاء على دستور الطائف والمناصفة؟ أم تراكم تسعون الى المثالثة ولكن هذه المرة من الباب الخلفي، بل لعلكم تعدون العدة لـ7 أيار جديد؟
انها المقدمة والمدخل والتوطئة بعد الفراغ الدستوري والتعطيل، كي يتم دفع الوطن الصغير الى الهاوية، هاوية الاقتتال الداخلي المدمر المخيف. انهم يريدون سلب المسيحيين آخر موقع لهم في السلطة فما رأي حلفائهم الميامين الذين ينعمون بخيرات المال الحلال المتدفق على لبنان حيث يتم شراء الضمائر من كل الأصناف (أحزاب، فعاليات سياسية، رابطات، نواد، نقابات…).
وبالمقابل، أية وقفة كانت ولا أنبل، وأي عشق للبنان والمسيحيين هو هذا، عندما أهاب الرئيس سعد الحريري باللبنانيين والعرب الحرص على مسيحية رئيس الجمهورية لبنان، وهو الرئيس المسيحي العربي الوحيد، والجميع يعلم كيف ألقى بثقله في انتخابات بلدية بيروت ليتم تكريس المناصفة فيها بين المسيحيين والمسلمين من دون العودة للتعداد الطائفي لعدد الناخبين.
لقد سئم اللبنانيون ثقافة الرماد والحرائق والتهديد بالحرب بل تعليق أنفاسهم وقطعها على الدوام خوفاً من الاقتتال الداخلي والتعدي المتمادي على استقلالهم وكيانهم الوطني، والتلاعب بمؤسساتهم الدستورية ووضع اليد عليها بقوة السلاح والارهاب. لقد سئمنا سياسة العداء للعرب ومضاعفاتها الكارثية، وللتنكر لهويتنا القومية ولمصالحنا الاستراتيجية. فلبنان عربي الانتماء ولن يكون غير ذلك. أما الطروحات الظلامية السوداء أياً كان مصدرها فإلى زوال أكيد.