IMLebanon

الفراغ الرئاسي… طويل

من قال إنّ سقف الفراغ الرئاسي هو أيلول؟ وعلى أيّ أساس تمّ تحديد هذا التاريخ؟ وهل للمسألة علاقة بالاستحقاق النيابي في الخريف المقبل أم بالمفاوضات الأميركية-الإيرانية والحوار السعودي-الإيراني؟ أليس منطقياً أن يتراجع الضغط الدولي بعد

25 الجاري لا أن يتكثّف؟ وهل المسيحيّون قادرون على تشكيل قوّة ضغط تعطّل الحياة السياسية بانتظار انتخاب رئيس جديد؟

المقارنة بين استحقاقَي 1988 و2007 اللذين قادا إلى الفراغ وبين اليوم لا تجوز، لأنّه في الأوّل كان لبنان تحت الحرب، وكان الانقسام من طبيعة طائفيّة، وعدمُ الانتخاب قاد إلى حكومتين مسيحية وإسلامية، وبالتالي للخروج من هذا الواقع كان لا بدّ من “طائفٍ” ما يُعيد ترتيب الوضع الدستوري السياسي والعسكري، خصوصاً بعد “حرب التحرير” التي فتحها العماد ميشال عون على سوريا، ردّاً على استبعاده عن الرئاسة الأولى، وفي محاولة لاستجلاب تدخّل دوليّ يقوده إلى قصر بعبدا.

وفي الاستحقاق الثاني كان الانقسام على أشدّه بين 8 و14 آذار، واستطراداً “المستقبل” والثنائية الحزبية الشيعية التي كانت أولويتها التخلّص من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة لا انتخاب رئيس للجمهورية، وقد افتعلت هذه الثنائية أحداث 7 أيار بغية تحريك الوضع وإعادة التوازن إلى السلطة التنفيذية عبر إدخال الثلث المعطّل في “الدوحة” لفرملةِ الاندفاعة الحكومية لقوى 14 آذار التي أنتجَت المحكمة الدولية ونجحت في إدارة البلاد على رغم إقفال المجلس النيابي في مواجهتها.

لولا تحريك عون للوضع في العام 1989 عبر “حرب التحرير”، لا بنتيجة الفراغ الرئاسي، لما كان اتّفاق “الطائف” على رغم أنّ التعديلات التي أقِرّت هي حقّ للمسلمين، ولولا تحريك “حزب الله” للوضع في العام 2008 للتخلّص من الهَمّ الأساسي المتمثّل بحكومة السنيورة لما كان اتّفاق “الدوحة” الذي شملَ مِن ضمن التسوية الحكومية الاتّفاق على الرئيس ميشال سليمان، وبالتالي، السؤال الذي يطرح نفسه: مَن سيحرّك الوضع اليوم للذهاب نحو اتّفاق جديد أقلّ من “الطائف” وأكثر من “الدوحة”، كما يُحكى؟ وما الدافع نحو اندفاعةٍ من هذا النوع تُجنّب الرئاسة الأولى الفراغ الطويل؟

في الواقع، لا يوجد أيّ مبرّر لتسوية من هذا النوع في المدى المنظور، كما لا مبرّر لتقصير مرحلة الفراغ في الرئاسة الأولى، وذلك للأسباب الآتية:

أوّلاً، الوضع الحكومي بالنسبة إلى “حزب الله” يكاد يكون مثالياً، حيث للمرّة الأولى منذ المساكنة في العام 2005 لا مواجهة من طبيعة سيادية حول طاولة مجلس الوزراء، ونظرية المشاركة من زاوية الجلوس في مواجهة الحزب لا جنباً إلى جنب معه سقطت بالتجربة، هذا عدا الإنتاجية الحكومية التي تبدأ بالوضع الأمني الذي يشهد استقراراً استثنائياً ولا تنتهي بسلّة التعيينات التي إنْ دلّت على شيء فعلى محاصَصةٍ سياسية لا يمكن أن تبصر النور لولا الاتفاق السياسي القائم.

وما تقدّمَ يؤشّر إلى أن لا مصلحة لـ”حزب الله” بتحريك الوضع لتغييره، إلّا في حال توتّر الوضع الحكومي، وتحديداً مع “المستقبل” بشكل كبير، وما عدا ذلك فمن مصلحته استمرار الأمور على ما هي عليه حتى إشعار آخر.

ثانياً، التنازل الذي أقدمَ عليه “حزب الله” حكومياً بتراجُعِه عن المقدّسات التي كان أعلن تمسّكه بها من الثلاثية الخشَبية إلى معادلة 9-9-8 جاء نتيجة الوضع الأمني الذي هدّد بيئته واضطراره إلى تسوية تعيد الاستقرار إلى هذه البيئة.

ثالثاً، أولوية “حزب الله” ما زالت مزدوجة: مواصلة قتالِه في سوريا وترييح الجبهة اللبنانية بغية التفرّغ لهذا القتال، وبالتالي لا يناسبُه المَسّ بهذا الواقع، لأنّه لا يستطيع أن يضمن مسار الأمور واتجاهها، فيما من مصلحته انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع السورية، خصوصاً أنّ بالنسبة إليه هذه الأوضاع تتطوّر لمصلحته.

رابعاً، “حزب الله” يفضّل ضمناً وصول رئيس غير عون، ولكنّه في الوقت نفسه لا يستطيع الظهور بمظهر المعرقل لوصوله، وبالتالي من مصلحته أن يترك مصير حليفه بيدِ تسويةٍ خارجية تقرّر مصيرَه في هذا الاتجاه أو ذاك.

خامساً، لا يبدو لغاية اللحظة أنّ المسيحيين سينجحون بإقناع حلفائهم المسلمين برفض التشريع في ظلّ غياب رئيس للجمهورية، وهذا من حقّهم استناداً إلى المادتين 74 و75، حيث يُعتبر المجلس بعد 25 الجاري هيئة انتخابية لا اشتراعية “ويترتّب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أيّ عمل آخر”، وذلك في تكرار لسيناريو حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة، وهذا الأمر بديهيّ ومنطقيّ، لأنّ خلاف ذلك يعني أنّ الأمور تستقيم من دون حكومة ولا رئيس الجمهورية، فيما غياب القدرة على التشريع يشكّل أحد عوامل الضغط التي أقرّها الدستور على الكُتل السياسية للحَؤول دون الفراغ أو إطالة أمدِه.

فلكلّ هذه الأسباب من الصعوبة بمكان التكهّن بالسقف الزمني للفراغ الذي سيبقى مفتوحاً إلّا إذا برَز وضعٌ داخليّ أمنيّ مُلِحّ يدفع المجتمع الدولي للتدخّل، فيما الوضع الحاليّ لا يدعو هذا المجتمع للتحرّك، أو إذا نجحَ المسيحيّون في توسيع مساحة التضامن معهم برفضِ التشريع، وما عدا ذلك يعني أنّ الفراغ الرئاسي… طويل.