IMLebanon

امتعاض مسيحي من «الاعتداء» على الترشيح الرئاسي

تحذيرات كنسية من المسّ بالتوازنات الداخلية

امتعاض مسيحي من «الاعتداء» على الترشيح الرئاسي

يدير وليد جنبلاط رؤوس المسيحيين. ليس من باب متابعة الرجل وملاحقة تغيّراته وتبدل مواقفه فقط. يدير رؤوس المسيحيين بمعنى يسكرهم ويسحرهم ويؤلمهم ويعجبهم ويستفزهم. يبادلونه الحذر. يعرفون ان الاقتراب الكبير منه يحرق، والابتعاد الكبير عنه يعريهم من مصدر دفء اساسي. وإلى الآن لم يكتشفوا المعادلة الناجعة. لا يساعدهم “البيك” في ذلك. على الارجح، ارباكهم في التعاطي معه يرضيه ويعوض لديه “حساسية” تاريخية حكمت العلاقة طويلا بينه وبينهم.

لا يتوقف جنبلاط عن ادهاش المسيحيين، وفي الوقت نفسه، استفزازهم. بالامس رشح حفيد ميشال شيحا لرئاسة الجمهورية اللبنانية. هنري حلو، “ابن البيوت” السياسية التي تربطه علاقات نسب بآل فرعون واده، الممعن في لبنانيته، دمث ومسالم و”هامشي”، بأكثر مما تحتمل السياسة اللبنانية ولاعبوها وبيادقها، وربما بالقدر الذي يشتهيه جنبلاط لرئيس الجمهورية اللبنانية الماروني.

تسللت الاعتراضات على ترشيح جنبلاط لحلو في الاوساط المسيحية. تكررت الاسئلة نفسها. هل كان جنبلاط ليفعل الامر نفسه مع موقع رئاسة مجلس النواب؟ هل يمكن ان يفكر حتى في اقتراح اسم ينافس رئيس المجلس الحالي نبيه بري؟ هل كان جنبلاط ليقترح او يفرض اسما لرئاسة مجلس الوزراء من دون سابق توافق او حد ادنى من تنسيق مع سعد الحريري و”تيار المستقبل”؟ هل يقبل جنبلاط بأن يقترح احد عليه اسم نائب او حتى موظف من الطائفة الدرزية؟ اسئلة ضجت بها الاوساط المسيحية على اختلاف ميولها السياسية. حتى في الاوساط الكنسية ابدى عدد من الاساقفة انزعاجهم من الاسلوب. وعلق احدهم موضحا ان “رئيس الجمهورية اللبنانية يفترض ان يتحلى بالكثير من الصفات الشخصية التي يتمتع بها النائب هنري حلو، لكننا هنا لا نقيّم الرجل وسيرته الشخصية، بل نقيم موقعه السياسي وأداءه. ففي بلد يزداد يوما بعد يوم تأثير الطوائف في الحياة السياسية فيه، وتتعزز الانقسامات والصراعات، وتغرق الاحزاب في طائفية المنتسبين اليها، كيف يمكن هضم مبادرة زعيم درزي بترشيح نائب من كتلته لأرفع منصب في الجمهورية متوافق على انه يمثل طائفته في هذا الموقع بقدر تمثيله سائر اللبنانيين؟”.

تتفهم الاوساط الكنسية ما تم الترويج له حول خلفيات ترشيح جنبلاط لحلو. تتفق معه على “بعض منطلقاته لكسر الاصطفافات الحادة”، لكنها لا توافق ابدا، لا على الاسلوب ولا الاخراج ولا حتى المقاربة، لأنها ترى أن “على جميع القوى في لبنان ان تحترم توازنات البلد وتركيبته، وان تعمل في الوقت نفسه على الخروج من شرنقة الطوائف، لكن بناء على توافقات وتوازنات دقيقة تحفظ للجميع خصوصياتهم”.

تضيف الاوساط “يجب ان يتذكر وليد جنبلاط اننا كلنا في هذا الوطن اقليات. لكننا كلنا ايضا اساسيون في غنى البلد وتنوعه. ولا يمكن لصيغة الغالب والمغلوب ان تستقيم في هذا البلد. ولا يمكن ان تمعن الطوائف الاخرى في تهميش المسيحيين، كما كان سائدا ابان فترة الوصاية السورية على البلد. وفي المناسبة، وما دام وليد جنبلاط اختار ترشيح حفيد ميشال شيحا لرئاسة الجمهورية، ننصحه باعادة قراءته على هدي الوقائع الراهنة”.

تكرر الاوساط الكنسية اولويات لا بد من احترامها. ابرزها: “انجاز الاستحقاق الانتخابي في موعده الدستوري واحترام الآليات الديموقراطية ومحاولة جمع الارادات المحلية للتوافق على رئيس. حرام ان نسمح بتطيير الفرصة للبننة الاستحقاق، والاعلان للعالم اجمع اننا بلغنا سن الرشد الوطني بالفعل والممارسة. هي من اللحظات التاريخية التي يمكن اقتناصها والبناء عليها، فلماذا نهدرها؟”. الاوساط نفسها، التي تدعو الى انتهاز الفرصة، لا تبدي تفاؤلا كبيرا بتحقيق مطالبها، لا لجهة احترام المهلة او اختيار رئيس صنع في لبنان. وهي تكشف ان “آباء الكنيسة المارونية يدعون في عظاتهم، وفي كل كنائسهم، للضغط على المسؤولين لانجاز الاستحقاق، والتشديد على اهمية تعالي القيادات المسيحية عن مصالحها الخاصة وحساباتها الآنية لمصلحة المسيحيين واللبنانيين عموما. لكن كل وسائل الضغط لا تنفع اذا لم يتحمل النواب مسؤولياتهم الضميرية والاخلاقية، قبل القانونية والدستورية، ويتوجهوا لانتخاب رئيس”.

وإلى ان يتم ذلك، سيراقب اللبنانيون الفراغ يتسلل الى موقع الرئاسة ويتابعون الزعماء اللبنانيين في لعبة استعراض قوى بعضلات خارجية.