IMLebanon

حرّيات بشار الأسد وإعلام الممانعة

 

الحرية كلمة سائبة. يمكنك بيسر وسهولة تحويل كل القضايا والمصالح والمشاريع مهما كانت وجهتها وحصيلتها إلى أرصدة في «الحرّية».

يمكن مثلاً لنظام آل الأسد في سوريا أن يصف نفسه بأنه يدافع ليس فقط عن الوطنية والقومية والعلمانية والأقليات وبقاء الدولة بل عن «الحرّية»، وليس عن حرّية ارتكاب الجرائم، بل عن حرّية القول، حرّية وليد المعلّم مثلاً في القول وتجاوزه الوقت المخصّص في مؤتمر جنيف، وحرّية بشّار الأسد في الدحض الخطابي لمؤامرات الإمبريالية.

يمكن في السياق نفسه أن ينصّب «إعلام الممانعة» نفسه «إعلاماً للحرّية». صحيح أن صفحات وشاشات هذا الإعلام مليئة بالحجج الملاكة ليلاً ونهاراً ضدّ التقاليد الليبرالية، والداعية لقمع هذا وتصفية ذاك، والمهووسة بزمرة الطغاة الممانعين عبر العالم، الا أنه أيضاً «إعلام للحرّية» على طريقته. إعلام يعتبر أنّه ينتمي إلى منظومة الفضح الإعلامي المواجهة للإمبراطورية العالمية إلى جانب جوليان آسانج على «ويكيليكس» وإدوارد سنودن المنشق عن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وفاضح برامج تجسّسها. طبعاً، ثمة فارق شاسع بين المواد الجدّية للغاية التي كشفها المذكوران، وبين المتشبّهين بهما عندنا، لكن ذلك لا يغيّب مشتركاً أساسياً، وهو الاتفاق على تصوير «المخابرات» في الأنظمة التسلّطية على أنها «مخابرات من أجل الحرّية» ما دام لها مصلحة في كشف عثرات الديموقراطية وتناقضات الليبرالية في المجتمعات التي تنعم بأنظمة دستورية تعدّدية وتداول سلطة وترتكز إلى مدوّنة حقوق الإنسان.

النظام الأسدي يناضل من أجل «الحرّية». حرّية أن يبقى وليد المعلّم قادراً على التكلّم بغطرسة و«وطنية» في المحافل الدولية. «حزب الله» يناضل بدوره من أجل «الحرّية». حرية أن يبقى زعيمه قادراً على متابعة «حربه المفتوحة» الكلامية ضد إسرائيل بالتوازي مع متابعة حربه المفتوحة الميدانية في سوريا. نعم، الجماعة الممانعة تهمّها هي أيضاً بهذه الطريقة مسألة الحرّية، وحرّية إبداء الرأي، وترى أنها كأي حرية، مهدّدة.

بديهي هنا أن الممانعين يحرمون أخصامهم، كما أنصارهم من «العامة»، من هكذا حرية. فالأخصام بيادق في أيدي المؤامرة الكونية أو مغرّر بهم، والموالون للممانعة عليهم بالولاء لا بالحرية. في الحالتين رأي أشاوس الممانعين واحد: الفاقد لحرية الذات ليست له حرية القول. أما الممانع الأصيل فما دامت له حرية الذات فله حرية القول كامتياز شبه حصري.

لكن المسألة لا تكمن في مناقشة هذه الحصرية أو الاستنسابية. المسألة تظهر عند طرح السؤال عن حرّية الكذب. هل نملك الحق في الافتراء والكذب وفي حمل الصادق على تكذيب صدقه واستبداله بكذبه؟ طبعاً، لا بدّ من الاعتراف بأن للمرء «حقاً ما» في الكذب. لكن عندها لزم أن يكون حد قانونيّ: هناك أكاذيب لا يعاقب عليها القانون. وهناك أكاذيب لا وجود للقانون إن لم يكن لمعاقبتها. هناك أكاذيب تحول دون تطبيق القانون.

حرية الكذب المطلقة هي ما يطالب به «إعلام الممانعة»، ويحاول إدراجها ضمن «حرية الرأي»، و«حرية الإبداع»، و«الحق في المعرفة». أكثر من ذلك هو يطالب بحرّية منع الصادق من قول صدقه وإجباره على تكذيب نفسه إن استدعى الأمر.

الحرّية كلمة سائبة. ليس معنى ذلك أنها غير ضرورية. بالعكس تماماً. فهي تساعدنا على تمثّل كيفية تفكير أمثال بشار الأسد وصحافيي الممانعة حين يسعون وراء «حرّياتهم». لا قيام لاستبدادهم إلا بهكذا اعتباطية، أي بهكذا «حرية».

وهذا بدوره يساعدنا على فهم أن الحرّية ليست لعبة كلمات. فلو استدعى الأمر لأمكن إبدالها بنقيضها اللغوي لأداء مضمونها الصحيح خير من صريح لفظها: فالحرية الحقيقية هي الحق في «قمع» كذب بشار الأسد وهي الحق في «قمع» الكذب الإرهابي المنظم ضد مسيرة العدالة ومعرفة من قتل رجالات الاستقلال اللبناني الثاني. الحرّية قمع قانوني لأعداء الحرية ومحترفي الأكاذيب المنظّمة المعترضة سير العدالة.