IMLebanon

«ما ترجع».. لا نريده رئيسا!

لن يكون الرئيس سعد الحريري السياسي الأول ولا الأخير في تاريخ الذين عاشوا في دائرة الخطر الأمني، وظلّ لأكثر من عامين حبيس قصر قريطم محرومٌ من أبسط حقوقه كمواطن بعيش حياة غير مهددة بالقتل، أو آخر الذين عاينوا التهديد اليومي بالاغتيال أو الذين اضطروا للمغادرة إلى منفى اختياري بعد تحذيرات أمنيّة من تدبير محاولات استهدافه بالاغتيال، تماماً مثلما نفّذ حزب الله اغتيال أبيه الرئيس الشهيد رفيق الحريري برغم التحذيرات الدولية الأميركيّة والفرنسية من المسّ بحياته، ومع هذا «جالسه» ميشال عون وقدّم له إغراءً «سخيفاً» «أنا الرئيس» لأضمن أمنك، ومهما اجتهدت التفسيرات بالأمس في تدوير زوايا ما قاله عون،  فإنّ القاصي والداني يعرف أنّ ثمة قرارٍ باغتيال سعد الحريري صدر من تحت سابع أربع في الضاحية الجنوبية وفي طهران وفي دمشق، لذا كلمة أمن هنا لا تحتاج إلى كثير اجتهاد في تبريرها أو تفسيرها أو تأويلها!!

لن يكون سعد الحريري الأوّل ولا الأخير على قائمة الزعامات المنفيّة أو المسجونة أو المهددة بالاغتيال، في ظل كوكبة من شهداء ثورة الأرز الذين سقطوا على جلجلة المحكمة الدولية واستماتة القاتل لطمس جرائمه!! ولا نريد أن نذهب بعيداً في التاريخ، بل منذ فخر الدين المعني الثاني وصولاً إلى منفى سعد زغلول…

في أيلول 1613 أبحر الأمير فخر الدين الثاني من صيدا، فراراً من بطش أحمد الحافظ باشا، والي دمشق الجديد، على ثلاثة مراكب إلى دوقية توسكانا عاد الأمير فخر الدين إلى لبنان عام 1618، أي بعد غياب خمس سنين، وصولاً إلى أبرز الزعماء المصريين على مدار التاريخ سعد زغلول الذي اعتقل ونفي إلى جزيرة مالطة هو ومجموعة من رفاقه في 8 آذار 1919  فأنفجرت ثورة 1919  في مصر واضطرت «بريطانيا العظمى» يومها إلى عزل الحاكم البريطاني وأفرج الإنكليز عن سعد زغلول وزملائه وعادوا من المنفى إلى مصر…

بالطبع لا أضع هنا سعد الحريري في مصافّ فخر الدين الثاني ولا سعد باشا زغلول، هي فقط مقارنة في أن المنفى لا يلغي زعامة ولا يبدّد إرثاً سياسياً كبيراً، ولو أصغى الرئيس سعد الحريري لأكثر من نصف اللبنانيين لقالوا له: «ما تجي.. ولا تصدّقه.. ولا نريده رئيساً»!! أما السياسيين اللبنانيين المنشغلين منذ الأمس «بأفصح» التصريحات حول هذه المساومة الأمنية، فنقول ثمة ما هو أكبر بكثير من أمن سعد الحريري يساوم عليه ميشال عون، هو يساوم على لبنان وأمنه وعلى اتفاق الطائف في دعوة صريحة للمثالثة أطلقها وهي أخطر ما يتهدد استقلال لبنان وكيانه اليوم، كأنهم لم يسمعوا سوى جملة من كلام ميشال عون مع أنّه قال الكثير، فقد قال ميشال عون: «يجب أن يحصل تغيير جذري بالنظام لكي ننتخب رئيس جمهورية ومجلس للنواب» الرجل يريد تغيير النظام من أجل أن يصل إلى رئاسة غير مضمونة، هي واحدة من تلك المغامرات التي خطف إليها لبنان والمسيحيين فكبدّنا تسليم لبنان للوصاية السورية خمسة عشر عاماً، وتعطيل تنفيذ اتفاق الطائف، ثمّ تفوّه بحكمة لم يكن يعرفها ربما في العامين 1989 و1990 فقال: «من يريد أن يربح حربه يربحها قبل الدخول إليها وإلا لا يجب أن يخوض الحرب»، ما زالت الرئاسة بالنسبة لميشال عون «حرباً» يخوضها مهما تكبّد لبنان من خسائر مميتة!!

لقد اختصر ميشال عون أسوأ ما يواجهه لبنان اليوم بسببه بجملة واحدة: «أنا ليس لدي وقت أخسره»!! صحيح؛ لا وقت عند عون ليخسره هي معركته الأخيرة، ومن بعده «عمرو ما يكون في لبنان»!!