IMLebanon

3 أسباب وراء عجز النظام عن حماية الساحل

أعطى التدخل الروسي الأخير ضمانة لعلويّي سوريا في أمنهم ضدّ أيّ مخاطر، وحفَر بحروف ثابتة دورهم أو مكانتهم في أيّ شكل ستأخذه سوريا في المستقبل. فهل تلغي هذه الضمانة إلتزام علويّي سوريا خيارات الدفاع المشترك مع «حزب الله» خصوصاً في حمص والقُصير وجرود القلمون؟ هل ما زال العلويون على استعداد لخوض حرب إستنزاف ضدّ الجغرافيا والديموغرافيا في فتنة «الى يوم القيامة»، أم أنهم سوف يكتفون بضمانات روسيا؟

لم يعد يستطيع الجيش السوري، ولا ميليشا «درع الساحل» التي أنشأها النظام، حماية الساحل وبلاد العلويين، لأسباب عدة ومعروفة أهمّها:

أولاً، حرب الإستنزاف التي يخوضها الجيش السوري منذ أكثر من أربع سنوات. وقد عانى علويّو سوريا خصوصاً من حرب الإستنزاف هذه ولم تعد لديهم رغبة في القتال للدفاع عن النظام في دمشق وحلب وغيرها من المدن السورية. وتُسجل اليوم نسبٌ عالية من الفرار وعدم إلالتحاق بصفوف الجيش السوري بين العلويين الذين يفضلون القتال للدفاع عن منطقتهم الساحلية، خصوصاً بعد سقوط جسر الشغور.

ثانياً، تلعب ديموغرافية اللاذقية دوراً أساساً في الضعف التكتي للنظام في الدفاع عن الساحل والمنطقة العلوية. فمدينة اللاذقية ذات الاكثرية السنّية قد زاد عليها النزوح السوري الداخلي في نسبة السنّة، كما أنّ البلدات والقرى في ريف اللاذقية الشمالي والشرقي هي سنّية بغالبيتها، وهي أيّدت المعارضة المسلّحة منذ بداياتها، وعلى سبيل المثال لا الحصر يشكل جبل الأكراد اليوم حصناً من حصون المعارضة السورية.

ثالثاً، يلعب التأثير التركي، القريب جداً من اللاذقية، دوراً أساسياً في إضعاف قدرات النظام القتالية بين اللاذقية والحدود السورية التركية على الساحل، وفي العمق حتى حلب، وقد قلّل الأتراك من فعالية تحالف المصالح بين النظام وأكراد شمال سوريا.

من هنا يفسر اضطرار روسيا الى التدخل المباشر بقواتها العسكرية، لحماية الساحل السوري، فمن جهة، يُعتبر الدفاع عن الساحل دفاعاً مباشراً عن مصالح روسية العملانية والإستراتيجية، إذ إنّ طرطوس ومرفأها الرئيسي والمرافئ الأصغر حجماً شمال المدينة تشكّل مركز ثقل نوعياً حاسماً في إستراتيجية البحرية الروسية.

فهي المرافئ الوحيدة للبحرية الروسية في العالم في مياه دافئة، وتؤمّن الدعم البحري والمعلوماتي خصوصاً للعمل في البحر المتوسط، ومن خلال قناة السويس وجبل طارق.

ومن جهة أخرى، يلعب أمن المنطقة الساحلية دوراً أساساً في مصير الحرب في سوريا وما قد ينتج عنها. إذ إنّ للروس مصالح إقتصادية في الساحل السوري من غاز وبترول، ومن أنابيب توزيع الغاز والبترول، الى الإستثمارات بمليارات الدولارات التي بدأت منذ أيام الإتحاد السوفياتي.

ولروسيا مصالح سياسية وجيو-سياسية في سوريا الساحل، خصوصاً بعد فقدان ليبيا والعراق ومصر والى ما هنالك من دول كانت تدور في فلك الإتحاد السوفياتي.

لكنّ الأسئلة التي تُطرح اليوم هي تأثير هذا التدخل «الحليف» على الحلف الإيراني-العلوي- حزب الله وعلى حروب الأنظمة العربية ضدّ الإسلاميين المتشدِّدين مثل «داعش» وغيرها.

لإيران و«حزب الله» مصالح أساسية في الساحل السوري. وأهمّ ما ترتكز عليه هذه المصالح هو التواصل البرّي بين المنطقة العلوية والبقاع الشيعي لما لهذا التواصل من أهمية في مواجهة الخطر الوجودي للأقليتين.

وفي هذا التواصل حسم التحالف العلوي-الإيراني- «حزب الله» خياره العسكري منذ إندلاع الحرب السورية، فكان خيار القتال لفرض الواقع على الأرض في القُصير، وفي حمص والجرود على الحدود اللبنانية السورية. وتبقى حمص، في هذا الخيار الإستراتيجي المركز النوعي الأهم.

فهل يُغيِّر التدخل الروسي من الخيار الإستراتيجي لعلويّي الساحل؟ وهل سيسمح الروس، على الأقل، بتمرير الدعم اللوجستي من جبال العلويين الى «المقاومة الإسلامية» في لبنان كما كان يحصل سابقاً؟ أم سيلتزمون قوانين لعبة مع إسرائيل تحرم فيها «حزب الله» من العمق الحيوي الوحيد بعد فقدان العمق الحيوي السوري؟

وكيف ستكون ديناميكيات العمل الروسي – الإسرائيلي، خصوصاً مع طائرات الإستطلاع الإسرائيلية، كتلك التي سقطت أخيراً في طرابلس، أم مع مجال العمل الجوي الروسي الإسرائيلي والدفاعات الجوية وما قد ينتج عنها من «أخطاء».

من جانب آخر، ما هو تأثير هذا التدخل الروسي في حروب الأنظمة العربية ضدّ الإسلاميين؟ وهناك مَن يقول إنّ النظام السعودي لا يعارض إستراتيجية وأهداف التدخّل المباشر لروسيا المنحصر في الساحل، على أن يقتصر التدخل خارج الساحل على الدعم الجوي واللوجستي والمخابراتي للنظام ضد الإسلاميين.

فالحماية الروسية للأقلية العلوية تحيِّد العلويين عن الصراع على «السنّة» في صحراء سوريا – العراق وتحرم المتشدِّدين من «شرعية» مقاتلة الشيعة، وبالتالي تحصر الصراع بين الأنظمة العربية والمتشدِّدين الذين هم أدرى بأهل البيت والوحيدون القادرون على إنزال الهزيمة بهم في الميدان وفي العقيدة.

ولكن، ماذا لو طوَّر الروس تدخلهم المباشر خارج منطقة الساحل؟ كيف سينعكس ذلك على خيارات الأنظمة العربية في سوريا والعراق؟ وهل يُحرج هذا التدخل في العمق السوري للروس عندها الأنظمة العربية فيُجبرها على إعادة النظر في خياراتها في محاربة الإرهاب، فتنزلق المنطقة أكثر فأكثر في حروب إستنزاف وفتنة أعنف مما شاهدناه حتى الآن؟

قد لا يكون التدخل الروسي معادياً لإيران ولـ»حزب الله»، ولكن وبلا أيّ شك فقد شكَّل هذا التدخل «الحليف» تغييراً في صنع القرار لعلويّي سوريا. وربما خلق كذلك ديناميكيات جديدة للحلف العلوي – إلايراني و»حزب الله» بحيث تحوّلت معه الرؤى للمخاطر الوجودية ولم تعد متطابقة بين علويّي الساحل والشيعة. ولكن، يبقى الأهم عمق التدخل البرّي المباشر الروسي، وكيف سيؤثر ذلك على خيارات الأنظمة العربية في محاربتها للإرهاب.

عميد متقاعد