IMLebanon

رجل لكل الفصول  

 

قد يكون الرئيس نبيه بري أكثر السياسيين وضوحاً في مواقفه المعلنة وغير المعلنة. فالرجل يعرف (جيداً جداً) ما يريد، وقلما تخطىء حساباته، من أي نوع كانت، وهو محترف سياسة من طراز نادر: «عَ المكشوف».

ولو أردنا أن نسترجع مسيرته في المسؤولية من أيام تعيينه وزيراً قبل نحو ثلاثة عقود الى اليوم، خصوصاً مرحلة ترؤسه (الدائم) للمجلس النيابي وهو يتعامل مع التطورات وطبعاً مع الأطراف كافة على قاعدة: «نحن هنا»!

والـ»نحن هنا» تترجم في سلسلة خطوات ومواقف ومصالح معروفة جداً وليست بخافية على أحد.

قد يبالغ البعض في الكلام على المصالح. والرجل ليس في مجال النفي أو التأكيد. فقط هو يقول ويكرّر إنه على قاعدة «عدس بترابو… وكل شي بحسابو». وهذه القاعدة الذهبية التي أورثنا إياها تراثنا الشعبي في المثل السائر، جاءت على لسان رئيس المجلس لترفد، بقوة، قولاً له سابقاً، هو أيضاً من أمثالنا السائرة: «عَ السكين يا بطّيخ». والمعنيان واضحان لا يلزمهما أي شرح أو تفسير أو تأويل.

فهل ثمة ضرورة للتأكيد على أنّ تحريك الملف النفطي ما كان له أن يحدث لولا انْ رفع دولته «الڤيتو» عن المشروع الذي كان قد أعدّه وزير الطاقة السابق، وزير الخارجية الحالي جبران باسيل؟

وهل ثمة ضرورة الى تكرار القول إنّ التوافق بين الرجلين على تحريك ملف النفط والغاز هو أمرٌ منفصل عن ملف رئاسة الجمهورية عكس ما خُيّل للجنرال ميشال عون وقيادات بارزة في التيار الوطني الحر.

فالرئيس بري يتعامل مع الملفات بـ»القطعة» وليس بـ»الجملة»… لأنّ «كل شي بحسابو». وهو بارع في الصراع قدر براعته في الوفاء لالتزاماته ولصداقاته… وخصوصاً قدر براعته في إثبات الوجود، مهما كانت التضحيات، ففي الحرب حارب… بل لم يبقَ طيف تقريباً لم يحاربه: من «حرب المخيمات» الى «حرب العلمين» مروراً بسلسلة حروب لا تنتهي. وهو وقف صامداً في وجه المدّ الهادر لحزب اللّه وثبّت نفسه ركناً أساساً في «الثنائية الشيعية». وهو إتخذ موقفاً حاداً من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي خرج منها الطيف الشيعي ومعه وزير البيئة آنذاك يعقوب الصراف… ولا تزال تداعيات مواقفه من تلك الحكومة ماثلة ومتواصلة حتى اليوم… ما أدّى الى تعذّر إقرار موازنة للدولة. وهو تحالف وتيار المستقبل في إنتخابات الـ 2005 النيابية، ولم يكن الأمر كذلك في 2009، ومع ذلك كان «المستقبليون» أوّل من أيده في رئاسة مجلس النواب.

إن دولته ظاهرة فريدة في عالم السياسة، ولعلّه أكثر ما ينطبق عليه مبدأ الحبيب بورقيبة: «خذ وطالب»، خصوصاً بالنسبة الى طائفته الشيعية الكريمة منذ ان ترأس حركة «المحرومين» التي أنشأها ذلك العملاق في السياسة والوطنية الإمام موسى الصدر. باختصار إن دولته «رجل لكل الفصول».